فرصة أخيرة..!
جاء الإعلان الروسي الرسمي في منتصف الأسبوع الماضي عن انطلاق تحضيرات جنيف3، وقبله تطابق تصريحات وزيري الخارجية الروسي والإيراني حول الحل السياسي للأزمة السورية وضرورة قيام الدول الأخرى بتسهيل توافق السوريين فيما بينهم ودون تدخل خارجي، وبعده ترحيب الخارجية الإيرانية بتقرير المبعوث الدولي إلى سورية، وما تضمنه من إجراءات عملية لتقريب هذا الحل على أساس بيان جنيف1، وظهور مبادرات مختلفة، من هنا وهناك، متباينة البنود والغايات، جاء كل ذلك ليؤكد مجدداً وخلال فترات متقاربة ومتسارعة زمنياً على أن اتجاه الذهاب للحل السياسي هو قيد التحول السريع إلى أمر واقع.
وإذا كان الحل السياسي سيكون شيئاً آخر مختلفاً عما في أذهان أو رغبات أو خطط أي طرف منفرد، فإن تلك التطورات ذاتها مع كل ما سبقها خلال الأسابيع القليلة الماضية تؤكد، من ضمن أشياء أخرى، على أن استحقاقات الحل السياسي تزيح أكثر فأكثر إلى الوراء ومن على طاولة اللقاءات والنقاشات والمداولات أفكار وأوهام «الحسم والإسقاط» باتجاه إنهائها عملياً، وهي الساقطة من أذهان عموم السوريين الباحثين عن بصيص أمل حقيقي يكون كفيلاً بوقف كارثتهم الإنسانية المفجعة على المستويات كلها مع كل ثانية تمر عليهم دون الوصول إلى ذلك، سواء في داخل سورية أو في مخيمات اللجوء.
وإن هذه الإزاحة ترتب على الأطراف جميعها إعادة النظر بمختلف جوانب طروحاتها السابقة في التعامل مع الأزمة لأن إحداثيات «الحسم والإسقاط» التي بنت عليها سياساتها ومواقفها وممارساتها فقدت أرضيتها الموضوعية، حيث بات على هذه الأطراف أن تتعامل جدياً مع استحقاقات الحل السياسي والانطلاق منها بوصفها الإحداثيات التي سيتعاظم حضورها أكثر فأكثر من الآن فصاعداً.
وكلما سارعت تلك القوى التي تعلن رغبتها بالتوجه للحل السياسي إلى إجراء إعادة النظر الذاتية هذه، فإنها ستسهم في تسريع إطلاق هذا الحل وتخفيف العوائق من أمامه، بالاستفادة من التحولات الجارية في ميزان القوى الدولي والإقليمي الذي يسير في غير مصلحة واشنطن وحلفائها، وبالاستناد إلى أن فكرة الحل السياسي للأزمة السورية هي فكرة سورية المنشأ أساساً، تبناها «المجتمع الدولي» لاحقاً، لتصبح مثار تجاذبات ميزان القوى المذكور، وخاصة مع ارتفاع مستوى تدويل الأزمة.
إن نضج الظرف الدولي والإقليمي إلى حد كبير باتجاه التوافق على حل الأزمة السورية، في مقابل الظرف الداخلي الموصوم باتساع منسوب الرصاص والدم، وبالإرهاب الداعشي وأشباهه، بموازاة إرهاب من نوع آخر بالمعنى الاقتصادي الاجتماعي معيشياً، بحكم مواصلة الحكومة لسياسات التحرير الاقتصادي الكلي، وواقع خروج مناطق متتالية من تحت سيطرة الدولة، وازدياد نسب الفقر والبطالة والنزوح واللجوء، وأرقام المعتقلين والمخطوفين والمفقودين، وسعي واشنطن مع وكلائها كلهم وأدواتها كافة لاستخدام الفوالق الثانوية كلها، بما يهدد وحدة البلاد أرضاً وشعباً، والمسارعة المتوقعة من المتشددين كلهم لزيادة التصعيد الميداني واستهداف الأبرياء كلما اقتربنا من استحقاقات إطلاق الحل أكثر، كل ذلك يرتب على القوى السياسية والاجتماعية السورية، أياً كانت مواقعها واصطفافاتها، أن توحد جهودها باتجاه تطبيق بيان جنيف1، وباتجاه إعادة توحيد السوريين في مواجهة الإرهاب من بوابة الحل السياسي الجدي والحقيقي الذي يحافظ على وحدة سورية أرضاً وشعباً ومؤسسات، ويفتح أفق التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والعميق والشامل، لأن سورية ومواطنيها ليسوا بوارد تحمل تبعات إضاعة فرصة أخرى، قد تكون الأخيرة.