الحل السياسي... بين الموضوعي والذاتي
لم يعد الحل السياسي، مجرد رغبة لجهة سياسية ما، ولا مجرد حالة شعبية كامنة، ولم تعد مجرد دعوة من قوى دولية، بل تخطى كل ذلك، إلى مرحلة متقدمة، على خط تطور الأزمة السورية، و بات أمرأ إجرائياً في أروقة الدبلوماسية الدولية والاقليمية، بدءأ من مجلس الأمن، ومروراً بموسكو وواشنطن، والرياض وطهران ودمشق، ويجري التحضير الملموس لإطلاقه، بعد أن أقر الجميع بلا استثناء، بأن «الحل السياسي» هو الخيار الوحيد الممكن بين الخيارات القائمة..
أما اللغط الإعلامي، ومحاولات إعادة الأمور إلى المربع الأول عبر رفع السقوف، والاستمرار في تكرار مفردات الخطاب المتوافق مع التوتير، ومحاولة تسجيل النقاط من بعض اللاعبين في ميدان الأزمة هنا وهناك، ما هي إلا عملية تنظيم التراجع المفروض على الجميع، أو ترتيب صفوف الأنصار، وتجنب إمكانية فرط عقد البيت الداخلي الخاص بهذا الطرف أو ذاك، أو تندرج ضمن محاولات تحسين شروط التفاوض، والحصول على حصة أكبر.. وإذا كان هذا اللغط ما زال يلعب دوراً ما في تشويش اللوحة، فإنه لم يعد قادراً على تغيير خط السير العملي، أي مسار الحل السياسي...لماذا؟
• إن الحل السياسي لم يعد مجرد نوايا طيبة، بل هو تعبير عن توازن قوى دولي، بمعنى آخر إن أنصار الحلول السلمية، يتقدمون في ساحة الصراع العالمي، ومن الطبيعي والحالة هذه أن تتقدم خياراتها إلى الأمام، رغم كل محاولات الإعاقة، ومن هنا تحديداً يمكن فهم تدحرج كرة ثلج الحل السياسي، خلال الأسبوعين المنصرمين، بما فيها تحديد السقف الزمني.
• إن الخيارات الأخرى المتناقضة مع الحل السياسي، بتعدد أشكالها، قد وصلت إلى طريق مسدود، وكشفت عن عدم واقعيتها بالملموس أمام أنصار كل طرف، وبات السؤال عن خيارات جديدة حديث السوريين اليومي بغض النظر عن اصطفافاتهم، ونجد تعبيرها الملموس بأشكال مختلفة، وبعبارة أخرى فإن التوازن الدولي يتقاطع ويتكامل مع حاجة شعبية سورية عامة، مما يعني أنه سيضيف إليها زخماً نوعياً جديداً حكماً.
العامل الذاتي
في ديالكتيك علاقة الموضوعي بالذاتي، تقول التجربة بأن تطور العامل الموضوعي، يفتح الباب أمام تبلور العامل الذاتي داخل الظاهرة التاريخية المحددة، ويسرّع في تقدمه، وخروجه من حالة الكمون، إلى حالة الفعل والتأثير في الموضوعي نفسه، ودفعه الى الأمام ..
يتجلى العامل الذاتي في الظرف السوري الراهن على مستويين:
المستوى السياسي
إذا كان التوافق مع التطور الموضوعي لدى أغلب قوى الحركة السياسية السورية الموالية والمعارضة لم يتحقق حتى الآن، بسبب بؤسها المعرفي، وتناقض مصالحها معه، فإن العامل الموضوعي سيضعها أمام خيارين، إما التوافق، أو الإزاحة من الميدان، باعتبار أن العامل الموضوعي الذي يحدده بشكل رئيسي التوازن الدولي، أصبح ذا تأثير مباشر في الأزمة السورية، وتحديداً على القوى التي تتصدر المشهد.
المستوى الشعبي
في ظل تعالي صوت السلاح، وازدياد منسوب التدخل الخارجي، وتعقيد اللوحة، والكارثة الإنسانية التي طبعت بطابعها كل مفاصل حياة المواطن السوري، وفي ظل ترهل أغلب قوى الحركة السياسية، غُيّب دور الكتلة الشعبية، رغم تزايد الناطقين باسمها، أما اليوم وبعد أن بدأ المسار السياسي بشكل ملموس، فإن الآفاق تنفتح مرة أخرى أمام الشعب السوري، ليكون لاعباً أساسياً في تقرير مصيره، وشكل وبنية النظام السياسي الاقتصادي الاجتماعي، أي أن العامل الموضوعي، يعيد الاعتبار إلى العامل الذاتي، ويؤمن الأرضية المناسبة لتفعيل دوره، وزيادة هذا الدور ليكون العامل الحاسم لاحقاً في مختلف الملفات الموضوعة على جدول الأعمال السوري، بما فيها ملف محاربة الإرهاب.
إن القوى السورية الحية، تمتلك اليوم فرصة تاريخية جديدة، للقيام بالدور المطلوب منها، للسير على مسار خط العامل الموضوعي، لا لمجرد الإنخراط فيه، وتأمين مقعد على طاولة التفاوض أو الحوار، بل لدفعه الى الأمام، وتسريعه، وترجمته بشكل ملموس، في خطابها، وسلوكها العملي.