تأخير الحل السياسي يعني نفيه..!
تشهد جبهات سورية مختلفة تصعيداً ميدانياً متعاظماً، يرافقه محاولات متجددة أمريكياً و»إسرائيلياً» لاستنبات أسس طائفية وعرقية للصراع.
بالتوازي مع ذلك، تستمر التجاذبات والمشاورات والتحضيرات السياسية المعلنة، وغير المعلنة، استعداداً لدخول مرحلة الحل السياسي، الذي يتعرض لعمليات تأجيل وتسويف متعمد من أطراف عديدة، بما فيها النظام، بحكم سجله الطويل في تضييع الفرص أو التوجه إليها متأخراً، وبعض المعارضات، وقوى إقليمية ودولية، متناقضة فيما بينها شكلاً، ولكنها تلتقي على تأخير الحل، لأن كلاً منها تريد تفصيل هذا الحل على قياسها، وحسب أجنداتها، على حساب المصالح العميقة للشعب السوري، وعلى حساب استمرار معاناة السوريين ونزيفهم على كل الجبهات، الميدانية والمعيشية، مع الارتفاع اللحظي المطرد في أعداد السوريين الذين يقضون ويعانون تباعاً، قتلاً، واعتقالاً وخطفاً وفقداً وجوعاً وفقراً وحصاراً ونزوحاً ولجوءً، ومع استمرار خروج مناطق متتالية من تحت سيطرة الدولة ووقوع غالبيتها العظمى بيد التنظيمات الإرهابية التي لا ترتبط مشاريعها بسورية والشعب السوري أساساً، كداعش وأخواته، بما يحمل في طياته خطر انتفاء بقاء سورية ذاتها بالمعنى الجغرافي السياسي الذي نعرفه إلى اليوم.
وبكلام آخر، فإن تأخير الحل السياسي يعني اليوم بالملموس- وبعد هذه السنوات من عمر الأزمة السورية وأكلافها، وتضييع مجمل الجهود المبذولة لحلها- الإفساح في المجال أمام القوى الإرهابية لكي تقوم هي بملء المساحات، ليس بالمعنى الجغرافي فحسب، بل وبالسياسي تالياً، بحيث تزول إمكانية الحل السياسي الحقيقي والجدي والجذري الذي يسمح من خلال تكامل عناصره بمكافحة الإرهاب.
وإن انتفاء إمكانية الحل السياسي من خلال تأخيره المتعمد وغير المبرر، يعني بالجوهر فتح الباب على المجهول، لجهة قيام مستوى أعلى وخطير وغير مسبوق من التدويل، في تحديد مسار الأزمة السورية ونهاياتها، وبالتالي المخاطرة بمصير سورية ذاتها، لأن استمرار التأخير يعني بنهاية المطاف التعرض لخطر فرض حلول مستوردة، تقلل الفرص أمام السوريين في تحديد مصيرهم وشكل نظامهم السياسي والاقتصادي الاجتماعي والديمقراطي، وبنية دولتهم بأنفسهم، أي أن هذا التأخير يخفض إمكانية ما يمكن إنجازه الآن، بحيث لا يمكن إنجازه فيما بعد..!
بموازاة ذلك، مع بقاء هذا الخطر الوجودي الذي ينطوي عليه تأخير الحل السياسي السوري، ورغم ما يبدو عليه الميدان السوري من سخونة عالية، وفي مناطق متعددة منه، إلا أنّ هذه السخونة إنما تعكس في جوهرها الضرورة الموضوعية لاقتراب الحل السياسي، ومحاولات أطراف متعددة التأثير على ذلك الحل، من حيث أشكاله ومضامينه.
الاتجاه الأول، الذي يغذيه بالدرجة الأولى الأمريكيون والإسرائيليون وعملائهم بهدف محاولة فرض واقع يصعب تجاهله في الحل السياسي لاحقاً، يقوم على الاستماتة في محاولة إقامة أشكال من التقاسم والتحاصص المستند إلى فكرة المكونات ذات الطابع القومي والطائفي، وهو ما سيعكس، إن جرى، عملية تحاصص إقليمي ودولي للنفوذ والمصالح، وصولاً إلى حالة يتغير فيها وجود سورية على الخارطة الجيوسياسية، ووظيفة سورية الإقليمية بما يعطل نهائياً حتى المستوى «الممانع» في وجه العدو الصهيوني، وهو ما سيمنع تكوين الحد الأدنى من الوحدة الوطنية المطلوب لمحاربة الإرهاب، بل وفي وضع يستنبت فيه الإرهاب ويعززه بشكل مستمر، والعراق مثال واضح على ذلك.
الاتجاه الثاني، الذي يدفع باتجاه حل سياسي جدي وحقيقي، يوقف الكارثة الإنسانية، ويبدأ بمعالجة آثارها، ويوقف العنف والتدخل الخارجي، ويطلق العملية السياسية فيما بين السوريين، يسعى نحو التغيير الوطني الديمقراطي الجذري العميق والشامل، اقتصادياً–اجتماعياً، وسياسياً، بما يعني الاستناد إلى مكونات الشعب السوري السياسية، لا الطائفية أو القومية، ما يسمح بمحاربة الإرهاب حقاً وفعلاً وبالارتقاء من الممانعة نحو المقاومة فالتحرير، وبما يؤدي إلى تكريس سورية كبلد موحد أرضاً وشعباً، ومستقل وذي سيادة فعلية على أراضيه واقتصاده وقراراته وعلاقاته، وأصحاب المصلحة في هذا الاتجاه هم عموم المنهوبين في سورية، «معارضين» أو «موالين»، وبكلمة هم الشعب السوري.