أيها السوريون، اتفقوا..!
يشق الحل السياسي طريقه تحت ضغط التوازن الدولي الجديد من جهة، وتحت ضغط الوقائع والضرورات المحلية والإقليمية، من جهة أخرى، الأمر الذي يدفع القوى جميعها، التي طالما رفضت ذلك الحل، علناً أو مواربةً، إلى إعلان موافقتها عليه، بل والانخراط في التحضير له.
غير أنّ هذا الانخراط لا يعني بالضرورة قبول تلك القوى بالوقائع الجديدة وتصرفها على أساسها، بل يعني، في حالات متعددة، تكّيفاً اضطرارياً مع الحل السياسي للعمل من داخله بغرض التلاعب به، أملاً في تنحيته جانباً للعودة إلى متاريس «الحسم» و«الإسقاط». وفي جوهر المسألة، يكمن رفض هذه القوى تقديم أي تنازل جدّي لمصلحة الشعب السوري.
إنّ طبيعة وجوهر واتجاه الحل السياسي، الذي يحتاجه السوريون حقاً، ينبغي أن يحقق، في المبدأ والمنتهى، الأمرين التاليين:
• الحفاظ على وحدة سورية أرضاً وشعباً، بما يؤدي إلى استعادة دورها الإقليمي، وتحرير أراضيها المحتلة.
• فتح الطريق أمام استحقاق التغيير الوطني الديمقراطي الجذري الشامل والعميق، سياسياً واقتصادياً اجتماعياً، كشرط موازٍ لا بد منه لإنجاز مكافحة جدية وناجعة للإرهاب، وصولاً إلى اجتثاثه.
وإن الإطار الوحيد المتوافر حالياً، في ظل درجة التدويل العالية للأزمة السورية، لتمكين السوريين من تحقيق توافقاتهم ومصالحهم هذه هو مؤسسة جنيف المطلوب منها في الجولة الثالثة المرتقبة من «جنيف» بعد المشاورات الجارية تحقيق مهام أساسية ثلاث (وقف التدخل الخارجي، وقف العنف، وإطلاق العملية السياسية فيما بين السوريين أنفسهم).
رغم ذلك فإنّ العمل ضد الحل السياسي، من داخله وتحت يافطة الالتحاق به، لا يزال إمكانية قائمة وخطرة، تظهر مؤشراتها واضحة على صعد مختلفة:
فمن جهة، تظهر محاولات من لاعبين إقليميين لإعادة ترتيب الاصطفافات ضمن المعارضة السورية بما يخدم مصالح أولئك اللاعبين، بالتوازي مع قيامهم بتشجيع تحركات ميدانية تنعش آمال «الإسقاط» أو تسعى لـ«تحسين الوضع التفاوضي» لاحقاً، ولكنها جوهرياً تستفز ردود فعل ميدانية/ سياسية محددة من الطرف الآخر.
وإن المقصود من هذه المحاولات فعلياً، وإن تقنعت بقناع الالتحاق بالحل السياسي المنشود، هو منع توافقات السوريين فيما بينهم ورهنها بالإرادات الإقليمية، أي تفصيل حل سياسي وهمي يتناقض من حيث جوهره مع الأرضية التي يمكن للسوريين الاتفاق على أساسها، وبما يمنع بالتالي الحل السياسي الحقيقي نفسه من المضي قدماً.
في المقابل، فإنّ التنازلات الشكلية، وغير المجدية، وغير الفعالة، من جانب النظام، لا تمنع الاتفاق فحسب، بل وتشرع الباب أكثر أمام درجة أعلى من التدخلات الإقليمية والدولية من الأطراف المعادية لسورية والشعب السوري، والتي سيجري تقديمها حينئذ على أنها «ضرورة» لدفع النظام نحو تقديم تنازلات جدّية..!
وبطبيعة الحال فإنّ آخر ما يهم هذه القوى، هو أنّ تصب أية تنازلات، من أي طرف كان، في مصلحة سورية والشعب السوري.
إنّ التمترس، وعدم التوافق بين السوريين أنفسهم، كما أثبتت الحياة، لم يحم أي طرف من تقديم «التنازلات»، ولكنّه وجه تلك التنازلات حتى الآن نحو الخارج، عبر التصاعد المستمر لمستوى تدويل الأزمة السورية. وإنّ استمرار عدم التوافق لن يوقف سلسلة التنازلات، ولذلك فإنّ ما ينبغي فعله اليوم هو توجيه تلك التنازلات باتجاه الداخل السوري، وباتجاه الشعب السوري الذي يستحقها، مثلما يستحق وضع حد للكارثة الإنسانية العميقة التي يعيشها.
إنّ هذه الأرضية، وإن أصبحت ضرورة لا غنى عنها لسورية وللسوريين للاتفاق فيما بينهم، فإنّها اليوم إمكانية أيضاً، ولا يجوز لأي طرف تضييعها، تحت أي ظرف أو حجة. ولذلك فإنّ الخيار الوطني الوحيد اليوم هو اتفاق السوريين فيما بينهم..
أيها السوريون، اتفقوا!