من «اليمن» إلى «جنيف3»..!!
تقدم «العاصفة» الهشة التي أثارتها السعودية وتحالفها، والتي أعلن عن انتهائها يوم الثلاثاء الماضي، دروساً هامة تتصل في نهاية المطاف بالوضع السوري ومآلاته اللاحقة. وذلك من باب ترابط وتشابك الملفات على المستوى الإقليمي والعالمي في إطار الصراع الجاري، الأمر الذي يستدعي الوقوف عندها جدياً وخصوصاً في ظل التسارع المتزايد لمسار الحل السياسي في سورية بعد «موسكو» والإعلان الأخير عن بداية مشاورات جنيف التحضيرية مطلع الشهر القادم.
يمكن في هذا السياق، وحتى اللحظة، تثبيت الخطوط العامة الأساسية التالية:
أولاً: تندرج العملية ضد اليمن بخطوطها العريضة، في إطار التوسيع الأمريكي لخارطة الحريق العالمية، المراد منها إيقاف التراجع عبر تصدير الأزمات حروباً كالمعتاد. وليس للسعودية، بطبيعة الحال، أن تخطو خطوة بهذا الحجم دون الموافقة الأمريكية.
ثانياً: رغم اختلاف إحداثيات عديدة في «حرائق» سورية وأوكرانيا واليمن، فإن الوضع السوري إذا كان قد احتاج أكثر من سنة لتثبيت اعتراف دولي بأنّ لا مخرج إلا بالحل السياسي، وذلك في بيان جنيف 30 حزيران 2012، فإنّ أوكرانيا احتاجت في المسألة نفسها بضعة أشهر، في حين لم تستغرق في اليمن أكثر من شهر واحد، ما يشير بوضوح إلى وهن قوى الحريق وتراجعها المتعاظم، وإلى تقدم مستمر لقوى الحل السياسي على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، وفي مقدمتها روسيا والصين.
ثالثاً: إذا كان العالم بأسره يمر بمرحلة الانتقال من التوازن الدولي القديم- الأمريكي- إلى توازن جديد متعدد الأقطاب، فإنّ فترة غير قصيرة ضمن هذا الانتقال ستبقى محكومة لتوازن شبه صفري، ما يعني ارتفاعاً نسبياً في دور ووزن القوى واللاعبين الإقليميين، ولكن ليست أية قوىً وإنما تلك التي تسير بما يتوافق مع تطورات الميزان الدولي. وبهذا المعنى فإن السعودية، وبحكم تبعيتها المتراكمة والمزمنة، تسير في الركب الأمريكي حطباً لحرائقه، ليكون استمرار دورها الإقليمي بشكله الراهن مسألة وقت ليس إلا.
رابعاً: إذا فكرنا بعقل «الأمريكي» الذي يدرك مسبقاً طبيعة المستنقع الذي دفع السعودية إليه، فإنّ المقصود من «العاصفة» نفسها قد يكون السعودية ذاتها، لا اليمن، بمعنى تهيئة الظرف الداخلي السعودي لإحداث تغييرات محددة في هيكل السلطة السعودية تجري بإشراف الأمريكيين ولمصلحتهم، وذلك قبل الوصول إلى وقت لا يعود فيه لدى واشنطن ما يكفي من القوة للتحكم بمسارات التغيير- القادم بكل الأحوال- في السعودية. وهو ما ينسجم مع محاولات واشنطن تحقيق هدفها القاضي بتثبيت وضع محدد «ملائم لها» في منطقتنا، يناسب من وجهة نظرها مقتضيات المواجهة الرئيسية المفروضة عليها في الشرق والشرق الأقصى، ضمن صراع تبلور وتثبيت ميزان القوى الدولي الجديد. ومن خلال عملية انتقائية في التوزيع الأمريكي لبؤر التوتر، يتراوح ذلك الوضع بين حرائق مستمرة تستنزف الخصوم ولا تسمح لهم بملء الفراغات التي ستتركها، وبين توليفات جديدة لأوضاع حلفاء واشنطن بما يسمح لهم في الاستمرار بخدمتها.
إنّ «العاصفة» السعودية ونتائجها التي ظهرت والتي ستظهر تباعاً، تؤكد ليس على أنّ المعركة العالمية والإقليمية والمحلية تتركز اليوم بالصراع بين الحل السياسي والحلول العسكرية فقط، بل وأنّ الأطراف المتمسكة بمنطق الحلول العسكرية، وإن كانت أطرافاً متضادة محلياً أو إقليمياً فإنها في السياق الدولي العام تخدم قوى الحريق الأمريكي.
في مقابل ذلك، وفي الخصوصية السورية، فإنّ هذه الوقائع جميعها تعيد التأكيد على أنّ فرصة الحل السياسي عبر «جنيف-3» هي فرصة مدعومة من قوى الحل السياسي العالمي، وعلى رأسها روسيا، في مواجهة قوى الحرب، وعلى رأسها واشنطن. وإن كانت واشنطن مضطرة للقبول بمنطق الحلول السياسية فإن ذلك يجري بحكم تراجعها، ليس إلا، ما يعني ضرورة توحيد جهود الوطنيين السوريين جميعاً باتجاه «جنيف-3» لتحويله إلى مخرج حقيقي من الأزمة السورية، بما يساعد في الحلحلة البينية للملفات المتشابكة والعالقة في المنطقة.