صحافة «النظام الرسمي العربي» تخفض التوقعات!
بعد أن سلّمت منابر صحفية عربية «عريقة» بأنّ لقاء موسكو سيعقد ولا إمكانية لمنعه، وأنّه لقاء تشاوري وليس «مبادرة روسية» وليس «مؤتمر موسكو-1» كما اخترعت وروّجت لأسابيع متتالية، تنتقل هذه الصحافة اليوم إلى «تخفيض سقف التوقعات» من اجتماع موسكو، علّه يمر سريعاً وبأقل النتائج لكي تبقى «اللوحة الميدانية» بين تقدم هنا وتراجع هناك، وسوريون يموتون يومياً، بما يتناسب مع اللوحة الأساسية والأخبار «الحارة» التي تملأ صفحات تلك الجرائد والمواقع الالكترونية بين نافخ في وهم «الحسم» ومكرر لوهم «الإسقاط»..
نقرأ في الأخبار اللبنانية يوم الخميس (22/1) وضمن «مشهد سياسي» وفي المقدمة ما يلي: «لم تخرج موسكو في الحديث عن مبادرتها حيال الأزمة السورية عن الإطار العام الذي سبق أن حددته، لكنها تحدثت بنحو واقعي فرض خفض مستوى التوقعات».
والتقت «الأخبار» في رؤيتها هذه مع «الحياة» السعودية! فهذه الأخيرة وفي اليوم نفسه نشرت خبرين بالمعنى ذاته، وأحدهما بالصياغة ذاتها تقريباً، يقول: «خفّض وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف سقف التوقعات من «حوار موسكو» الأسبوع المقبل، قائلاً إنه يهدف إلى تجاوز أخطاء «جنيف-٢».
وقد تكررت «التوقعات المخفّضة» في معظم جرائد النظام الرسمي العربي، بما يوضح عجز هذه الصحف ومن وراءها عن فهم أهمية ما سيجري في موسكو وثقله النوعي في التمهيد لانعطاف كامل في المشهد السوري في جنيف اللاحق، أو خوفها من هذا الانعطاف ورغبتها في الهروب منه، و"لها بذلك كل الحق"(!!)، فالتغيرات المستحقة القادمة ستفتح الطريق أمام تشكيل الفضاء الثقافي والصحافي الجديد، مزيحة الفضاء القديم (الرسمي العربي) أسوة بإزاحة الفضاء السياسي القديم لمصلحة الجديد..
يعبر بشكل واضح عن عدم فهم هذه المعادلة، أو كما أسلفنا عدم الرغبة في الفهم، مقال لكاتب مغربي هو حسن السوسي في الأخبار (21/1) يخلص فيه إلى أنّ: «الحل السياسي في سورية عنوان مضمونه حرب» حيث يعبر هذا القول صراحة عن رؤية الحل السياسي كجزء من «الحل العسكري» وبالتالي كاستمرار في السياق نفسه دون أي انعطاف، وتبرز «الأخبار» للكاتب ضمن إخراج المقال على الورق عبارة: «المضمون الفعلي للأحاديث عن الحل السلمي لا يزال هو الحرب الرامية إلى تعديل المعادلات على الأرض»..
لا يفوت الصحيفة المذكورة في اليوم نفسه أن تنشر «رأي» للكاتب معتز حيسو الذي يتكرر ظهور مواده على صفحات «رأيها». وهذه المرة تحت عنوان «مأزق الحوار السوري»، حيث ينتقل الكاتب بعد الهجوم على «معارضة الخارج» إلى معارضة الداخل فيقول: «أما في ما يتعلق بتيارات المعارضة الداخلية فإن بعض أطرافها تلهث للمشاركة في أي حوار سياسي، وتوافق على المشاركة السياسية أياً يكن مستواها وشكلها ونتائجها السياسية على مستقبل سورية» رغم أنّ ما يقوله الكاتب لا ينطبق على كل أطراف «المعارضة الداخلية»، ولكنّ الأهم أنّه يعتبر السعي وراء الحوار السياسي «لهاثاً» وبذلك فهو سبّة ونقيصة.. نعم ولم لا إن كان السعي وراء الحرب ووراء تدمير سورية تحت شعارات «الحسم» و«الإسقاط» هو «العمل الوطني»..! ينتقل الكاتب بعد ذلك لعرض "نتائج الانتخابات واستطلاع الرأي العام" التي أجراها في سورية، ربما خلسةً أو ربما ساعدته في إجرائها جهة ما غير معلومة(!!)، و"تصدت" «الأخبار» اللبنانية لنشر نتائجها.. يقول الكاتب: «هذا في وقت ما تزال فيه هيئة التنسيق الوطنية وتيار التغيير السلمي، جبهة التغيير والتحرير، تيار بناء الدولة يعانون من تراجع حضورهم الاجتماعي»! فمتى وأين وكيف رصد الكاتب إحصائيات هذا التراجع؟ ولا أعلم ما إذا كان الكاتب الذي لم يترك معارضة داخلية أو خارجية إلا وهاجمها ربما يرى أنّ حضور الحكومة السورية يتعزز ويتقدم خاصةً بعد «استجابتها للمطالب الشعبية» برفع الأسعار ورفع الدعم!
وعلى هذا المنوال تغزل منابر متعددة في الصحافة العربية، وتصب ماءها في طواحين الدم علّ ذلك يؤمن لها استمرار «ريادتها»..