موسكو تريد سياقاً جديداً للتعامل مع الأزمة السورية
لن يمثل حوار موسكو نهاية الشهر توزع القوة على الجغرافية السورية، وربما سيكون وفق شكل التيارات السياسية أشبه بمؤتمر جنيف 2؛ مع فارق أساسي هو توسيع هامش المشاركة لتشمل شخصيات كانت سابقا "محظورة" من قبل بعض الأطراف الدولية، لكن هذا الحوار يقدم حالة غير مسبوقة داخل الأزمة السورية لأنه ينطلق خارج قواعد اللعبة التي بدأت عام 2011؛ فهو يقفز نحو ضفة مختلفة في العمل السياسي، فهل تطمح موسكو لحل الأزمة السورية من خارج السياق العام؟! وإذا كانت موسكو تدرك أن "توزع القوة" هو الذي يحكم أي توازن قادم داخل النظام السياسي السوري؛ فما هو الرهان على حوار "نشطاء" سياسيين، وممثلين عن تيارات هي خارج "لعبة القوة"؟!
أصرت موسكو على الصفة الشخصية لكل من تم دعوتهم للحوار، وهذا يعني على الأقل محاولة عزل سياسات التكتلات والتحالفات التي نشأت منذ بداية الأزمة، ورغم أن هذا الشكل يحاول أن يتجاوز مأزق "تمثيل المعارضة" والاستفادة من تجربة جنيف2 لخلق تواجد أوسع، لكنه في المقابل يحمل مدلولين لبناء سياق مختلف للمعارضة:
الأول هو إيجاد صفين سياسيين بعيداً عن الاتهامات المتداولة منذ عام 2011، فما بين معارضة الداخل والخارج نشأت مفاهيم حول "شرعية التمثيل السياسي"، الأمر الذي أدى لاحقاً لاعتماد طرف واحد في عملية التفاوض في جنيف، بينما في موسكو هناك طيف سياسي في مقابل الحضور الرسمي.
المشكلة التي تبدو في نوعية المدعوين ربما تكون متعمدة من قبل من نظّم الدعوات، فمن بين الحضور هناك طيف هو الأقرب للسلطة، ولا يملك مواقف أو سياسات "تغيرية" واضحة، وفي المقابل فإن جناحاً سياسياً كاملاً بدا مستبعداً، تيار الإخوان المسلمين، والمؤشرات تبين أن وجهة نظر موسكو هي في بناء "المشهد السياسي"، فكل ما هو خارج السلطة يمكن أن يدخل في الحوار، وفي المقابل فإن استبعاد البعض هو لتأكيد بأن شرعية تمثيل المعارضة لا تحدها قوى بعينها، فجاء استبعاد الإخوان لكسر الاحتكار الذي مارسوه مع بداية الأزمة، فهناك اليوم "مشهد" تريد موسكو بناءه في مقابل "ظاهرة" أخرى سيطرت على الواقع السياسي منذ عام 2011 وحتى نهاية مفاوضات جنيف2.
العلاقات داخل المشهد السياسي ستبدو أكثر حضوراً من أي تفاوض أو حلول للأزمة، وهي تخص العلاقة ما بين الحضور وأزمة بلادهم، فالمسألة في حوار موسكو هي في نوعية الغطاء السياسي الذي يمكن توفيره لهذه العلاقات التي تنشأ على هامش الأزمة والعنف المرافق لها، فالحضور سواء اختلفوا أو توافقوا أو طغت السمة البروتوكولية على الاجتماعات، فما يهم قادة الكرملين هو التشابك الجديد الذي سينشأ نتيجة الاجتماع بذاته.
أن تمنح موسكو غطاء سياسيا للمتحاورين هو حالة غير مسبوقة، فرغم التأكيد على مرجعية جنيف1، لكن اللقاءات ستتم دون وصاية إقليمية مباشرة، وهذا الأمر سيمنح الحاضرين "شرعية ذاتية" للتحرك خارج الأطر النمطية منذ بدء الأزمة السورية، ورغم أن الرهانات على التوصل لتفاهمات هو احتمال ضمن احتمالات متناقضة، لكن العلاقات داخل المشهد السوري سيطرأ عليها تبدلات نتيجة هذا المؤتمر.
بناء سياق جديد للتعامل السياسي مع الأزمة السورية شأن من صلب اهتمام موسكو، لكن الدبلوماسية الروسية تسعى عبر بناء المشهد السياسي بما يحمله من علاقات جديدة دفع اللاعبين الإقليميين للبحث عن تفاهمات جديدة، فبالتأكيد حتى ولو اتفق المتحاورون فيما بينم، فإن الصراع على سورية سيبقى مرهونا بعوامل أخرى أبرزها إعادة توزيع القوة داخل سورية وفي المنطقة بشكل عام.
الطموح الخاص
أكثر المتحمسين لمؤتمر موسكو لا يصل إلى نقطة تبدل الخارطة السياسية السورية، أما الخارطة العسكرية فهي موضوع مختلف، فهل يكفي الرهان على مشهد سياسي هش وعلاقة مختلفة بين النشطاء السياسيين وأزمة بلادهم؟
من الممكن أن تكون قراءة تلك "العلاقة" مدخلاً أساسياً لإيجاد تدخل قوي في الأزمة السورية، أو هذا على الأقل ما يسعى الروس إلى تحقيقه انطلاقا من اعتبارين: الأول أن خلل التوازن في الشرق الأوسط يتطلب بيئة سياسية مختلفة قادرة على استيعاب تطورات العنف والإرهاب، وإذا كان الحوار في موسكو لن يبدل توزع القوة السياسية والعسكرية، لكنه ينطلق من نقطة مرتبطة بتأسيس مجال سياسي مختلف عمّا ظهر بداية الأزمة.
أما الاعتبار الثاني فهو كسر ثبات الجبهات الذي أصبح غاية بحد ذاته بالنسبة لعدد من الدول الفاعلة في الأزمة السورية، فالحوار السياسي حتى ولو لم يقدم نتائج ملموسة، فإنه بالنسبة لموسكو سيصبح جزءاً من المرجعيات في عمليات التأثير داخل المحافل الدولية بشأن الأزمة السورية.
هو طموح روسي بالدرجة الأولى لخلق مشهد سياسي ينطلق بعيداً عن قواعد اللعبة التي تحكمت بها الولايات المتحدة، فهو طموح يتجاوز مسألة اقتسام الأطراف ما بين القوى الدولية وربما يعيد كتابة آلية الحلول السياسية؛ لكنه سيبقى مرهونا بالأوراق التي تستطيع موسكو طرحها للضغط أو لصياغة أهداف مختلفة داخل آلية الحوار المرتقبة.
05 كانون2 2015
عن موقع معهد ليفانت للدراسات