مسار الحل السياسي
تقترب الأزمة السورية من إنهاء عامها الرابع. أربعة أعوام تصاعد خلالها الصراع بشكل مستمر بين أطراف مختلفة، داخلية وخارجية، وتحت عناوين وشعارات متباينة ومتناقضة، لكن الصراع الأساسي الذي عملت أطراف متعددة على تغييبه كان ولا يزال بين الحل السياسي الحقيقي الذي يفتح الباب نحو التغيير الوطني الديمقراطي الجذري العميق والشامل، وبين «الحلول» العسكرية «حسماً» و«إسقاطاً» التي تسعى من جانب إلى إغلاق الباب نهائياً أمام أية تغييرات، ومن الجانب الآخر وفي أحسن الأحوال إلى إحداث تغييرات شكلية همها «تداول السلطة» بما يعني إعادة تقاسم النهب ضمن النظام الاقتصادي الاجتماعي القائم نفسه.
شق الحل السياسي طريقه عبر أشواط متتالية خلال عمر الأزمة السورية، ولعل أهم المحطات التي مرّ بها هي التالية:
الأولى، اللقاء التشاوري في تموز 2011 الذي تمّ إفشاله بعدم تنفيذ توصياته من جهة، وبتخلف أقسام من المعارضة عن المشاركة به بدعوى عدم قبولها بالحوار مع النظام من جهة أخرى، هذه الأقسام التي رضيت بالحوار الآن، لفظياً على الأقل.
الثانية، فكرة حكومة الوحدة الوطنية التي تحولت في التطبيق إلى حكومة ائتلافية ببرنامج حد أدنى، شكل في حينه خطوة إلى الأمام باتجاه الحل السياسي ولكنه هو الآخر ذهب مذهباً آخر في إطار التطبيق.
الثالثة، صدور وثيقة «جنيف-1» في 30 حزيران 2012، والتي شكلت تقدماً كبيراً لفكرة الحل السياسي بوصفها اعترافاً وتوافقاً بين الدول الكبرى على صيغة الحل السياسي باعتبارها المخرج الوحيد من الأزمة السورية. الوثيقة التي لقيت معارضة شديدة من الأطراف المتشددة في الطرفين ومن دول إقليمية مختلفة، هذه الأطراف التي تقر اليوم جميعها بشكل مباشر أو غير مباشر بهذه الوثيقة كأساس للعمل اللاحق.
الرابعة، تحضيرات مؤتمر «جنيف-2» ومن ثم انعقاده في مطلع 2014 بعد تأجيلات عدة لموعده، والذي باتت أسباب فشله وبالأحرى طريقة إفشاله واضحة للجميع، من شكل تمثيل المعارضة إلى الحضور الإقليمي المنقوص، إلى الخلافات حول جدول الأعمال. بعد فشل هذا المؤتمر دخل التصعيد مرحلة جديدة بتمدد «النصرة» وظهور «داعش» وارتفاع مستوى التدويل ومستويات الاستنزاف.
الخامسة، الجهود الروسية التي أعلنت في أواخر 2014 لجمع المعارضة، ومن ثم المعارضة مع النظام، في لقاءات تشاورية تحضيرية نحو «جنيف-3»، الجهود التي تعرضت حتى الآن من أطراف مختلفة لمحاولات محمومة مضادة من أجل الإفشال المسبق، وهي لم تفلح حتى الآن، ويبدو أنها لن تفلح.
إنّ قراءة تطور مسار الحل السياسي انطلاقاً من المراحل التي مرّ بها يؤكد على جملة النتائج التالية:
• إنّ الحل السياسي يتقدم ببطء ولكن بثبات منذ بدايات الأزمة السورية، بوصفه تعبيراً عن الضرورات الموضوعية المتعلقة بالتوازن الدولي الجديد من جهة وبالوضع السوري الداخلي الميداني والاقتصادي والسياسي والاجتماعي، من جهة أخرى. وإنّ الأفق أمام الحل السياسي يتسع باطراد في حين يضيق وينغلق أمام طروحات التشدد أينما كانت، الأمر الذي يجعل من المراهنين على هذه الطروحات أعجز وأقل قدرة في إعاقة الحل السياسي يوماً بعد آخر.
• إنّ وقف الاستنزاف السوري ومنع سيناريوهات التقسيم والحفاظ على وحدة سورية أرضاً وشعباً وعلى دورها الوظيفي الممانع تمهيداً لنقله لموقع المقاومة والتحرير، ووقف التدخل الخارجي ومكافحة الإرهاب بتجلياته المختلفة وإطلاق العملية السياسية، والذهاب نحو استحقاقات التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والعميق الشامل لمصلحة الشعب السوري، كلّ هذه الأهداف والمسؤوليات الوطنية أصبحت مقترنة بالذهاب إلى الحل السياسي، أي أنّ الطريق الوحيد لتحقيق أي منها أصبح يمر لزاماً بالحل السياسي.
إن حل الأزمات بالوسائل السياسية ليس اختراعاً للعجلة بل يأتي انسجاماً مع التجارب التاريخية لكل الشعوب الحية، ويبقى أمام الوطنيين السوريين إيجاد الوصفة السورية لحل أزمتهم الطاحنة.