الجهد الروسي.. هل هو الفرصة الأخيرة..!؟
ضيّعت القوى المتشدّدة، داخلياً وإقليمياً ودولياً، العديد من الفرص التي سنحت لحل الأزمة السورية. ومع كل «فرصة ضائعة» كانت الأزمة تنتقل إلى مستوى أكثر تعقيداً، وخصوصاً لجهة التدويل وازدياد منسوب التدخل الخارجي، فما الذي يحمله احتمال «إفشال» الجهد الروسي الأخير الرامي إلى إحياء مسار الحل السياسي.؟
لا بد في البداية من تتبع العلاقة ما بين وضع العراقيل على التوالي للحل السياسي وما بين منسوب التدخل الخارجي والتدويل. فمع إفشال اللقاء التشاوري، في تموز 2011، الذي مثل أول فرصة لوضع نهايات الأزمة، انفسح المجال واسعاً للتدخل العسكري غير المباشر، الذي برز من خلال «التسلّيح» و«حماية التظاهرت». تلت ذلك مرحلة أكثر تعقيداً، جاءت عقب مؤتمر «جنيف-1»، في حزيران 2012، برز فيها نشاط «القاعدة» في سورية، ممثلة بـ«جبهة النصرة» وتنظيمات متشدّدة أخرى، شكلت مستوى أعلى من التدخل الخارجي سياسياً وعسكرياً. وصولاً إلى المرحلة الحالية التي جاءت بعد إفشال مؤتمر «جنيف-2»، والتي ظهرت فيها «داعش» والحلف العدواني الذي يزعم محاربتها..
تراكم الضياعات
يتضح من اللوحة السابقة أن إفشال فرص حل الأزمة السورية كانت ترفع من منسوب التدخل الخارجي، وتنقص بالتوازي من مستوى الاستقلالية، سواء للبلاد أو لأطراف الأزمة قاطبة، وتدفع مركز الحل باتجاه الخارج أكثر فأكثر، هذا عدا ارتفاع مستويات استنزاف المجتمع والجيش السوري. ولكن السؤال هنا: إلى أي حد يمكن للبلاد أن تحتمل محاولات الإفشال المختلفة لحل أزمتها ومماطلات وتسويفات القوى المتشدّدة التي تسعى للإفلات من ذلك الحل؟ هل سيبقى مستوى الصراع ضمن الوضعيات القائمة؟ أم ستختلف إحداثياته كماً ونوعاً..؟
الغرب يطل برأسه.. مجدداً
إلى جانب «تأييده» الشكلي للمسعى الروسي، يرسل الغرب العديد من الإشارات التي تدل على نحو واضح أنه يعد عدته، أولاً: لإفشال ذلك المسعى، وتالياً: للذهاب إلى «ما بعد إفشاله»، وهذه الأخيرة يمكن الاستدلال على طبيعتها من وحي الرسائل الغربية ذاتها؛ وهنا نذكر رسالتين على وجه الخصوص ،الأولى: هي العدوان الصهيوني الأخير قبل أسابيع، الذي بات من المعروف أنه يتكرر مع كل انتعاش لمسار الحل السياسي. الثانية: هي تصريحات راسمونسن، الأمين العام السابق لحلف الناتو، التي يطالب فيها باعتماد النموذج البوسني التفتيتي في الأزمة السورية. هاتان الرسالتان تكشفان ذلك على نحو واضح، فضلاً عن محاولة توتير الأجواء، وتكشفان عن الاستعداد الغربي لجولة جديدة من التدخل الخارجي لن تكون أشد من سابقاتها بالمعنى الكمّي فقط، بل تحمل بعداً نوعياً خطيراً؛ فإذا كانت مستويات التصعيد في الفترة الأخيرة بلغت حدود التدخل جوّاً في إطار «الحرب على داعش»، وإحياء سيناريو المنطقة العازلة، فإن الجولات الجديدة، في حال تمّت، لن تتخذ صيغة أقل من ضرباتٍ جوية شاملة أو تقسيمٍ أو مناطق عازلة..
التراجع الأمريكي..؟!
لا شك أن ميزان القوى الدولي يظهر في بعض جوانبه من خلال التطورات في الملف السوري، وأن التراجع الأمريكي وتعاظم الدور الروسي كانا قد جنّبا سورية في ما مضى الوصول إلى السيناريوهات المدمرة، كما حصلت في العراق وليبيا، إلا أن التراجع الأمريكي لا يمكن قراءته فقط من خلال الأزمة السورية؛ فمساحات الصراع بين أمريكا والقوى المقابلة لها هي أوسع بكثير، وتتوزع في العديد من البقاع والملفات في العالم. انطلاقاً من هذه النقطة، يمكن التنبؤ بأحد السيناريوهات المحتملة في حال نجاح القوى المتشدّدة في ممانعتها للجهد الروسي، ويتمثل هذا السيناريو باحتمال انفجار الصراع في منطقتنا وتحولها إلى ساحة حريق واحدة، عندها لن تغدو سورية الموضوع الوحيد للصراع، بل ستتغير إحداثياته بما يتناسب مع وضع المنطقة ككل، وقد لا تكون البلد ذا الأولوية في ظل مستوى شديد التعقيد من الصراع في منطقتنا والعالم، الأمر الذي يحمل في طياته خطورات جدّية على وحدة البلاد وعلى الشعب السوري، دون أن يناقض ذلك واقع استمرار التراجع الأمريكي الذي قد يجد تعبيراته في ملفات ومناطق أخرى في المنطقة والعالم. لذا لا يمكن التعويل على أن التراجع الأمريكي سيؤتي أكله دون حل سياسي للأزمة السورية يكرس ذلك التراجع.
تحمل خطورة تضييع فرصة المسعى الروسي لإنعاش مسار الحل السياسي إمكانية «تضييع» البلاد معها، وإضعاف كل الأطراف السورية، بما فيها المتشدّدة. الأمر الذي يفرض ضرورة التعاطي بجدية مع هذه الفرصة وتجاوز العقليات الضيقة التي تستمرئ إفشال الحل دون حساب العواقب الخطيرة لهذا الأمر..!