مصير «داعش» على بساط البحث..!؟
يعود مصير تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية للطرح على بساط البحث بعد أسابيع قليلة على تمدده المفاجئ في العراق ليوحي أن «داعش» بصدد الانحسار العكسي، وليس الانتهاء أو الفناء، أقلّه حتى تنهي مهمتها الموكلة من المشغل الأمريكي الرئيسي، والممولين والميسرين الإقليميين.
وإذا كانت الأرضية أو الحاضنة الشعبية لتنظيم داعش معدومة بحكم فظاعاته المرتكبة هي أهم وأبرز العوامل الموضوعية والحتمية لهذا الانحسار، فإن توجيه ضربات عسكرية وميدانية متتالية له في العراق وسورية على يد جيشي البلدين وقوات أخرى سواء من البشمركة في العراق أو القبائل في سورية، يسهم في تعجيل الاتجاه العكسي لهذا التنظيم، ناهيك عن قيام القوات الجوية الأمريكية باستهداف استعراضي لأعداد من عناصره في العراق، استناداً إلى القرار المتخذ مؤخراً في مجلس الأمن بخصوص مكافحة داعش ومموليه تحت البند السابع، وهنا مربط الفرس، على اعتبار ان واشنطن معنية بتحجيم داعش وإبقائه مرحلياً على الأقل ورقة ضغط وابتزاز لجميع الأطراف، وليس القضاء عليه.
بالمعنى السياسي بدأت واشنطن تقطف ثمار داعش، من خلال وجود غطاء دولي، وطلب حكومي عراقي اليوم، لعودتها العسكرية للعراق تحت الذريعة المتجددة «مكافحة الإرهاب»، ومن خلال صفقات الأسلحة الجديدة مع العراق، وهي تريد توسيع ذلك باتجاه سورية وتحويل الذريعة ذاتها كمدخل للانتقال من شكل التدخل الأمريكي غير المباشر بسورية إلى التدخل المباشر، مع ترديد «البنتاغون» مؤخراً أنها «توفر ملاذاً آمناً للإرهابيين» أو أن «هزيمة داعش ممكنة ومقرونة باستهدافه بالضربات الأمريكية في سورية»، علماً بأن واشنطن تأخذ بالحسبان أن هؤلاء وبحكم التضييق عليهم في العراق سينتقلون فعلياً إلى سورية، بما يشكل بالنسبة لواشنطن فرصة جديدة للضغط على دمشق، التي ستضطر بالمقابل، تأكيداً على سيادتها على أراضيها، إلى تعديل بعض قواعد الاشتباك القائمة في مختلف المناطق الساخنة بالبلاد باتجاه التركيز على مواجهة داعش في مناطق شمال شرق سورية، بما يعنيه ذلك من آثار في اللوحة العامة لميزان القوى ميدانياً بين الجيش العربي السوري ومختلف الجماعات المسلحة.
وإن كان كل ذلك يعني فيما يعنيه أن واشنطن الفاشية هي المساهم الأكبر في تصنيع داعش وبروزه كظاهرة، وهي المتحكم الرئيسي به، فإنها تعمل على استخدام هذا التنظيم الإرهابي، وتحت ذريعة مكافحته للمفارقة، ورقة للتأثير بالأطراف والدول المختلفة في المنطقة وابتزاز غالبيتهم المدرجة على قائمة استهدافاتها الأساسية. وهذا بدوره يعيد تسليط الضوء، بما يعنينا كسوريين، على أن أي حديث مكرور عن وجوب قيام تحالف غربي/ أمريكي- سوري في مكافحة الإرهاب هو بيع للوهم يرقى إلى حد التضليل وسوء تقدير نوايا «الأمريكي»، الذي لن يكتفي بالاستعانة بقواته الجوية بل يطمح لتعزيزها برياً لضمان مكاسبه السياسية بالنهاية، كما في أية معركة.
وهنا يبدو واضحاً أن الخرائط التي يتداولها ويعممها تنظيم داعش ليست خرائط دولته التي ينشدها ولن تقوم بحكم لفظ شعوب المنطقة لثقافته الهمجية، بقدر ما هي تصوير لخرائط التدخل العسكري المنشود أمريكياً في مناطق معينة في دول المنطقة، تحت يافطة محاربة داعش، بما فيها شمال سورية ووسطها.
وعليه، فصحيح أن مواجهة داعش، وتقليص نفوذه ونفوذ شبيهاته أكثر فأكثر، يتطلبان فعلياً تعاوناً بين كل حكومات وشعوب الدول المتضررة، ولكن ذلك حكماً لا يتضمن التحالف مع مشغلي هذه التنظيمات، ولا حتى الترويج لأوهام كهذه، بل قيام اصطفافات وطنية تبدأ، كممر إلزامي ووحيد، من مواجهة كل الاستحقاقات الداخلية، وحل مختلف القضايا العالقة والمتراكمة، والمشكّلة بمجموعها أوجه الأزمات المحلية المستعصية والاصطفافات والتخندقات الثانوية والمسبقة، عبر حلول سياسية جدية وجذرية وشاملة ومتكاملة.