استراتيجية محاربة الإرهاب
سورية إلى أين...؟ السؤال الذي طرحته الأزمة منذ اليوم الاول على جدول أعمال جميع القوى، ما زال قيد البحث فالمعركة لم تحسم بعدـ وبالتالي تبقى الاحتمالات مفتوحة والإجابة معلقة في فضاءات الأزمة..
يختزل البعض المعركة الدائرة في سورية وحولها إلى موضوعة الحرب على الإرهاب، وإذا افترضنا جدلاً بصحة هذه الفكرة من حيث المبدأ، ولكن تبقى غير ممكنة التحقيق دون أن تكون ضمن رؤية واضحة وواقعية لأسباب الأزمة، وضمن رؤية ملموسة لبناء سورية الجديدة، فإن أي مواجهة للإرهاب لامعنى لها، طالما أنها ستعيدنا إلى المربع الأول في أحسن حالاتها، الأمر الذي يعني فقط تغيير شكل الأزمة دون حلها، أي إعادة إنتاج الأزمة بعد أن سفك ما سفك من دم، بمعنى آخر إعادة تاريخ المأساة نفسها ولكن على شكل مهزلة، لا أكثر ولا أقل.
في أولوية مكافحة الإرهاب
لاشك أن ظاهرة الإرهاب التكفيري المستفحلة تشكل أحد أكبر التحديات أمام السوريين، لاخلاف على ذلك من حيث المبدأ، ولكن السؤال كيف؟ وما هي الأدوات، وكيف نخرج هذه المهمة الملحة والنبيلة من دائرة الصراع على السلطة، إلى مهمة وطنية شاملة موضوعة أمام السوريين كلهم؟
إن التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة على سورية، دولة وشعباً، من بوابة الصراع على السلطة فقط يخضع كل القوى الوطنية لسياسات النظام وأدواته وطريقته التي أثبتت عدم نجاعتها حتى الآن، والتي لايبدو في الأفق المنظور أنها ستكون ناجعة بدلالة تنامي الظاهرة في ظل احتكار النظام عملية إدارة الإزمة.
إن مجابهة جدية للإرهاب على الأرض السورية، يجب أن تكون ضمن استراتيجية واضحة المعالم ذات بعد عسكري، وبعد اقتصادي اجتماعي– سياسي متكامل آخذة بعين الاعتبار الأبعاد الإقليمية، والعالمية. و تنبع أهمية هذه المسألة من ضرورة تأمين الحوامل الكليّة، في مجابهة هذه الظاهرة العالمية التي أصبحت سورية إحدى ساحاتها الأساسية.
«الداخلي» بموازاة «الإقليمي-الدولي»
وإذا كان كل من البعدين العالمي والإقليمي خاضعاً موضوعياً لجملة التجاذبات القائمة في مرحلة تكوّن التوازن الدولي الجديد، وليس في مقدور السوريين التحكم بهما، فإن البعد الداخلي، أي استثمار كل الطاقات السورية في هذه المعركة المقدسة، يمكن أن تكون في متناول اليد بكل تأكيد، حيث يمكن على الأقل تغيير الإحداثيات أمام من رسم المشروع ويرعاه ويموله، وصولاً إلى كسب المعركة لمصلحة سورية ضد الإرهاب، إذا توافرت الشروط المناسبة لذلك، من خلال تسوية بين السوريين تفتح الآفاق العملية لعملية التغيير كحق مشروع للسوريين، عملية تقطع عملياً مع النهب والفساد والاستئثار بالثروة والسلطة كعامل انقسام داخلي اشتغلت عليه كل القوى المعادية لتتحكم باتجاه تطور الأزمة..
وبمعنى أوضح إن نقطة الانطلاق الصحيحة في الحرب على الإرهاب يجب أن تكون ضمن استراتيجية انتصار السوريين، وليس النظام وحده.
الانتصار على «القوة الناعمة»
هل يمكن أن ينجح مشروع الإرهاب التكفيري في سورية؟ بغية الإجابة الدقيقة على هذا السؤال، لابد من معرفة وظيفة منظومة الإرهاب المصنّعة هذه؟
إذا كانت وظيفة هذه المنظومة بمختلف تلاوينها وتسمياتها هي إشاعة الفوضى، ضمن ما سميت باستراتيجية «القوة الناعمة» القائمة على إشعال الصراعات الداخلية ورعايتها، وتدمير ما يمكن تدميره والاستثمار فيه لاحقاً، وإنهاك الكل، أي تلك الاستراتيجية المعتمدة أمريكياً بعد سلسلة من الحروب المباشرة التي لم تستطع الاستمرار إلى ما لانهاية لتحقيق كل غاياتها، فإن الوصول إلى الوضع الراهن واستمراره كان أحد الأهداف بعد فشل محاولات إسقاط بنية الدولة التي تتطلب إسقاط النظام بطريقة التدخل العسكري المباشر، باعتبار أن هذا الوضع هو خطوة باتجاه تحقيق الاستراتيجية نفسها. ومن الواضح اليوم أن بنية الدولة تتآكل، وقدرتها على التحكم الحقيقي والسيطرة تخف.
ومن هنا فإن التأخر في الحل السياسي هو، من حيث ندري أو لا ندري، تحقيق أحد وظائف المشروع التكفيري، عملياً.