الخطوة اللاحقة..

الخطوة اللاحقة..

تُستكمل الانتخابات الرئاسية السورية يوم الثلاثاء القادم وسط تباينات عديدة في مواقف وآراء الشارع السوري، والقوى السياسية الداخلية والإقليمية والدولية، من هذه العملية. بكل الأحوال، ستجري الانتخابات وتنتهي إلى نتائجها، ولكن ما ينبغي العمل عليه هو الخطوة اللاحقة، التي يجب أن ترتكز فوراً إلى إطلاق حوار وطني شامل وجدي وندّي ومتلفز، حول جميع القضايا المتراكمة والمستجدة، بحيث ينتقل مركز الثقل من «معارضات اسطنبول والدوحة» إلى المعارضة الوطنية بأدوارها ومبادراتها التي سيكون لها دور فاعل في هذا الحوار وفي الحل السياسي عموماً.

وإن هذا الأمر إضافة إلى أهميته الداخلية، فإنه سيشكل ورقة ضغط سورية على واشنطن وحلفائها من خلال الجدية العالية بالتوجه نحو الحل السياسي بكل مندرجاته وملفاته، وعلى رأسها إطلاق سراح المعتقلين والمختطفين، وتوسيع التسويات والهدنات وحمايتها. وإن مقاربة كهذه لا تسهم بإحداث انفراج سوري داخلي فحسب، بل تجبر واشنطن، كيلا تخرج من المعادلة السورية نهائياً، على عودة سريعة إلى مؤتمر جنيف الذي لا بديل عنه، لإيقاف التدخل الخارجي، وإيقاف العنف، والتمهيد لعملية سياسية سورية، متكاملة وجدية.
إنّ همّ واشنطن الأساسي، كان ولا يزال، قطع الطريق على الحل السياسي في سورية. وبغض النظر عمّا تقوله، وعما تعلنه من مواقف جزئية في هذه المسألة أو تلك، فإن خطابها ومواقفها جميعها تدور في فلك تعطيل الحل السياسي. وإنّ العمل الجاد على حل الأزمة السورية يستند أساساً، وكما أكد حزب «الإرادة الشعبية» مراراً، على العمل ضد ما تريده واشنطن، لا ضد ما تقوله، وهي الأشد كذباً ونفاقاً. ولذلك فإن العمل الجدي باتجاه الحل السياسي المتكامل، هو المفتاح الوحيد نحو بقاء سورية وانتقالها إلى المستقبل الذي تريد، والذي تحدده توافقات السوريين فيما بينهم. ومن هنا، فإن دعم واشنطن لموقف «مقاطعة» الانتخابات الرئاسية استهدف استفزاز النظام للمضي بعملية الانتخابات،  لدفعه بعيداً عن أية بدائل دستورية متوافقة مع الضرورات الموضوعية، ومن ثم أخذ موقفه ذريعة، تسوغ لواشنطن تمديد تأجيلها لجنيف، وتمديد عملية إحراق سورية من الداخل، وهي التي لن تعدم الحجة، لكن موقفها كان سيغدو أكثر صعوبة.
وفي هذا السياق، فإنّ أولئك الذين هاجموا، وما يزالون، موقف الجبهة من جزئية الانتخابات الرئاسية وسط كلّية المشهد السوري الدامي، يقومون عبر «دفاعهم» المعلن عن «استحقاق دستوري» بمخالفة صريحة للدستور الذي يدافعون عنه، ليبقوا بالعمق أسرى قوة عطالة المادة الثامنة في الدستور السوري السابق..! إذ أن الدستور الجديد، المعمول به افتراضاً، يكفل بحكم التعددية المقرة بالمادة الثامنة الجديدة لأية جهة سياسية اتخاذ وإعلان موقفها الخاص والمستقل من أي شأن سوري. والجبهة، إذ لم تدع لمقاطعة الانتخابات في بيانها المتكامل الصادر في 24/4/2014، فإنما انطلقت من احترامها لخيارات الآخرين، وللتعددية التي تعمل على تكريسها في الممارسة السياسية السورية، بغض النظر عن التهجمات الإعلامية والسياسية عليها، فلم تنجر الجبهة إلى ثنائية ثانوية جديدة من ثنائيات الصراع العبثي القائمة، تلك الثنائية المتمثلة بـ«الاشتراك بالانتخابات» أو «المقاطعة»، امتداداً لثنائية «موالي/ معارض» التي قسمت الشارع السوري عمودياً، وأبعدته عن الفرز الحقيقي بين ناهبين ومنهوبين، بين وطنيين وغير وطنيين..
إنّ معاداة واشنطن وحلفائها، والوقوف إلى جانب الشعب السوري بغالبيته المنهوبة، كان ولا يزال أحد المحددات والمعايير الأساسية للموقف الوطني. والحال كذلك، فإنّ عملاً جدياً باتجاه الحل السياسي، على أسس وطنية جامعة، انطلاقاً من الداخل السوري ووصولاً إلى «جنيف»، هو الخطوة اللاحقة التي على الوطنيين أينما كانوا التوافق عليها سريعاً.