الطريق إلى الانتصار..

الطريق إلى الانتصار..

دخلت «واشنطن» مرحلة جديدة، في سعيها لإعادة ترتيب وتنظيم قوى المعارضة المسلحة على الأرض السورية، ضمن عملية رفع درجة ضبطها المباشر لتلك القوى، على حساب الحلفاء والوسطاء الإقليميين لواشنطن ذاتها، التي انتقلت مؤخراً إلى الحديث العلني، لأول مرة منذ بداية الأزمة السورية، عن تسليح المعارضة بأسلحة فتاكة، كما بدأت بتحديد «معتمديها» من بين «المعارضات المسلحة»، وهي التي سبق لها القول مراراً وتكراراً إنها تكتفي بتقديم دعم بـ«أسلحة غير فتاكة» وبدعم «للمعتدلين»، الذين لم تحددهم بشكل واضح في أية مرحلة سابقاً.

إنّ انتقال الولايات المتحدة نحو الانخراط العلني في الصراع المسلح في سورية، بعد أن كانت منخرطة فيه عبر وسطائها دون إعلان واضح، يحمل دلالات عديدة. فهو إذ يعكس عمق المأزق الأمريكي، فإنه يوضح أيضاً استنفاد الطريقة السابقة في إدارة الصراع وانتهاء صلاحيتها، حيث ثبت لواشنطن بالتجربة الطويلة أن وكلاءها الإقليميين، من قطريين وأتراك وسعوديين، لا ينفذون ما هو مطلوب تماماً من وجهة نظرها، بحكم وجود مصالح خاصة لهم. كما أن واقع التوازن الدولي وتطوراته يلزمها بتحقيق تقدم ما في أية بقعة من الخارطة العالمية التي تنبذها شيئاً فشيئاً.
إنّ هذا الانتقال نحو «العلنية»، إذ يعبر عن الحجم الضخم للمشكلة الأمريكية، ضمن ميزان القوى الدولي الذي منع، وما يزال، العدوان العسكري الأمريكي المباشر، فإنه يحمل أيضاً خطراً كبيراً على المؤسسة الأمريكية، يتعلق بوصولها إلى سقوف قصوى لا يسمح الواقع برفعها أكثر، بما يعرض واشنطن، تالياً، لاحتمال خسارة كبرى في حال عجزت عن تحقيق «انتصار» ما.
بالتوازي مع المأزق الأمريكي، وفي صلبه، خطت روسيا والصين خطوة نوعية إلى الأمام بعلاقاتهما الاقتصادية، خطوة دفعت الأوروبيين إلى خطاب «توسلي» يصب في المحصلة في تعميق الشرخ الأوروبي- الأمريكي، وتعميق العزلة الأمريكية، وهذا بالإضافة إلى مجريات وقائع الأزمة الأوكرانية، التي تحولت إلى نقطة اشتباك أساسية، وإلى منصة عالمية لازدراء واشنطن، والتعريض بها وبحماقاتها، والأهم إلى مكانٍ مثالي لتظهير ميزان القوى الدولي الجديد على حقيقته.
وبالعودة إلى بعض مجريات المشهد السوري الملموس، يشير الميدان إلى انعكاس جزئي وطفيف لميزان القوى الدولي ذاك، عبر التقدم العسكري للجيش العربي السوري. ولكنّ من يقرأ حقيقة التوازن الدولي الجديد، وتسارع ظهوره في أماكن عدة من العالم، منها أوكرانيا، يستطيع أن يصل إلى استنتاج جدي وضروري، جوهره: «هنالك في الداخل السوري من يعيق تظهير الميزان الدولي الجديد».
إنّ هذا الميزان أصبح يسمح بانتصار جدي للشعب السوري ضد الإرادة الاستعمارية الأمريكية والصهيونية، ولكنّ طريق الانتصار هذه، هي ذاتها طريق تظهير الميزان الجديد في كل العالم، أي طريق الحلول السياسية التي تسد الباب بوجه سيناريوهات واشنطن السوداء، كي تقودها ضمن خطوات إجبارية نحو خسارة محتمة على رقعة الصراع.
وفي هذا السياق، ينبغي العمل باتجاه حوار وطني داخلي جاد، مع كل ما يثبت جديته، من إطلاق لسراح المعتقلين السوريين، وتقديم المتورط منهم إلى المحاكمات، وحلحلة قضايا المختطفين، وتفعيل التسويات والهدنات، وتوسيعها، بالتوازي مع الإصرار على استمرار «مؤسسة جنيف» وتفعيلها، وحل إشكالات التمثيل فيها، لتنجز وظيفتها في إيقاف التدخل الخارجي ووقف العنف وتوفير مناخ إطلاق عملية سياسية حقيقية بين السوريين. بهذه العقلية فقط يمكن للشعب السوري أن ينتصر، وأن يخرج موحداً من أزمته الوطنية العميقة.  
إن أولئك الذين يمانعون العمل الجدي باتجاه الحل السياسي المتكامل، سواء في جهاز الدولة أو في المجتمع أو في المعارضات السورية، خدمة لحساباتهم الضيقة، إنما يتحملون مسؤولية الإيغال في سفك الدم السوري، وفي تخريب سورية وإحراقها، سواءً بسواء مع أعداء سورية التاريخيين، ويحرمون الشعب السوري من فرصة جدية لانتصار جدي، يجب أن يعمل الوطنيون لإنجازه في سورية.