د. قدري جميل لشام FM: لاستعادة رضى المجتمع يجب استباق مستوى المطالب التي يرفعها الناس

د. قدري جميل لشام FM: لاستعادة رضى المجتمع يجب استباق مستوى المطالب التي يرفعها الناس

أجرت إذاعة شام (م.ف) يوم الاثنين 2/5/2011 لقاء مطوّلاً مع الرفيق د. قدري جميل أمين مجلس اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، وحاورته في قضايا الساعة الساخنة..

وننشر مقاطع واسعة من الحديث

كيف ترى ما يحدث في البلدان العربية منذ بداية العام، سواءً في مصر أو تونس أو ليبيا، والافتعال الذي يجري في سورية؟

أرى أنه يجب علينا النظر للأمور بهدوء وبشكل عميق..

مصر وتونس شهدتا ثورات شعبية حاول الأمريكيون أن يستغلوها، ولكن الأمر خرج من أيديهم، ومسار الثورة المصرية الحالي يؤكد ذلك، خاصةً محاكمات الفاسدين الكبار من رئيس الجمهورية وأولاده والطاقم معه، وأعتقد أن الأمريكيين لم يكونوا يريدون للأمور أن تسير في هذا الاتجاه، فالسلوك المصري يتغير الآن تجاه القضية الفلسطينية سواء من جهة المصالحة أو من جهة الغاز وفك الحصار عن غزة، أي هناك تغير نوعي تدريجي في السلوك المصري، ولكنه مستمر بثبات إلى الأمام. عموماً ثورتا تونس ومصر أخافتا الأمريكيين لأنهم رأوا أن الأمر خرج من أيديهم وبدأ تغير ميزان القوى الاستراتيجي في المنطقة، ولذلك حاولوا وضع حد لذلك وأقاموا لنا مثالين سيئين جداً للثورات الشعبية في ليبيا واليمن، وهناك قضية معروفة مفادها أنه في حال وقع حريق في الغابة ولم يكن بالإمكان السيطرة عليه فعادةً تقوم أجهزة الإطفاء بافتعال حريق آخر حوله، وفي ليبيا تم افتعال وضع هو أشبه بالحريق بالمعنى السيء والمقرف بحيث يكون الانطباع المعدي للثورات العربية بالوعي الاجتماعي العربي غير مستمر وإنما يتجه باتجاهات أخرى..

كان رأينا دائماً أن الأمريكيين والإسرائيليين بعد خسارتهم للمعركة بالمعنى الاستراتيجي في مصر، سينقلون مركز الثقل إلى منطقتنا وسيستهدفون سورية..

لماذا؟

لأن سورية تلعب دوراً هاماً في الممانعة والمقاومة ضد المخطط الإمبريالي الأمريكي- الصهيوني في المنطقة، وتعرقله بالتحالف مع إيران وحزب الله وقوى المقاومة والممانعة، وحاولوا أخذ سورية بأشكال عديدة، فلو نجحوا في حرب تموز 2006 في لبنان لكانوا أكملوا لتتدحرج كرة النار من لبنان إلى سورية، ولكنهم لم يكونوا يتوقعون بأن يتغير ميزان القوى بهذا الشكل، لذلك حتى 2006 كانت هناك محاولات لأخذ سورية من الخارج، وحاولوا أيضاً أن يأخذوا سورية من الداخل بشبه انقلاب عسكري عندما ظهر تقرير ميليس وتسليم الضباط والحركة التي بناها عبد الحليم خدام ومن لف لفه في تلك الفترة، وفشلوا أيضاً.

لذلك ومنذ ذلك الحين أصبح واضحاً أنهم لم ينجحوا بأخذ سورية لا من الداخل ولا من الخارج، لذلك كان لابد من محاولة مرة ثالثة باستخدام كل الوسائل، وهو ما سميناه في حينه الحل المركب، وهذا الحل يعتمد على كل الثغرات الموجودة في الوضع الداخلي، والثغرات مع الأسف الشديد كانت تتسع لأن السياسات الاقتصادية الاجتماعية كانت قصيرة النظر وخلقت أرضية لزيادة الاستياء الاجتماعي بزيادتها للفقر والبطالة، والبعض كان يظن أنه لا علاقة للمؤشرات الاقتصادية بالاستقرار السياسي، ولكن في الحقيقة هناك علاقة خطية مباشرة بين الوضع الاقتصادي الاجتماعي وارتفاع مستوى عدم الرضا في المجتمع- وخاصةً بعد إلغاء دعم المازوت.

إذاً كان هناك ثغرات، ولكن كيف استطاعت الولايات المتحدة النفاذ عبرها؟

لا أدري إذا كانوا قد خططوا بالأصل لهذه الثغرات، وهذا يتطلب إعادة تفكير حول ما إذا كان الذي قام بهذه السياسات قام بها عن جهل أم عن قصد وسابق إصرار وتصميم، وهذا الملف يجب أن يفتح بكل شفافية حسب اعتقادي، وتحديداً من الناحية الأمنية الوطنية، وليس من الناحية الأمنية الضيقة؛ فهل هذه السياسات الاقتصادية الاجتماعية تعد اختراقاً للأمن الوطني؟، أم كانت مجرد جهل وقصر نظر؟، ولكن إذا كان أحد ما يرى الثغرات ويرى الأمور سائرةً في اتجاه معين، اتجاه يساعد في فرز استياء اجتماعي يعبر عن نفسه، ولكن لكي لا يعبر هذا الاستياء عن نفسه بالشكل المطلوب والصحيح دفاعاً عن المصالح المشروعة المرتبطة بالوضع الاقتصادي المعاشي، كان بكل بساطة هناك إمكانية لتحويل الموجة وتأريضها بتنظيم بعض القوى الصغيرة التي يمكن أن تأخذ هذا الحراك باتجاهات خاطئة، وتجيره لأهداف أخرى هدفه الأخير هو شل دور سورية، فإذا تم شل جهاز الدولة وعموده الفقري المتمثل بالجيش عبر إشغاله بمشاكل داخلية، فهذا يعني أن مهمته الأساسية التي هي الدفاع عن السيادة الوطنية ومهمة تحرير الجولان التي لابد من تحقيقها، وأعتقد أن تحقيقها يجب أن يكون في المستقبل المنظور- تم تعطيلها، وبهذا يفقد الجيش دوره الوظيفي وتخرج سورية موضوعياً- حتى وإن لم يتمكنوا من إسقاط النظام- من معادلة الممانعة والمقاومة، مما يحدث خللاً استراتيجياً يعوض عن الخلل الذي جرى نتيجة الثورة المصرية والتونسية.

هذا حسب اعتقادي كان المخطط بشكل عام، أما التعامل معه فقضية أخرى.

كيف يجب التعامل معه، وخاصةً فيما يتعلق بتعطيل دور الجيش عن مهماته الاستراتيجية، كيف يجب أن تتصرف القيادة السورية حيال ذلك؟

حللنا في حديثنا حتى الآن المشكلة وفككناها، لدينا مشكلة اقتصادية -اجتماعية ومستوى من عدم الرضا عند الناس، هذا يتطلب استعادة مستوى الرضا، ونحن من هذا المنطلق مضطرون لإجراء إصلاحات اقتصادية اجتماعية تأخذ طابع الصدمة.

ما الخيارات؟

هذا يتطلب دراسة ولا يمكن أن نعطي جواباً نهائياً في هذه اللحظة، ولكن يمكن طرح بعض الأمثلة، ومنها إلغاء رفع الدعم عن المازوت، وتخفيض أسعار الكهرباء.

كان هناك حديث اليوم في هذا المجال في مجلس الوزراء؟

نعم، هناك حديث ولكن خجول وبأرقام بسيطة، برأيي يجب استباق مستوى المطالب التي يرفعها الناس، فالناس يطالبون بشيء ولإرضائهم لا يجب أن نقدم لهم ما يطلبون، وإنما أكثر مما يطلبون وقبل أن يطلبوه. فالتجارب السابقة أثبتت أن مسير الدولة خلف مطالب الناس أمر ضار وليس نافعاً، ويجب استباق مسيرة الناس، فإذا لم تستجب فهناك مشكلتان، وإذا استجابت بمستوى أقل فهناك مشكلة، أما استباق المطالب فهو الذي يحل المشكلة.

لذلك لدينا الملف الاقتصادي الاجتماعي يتطلب بحثاً تفصيلياً.

ولكن هذا الكلام استراتيجي، ما الحلول العاجلة؟

ما الذي يمنع الآن من اجتماع مجلس الوزراء واتخاذ قرار بإلغاء رفع الدعم عن المازوت بالطريقة نفسها التي اتخذ بها قرار رفع الدعم؟ وهناك حزمة من الإجراءات المطلوب اتخاذها لطمأنة المجتمع السوري إلى جانب حزمة الإصلاحات السياسية التي برهنت الحياة أنه لابد منها.

لقد تحدثنا ذات مرة عن الأقنية المسدودة بين المجتمع والدولة. يجب فتح هذه الأقنية، وهذا لا يتم إلاّ عبر حياة سياسية صحية، لنترك الناس تتكلم وتعبر عن نفسها بشكل صحي وسلمي، لأن منعها عن التعبير بشكل سلمي يعطي قوى متطرفة فرصةً للدخول على الخط وتشويهه.

على ذكر ترك الناس تتكلم، إن المشكلة التي تتفاقم يوماً بعد يوم لا تتعلق بالقيادة أو بالدولة، وإنما بالناس الذين لم يعودوا يقبلون بعضهم، هل لاحظت هذا الشيء المتفاقم من تخوين الأطراف لبعضها وعدم قبول الرأي الآخر؟

حتى يتمكن الناس من التحدث مع بعضهم، يجب أن نحدد القضايا الجامعة التي تستحق الحوار وندفع الناس إلى النقاش حولها، فما هي الملفات التي توحد الشعب السوري إذا تم طرحها؟ إنها إلى الآن غير مطروحة، ولنسأل الذين يتظاهرون عما يريدونه، غير كلمة الحرية هل يستيطعون منح هذه الكلمة محتوى؟ لا أحد يعرف ماذا يريد تماماً، ومازالت الحركة ناشئة وبرأيي يجب أن يتم الحفاظ على الحركة الناشئة والعناية بها وتطويرها بشكل سليم لأنها ضمانة للتطور اللاحق لسورية، ويجب حمايتها من التطرفات المختلفة وحمايتها من القمع المفرط.

إن ما يجري أحياناً هو أن يوجد في الحركة قوى متطرفة تستحق القمع، فمن يستخدم السلاح في حراك له علاقة بالشارع يستحق القمع، ولكن حين يخرج القمع عن الحدود الضرورية المحدده له، أي عندما يتجاوز حدود الضروري، تصبح القضية في مكان آخر، ويؤدي إلى ردود فعل لدى الناس وتصبح لملمة المشكلة أصعب، لذلك لا أقول إنني ضد العمل الأمني، ولكنني ضد أن تكون الحلول أمنية بحتة، فالحلول يجب أن تكون متكاملة؛ سياسية- اقتصادية- اجتماعية، وأنا مع أن تقتصر الحلول الأمنية على حدود الكفاية بالهدف الذي يجب أن تكون مخصصة له ضد من يضر الحراك الاجتماعي ويحاول أن يحوله إلى أعمال مسلحة، فليس من المعقول أن نقول لقوى الجيش أو الأمن لا تستخدموا السلاح في الدفاع عن النفس ضد من يرفع السلاح، ولكن أن يستخدم السلاح بشكل مفرط خارج إطار هذه الدائرة يصبح مضراً لتطور الحركة اللاحق.

نعود لموضوع القضايا الجامعة للمجتمع السوري، ومنها مثلاً تحرير الجولان، كيف سنحرر الجولان؟ أقترح أن يفتح نقاش شعبي وأن تطرح هذه القضية على الاستفتاء الشعبي، ولا نقاش بأن الجولان أرض سورية ويجب تحريرها في نهاية المطاف، ولكن ألا يمكن اليوم فتح نقاش شعبي عام يمكن على أساسه أن يجري استفتاء عن كيفية تحرير الجولان؟ هل طريق المفاوضات طريق معقول لتحرير الجولان وهل يجدي بالظروف الحالية؟ وما هو طريق التحرير؛ مقاومة شعبية أم خيار عسكري أم خليط من الاثنين؟.

هل ترى أن الحديث بقضايا من هذا الثقل الآن ممكن؟

هل جرب أحد ولم يعط الحديث فيها نتيجة؟ دعونا نجرب، وهناك قضية أخرى تعطي نتيجة وهي جامعة للمجتمع السوري والقوى السليمة فيه، وهي قضية الفساد، المجتمع السوري مزعوج جداً من الفساد ويرى أن هذه القضية لا تضر فقط بمستوى معيشته وإنما يرى أنها تمثل إهانةً لكرامته، لماذا لا يفتح نقاش حول طرق محاربة الفساد في سورية؟ ولتسم الأمور بمسمياتها.

...

لنفتح نقطة جديدة إذاً، الإخوان المسلمون اتخذوا قراراً باستئناف نشاطهم في سورية، إلى أي مدى هذا الكلام قابل للتحقق، هل لديهم قدرة وأرضية وقاعدة تسمح بتحقيق هذا؟

طبعاً لديهم أساس لقول ذلك، فكل طبقة اجتماعية تبحث عن معادل سياسي لها، ومشكلة تخلف الحركة السياسية في سورية هي أن العلاقة بين الطبقات الاجتماعية والمعادل السياسي أصبحت مفقودة، بمعنى- وبصراحة- من يمثل حزب البعث من الطبقات الاجتماعية؟ الإجابة تقول إن فيه من كل الطبقات، أي إنه ليس تعبير مباشر عن طبقة بحد ذاتها، وإنما هو تعبير عن مجموعة من الفئات والطبقات بالمعنى الوطني الجامع في مرحلة من المراحل، ولنأت على حزب يقول إنه حزب الطبقة العاملة فرضاً، كم يمثل هذا الحزب الطبقة العاملة؟ هو يعد نفسه ممثلاً لها ولكن الطبقة العاملة لا تعده كذلك، ولكن، من هو الحزب الذي يمثل البرجوازية السورية اليوم؟ لا يوجد!.

لا يوجد لأن البرجوازية لم تعد تهتم كثيراً!

بالعكس، إنها مهتمة جداً، البرجوازية السورية الجديدة منها والقديمة يهمها تمثيل سياسي، ويهمها معادل سياسي، وبرأيي فإن الإخوان المسلمين ببرنامجهم- ولنترك جانباً برنامج الإصلاحات الدستورية- الاقتصادي الاجتماعي إنما يمثلون الليبرالية، فهو برنامج ليبرالي يريد الإخوان منه أن يمثل مصالح جزء هام من البرجوازية السورية، ويريد الإخوان أن يصبحوا المعادل السياسي لقوة اجتماعية محددة، ولذلك يجب ألا نستخف بالقول إنهم لا يمثلون أحداً، فبالنهاية لديهم من يمثلونه.

ولكن سؤالي كان هل لديهم القدرة؟

إلى الآن هم لا يمثلون البرجوازية السورية، ولكنهم يريدون أن يكونوا ممثليها، خاصةً أن البرجوازية السورية تبحث عن معادل سياسي لها، ولذلك فإذا نشأ تلاقي ما في الفضاء في لحظة مناسبة بين قوى معينة اجتماعية وبين حزب سياسي يطرح نفسه كمعادل سياسي سيصبح الحزب ممثلاً لهذه القوى، ويريد اليوم هذا الحزب أن يستفيد من الوضع الجاري في البلد لكي يدخل على  الخط ويعبر عن نفسه كممثل، وهنا يجب أن أتوقف عند نقطة هي أن الموضوع ليس بالإصلاح السياسي فقط، فالإصلاح السياسي هو الشكل فقط، وإذا نظرنا إلى القوى السياسية ابتداءً من حزب البعث وانتهاءً بالقوى المعارضة المتطرفة كلها متفقة بنسب مختلفة من التباين حول برنامج الإصلاح السياسي الذي سيأتي إن عاجلاً أم آجلاً، ولكن أحداً لا يتحدث عن الإصلاح الاقتصادي، أو عن جوهر الإصلاح السياسي الذي هو في جوهره اقتصادي، إلى أين سيذهب الإصلاح السياسي؟ لذلك اليوم يجري نقاش بلا مضمون حول الإصلاح السياسي بشكل عام- رغم أهميته القصوى للتطور اللاحق- ولكن لا يوجد نقاش حول الإصلاح الاقتصادي الذي يمثل مضمون الإصلاح السياسي، وبالتالي برأيي لئلا يضحك أحد على الآخر يجب أن يطرح كل واحد برنامجه ليس في الإصلاح السياسي وحسب وإنما في الإصلاح الاقتصادي أيضاً، وهذا يعني رؤيته للتطور الاقتصادي- الاجتماعي القادم إلى سورية.

فالآن يدور الكلام عن الديمقراطية والدستور والمادة الثامنة وعن قانون الأحزاب، كل الناس يتشابهون في هذه النقاط التي تعجبهم، ولكن هذا لا يكفي مالم يرافقه في آن واحد توضيح للموقف تجاه موضوع أساسي هو توزيع الثروة في المجتمع، وإلاّ فلن يؤدي الأمر إلى جديد، لأن هناك من يريد إعادة توزيع الثروة بين الناهبين، وهناك من يريد إعادة توزيع الثروة بين الناهبين والمنهوبين، والبرنامجان مختلفان رغم اتفاقهما على الإصلاح السياسي المطلوب إلى حد ما. لذلك يجب أن نضع النقاط على الحروف ونفتح باب الحوار لتوضيح المواقف!!.

برأيك، ما موقف القيادة السورية أو ردة فعلها حيال إعلان الإخوان استئناف نشاطهم؟

أنا لا أمثل القيادة السورية، أما قراءتي للأمر فأرى أن قانون الأحزاب المرتقب يجب ألاّ يسمح بقيام أحزاب على غير أساس الانتماء الوطني الشامل، أي لا يسمح بقيام أحزاب على أساس طائفي أو عائلي أو عشائري أو ديني، لأن سورية فيها مكونات كثيرة وإذا دخلنا في هذا الموضوع وأقمنا تكوينات حزبية على أساس تكوينات ما قبل الدولة الوطنية فهذا سيفتت المجتمع السوري، لذلك فإن الإخوان المسلمين في حال أصبحوا حزباً سورياً يجب ألاّ يكون هذا الحزب على أساس ديني.

كيف ذلك؟

عبر نظامهم الداخلي، والقضية برأيي متعلقة بقانون الأحزاب الذي سيصدر، وأقترح أن يمنع القانون إقامة الأحزاب على أساس ديني. والسؤال متعلق بالموقف منهم بالمستقبل، ولكن يجب الانتباه إلى أن الوضع الحالي يشير إلى أن كل القوى تعمل في سورية، ومنها الداخلي كما منها الخارجي.

وإذا كان الإخوان المسلمين يريدون العمل كحزب سياسي على أساس سوري وطني فهذا أمر يختلف عن دخولهم على خط تطور الحراك الشعبي لتحويله باتجاه محدد فهذا أمر آخر.

هل ترى أن الإخوان يقفون وراء ما يجري، هل كانوا المخططين له، أم من المستفيدين؟

لا يمكن القول إن هناك أحداً بحد ذاته يقف وراء ما يجري، ولا يمكن استثناء أحد، هناك عوامل موضوعية، هناك حراك شعبي له أسبابه الموضوعية، وتدخل على هذا الحراك قوى متعددة محاولةً تجييره لخدمة مصالحها.

بالنسبة لنظرية المؤامرة التي تتأكد، هل كانت برأيك موجودةً من الأساس أم أنها دخلت على الحراك لاحقاً؟

ماذا تعني مؤامرة؟ ومتى توقف التدخل الأجنبي في سورية؟ إن التدخل موضوع مستمر ودائماً يتدخل الخارج على خط الداخل من أجل حرف المسارات بما يخدم مصالحه، ومنذ خمس سنوات كان قلقنا في اللجنة الوطنية من السير في خط التطور الاقتصادي الاجتماعي، وحذرنا مراراً من أنه سيفتح ثغرات تسمح لقوى الخارج بالدخول إلى الداخل، وللتأكيد هناك دائماً مؤامرة، ولكن لماذا تنجح المؤامرة أحياناً ولماذا تفشل في الأحيان الأخرى أو تنجح جزئياً؟.

ببساطة تنجح المؤامرات أحياناً لأن الداخل يكون ضعيفاً ومليئاً بالثغرات، وتفشل عندما يكون الداخل قوياً، وخوفنا من نجاح المؤامرات الخارجية جعلنا نستشرف باكراً أن طريقة التطور الاقتصادي الاجتماعي ستؤدي إلى ثغرات واستياء يسمح لمن يريد اللعب بالدخول إلى الداخل السوري، ولكن هذا لا يعني أن الاستياء غير مشروع، بل إن الاستياء مشروع ويجب تلبية مطالبه.

وأعتقد أن الحراك الشعبي ينمو حالياً من حيث الوعي، وهذا الحراك ينبذ القوى المتطرفة ويعزلها يوماً بعد يوم، فالقوى المتطرفة التي كان صوتها مسموعا أكثر عند بداية الحراك انخفض صوتها وتأثيرها في هذا الحراك الذي يعد ظاهرةً صحية يجب رعايتها وحمايتها، كما يجب العمل في الوقت نفسه على تخليص الحراك الشعبي من القوى المتطرفة التي تتجاوز حد السلوك الطبيعي.

لدينا الآن في سورية وليد جديد، هو الحراك الشعبي، يجب عدم رميه مع الماء القذر الذي ولد فيه.

حاورته: سهير الذهبي