الفوضى.. واغتيال العلماء
يغتال الخبثاء في زمن الفوضى المعرفة التي على أساسها نستطيع أن نواجه نقيضاتها المادية والروحية...ومع كل فوضى هناك انتصار؟
وآخر حالات الفوضى التي ترافقت مع انتصار كانت في العراق.. قوائم بمئات، وربما بآلاف من العلماء والمفكرين والمهنيين وغيرهم... صُفّي مئات منهم بطريقة «المصدفة البحتة»، أو بطريقة الفعل المنظم والمدروس، أو بطريقة الانتقام والكيدية المتأصلة في بعض النفوس الحاقدة.. والخسارة هنا على مستوى الإنسانية برحابتها، وعلى مستوى أوطان العلماء كمكان لانتمائهم الأول عبروا عن معارفهم فوق أرضه، وأفادوه بما قدموه من علوم نظرية وتطبيقية على كل المستويات.
وهكذا يدفع العلماء حياتهم ثمناً للتناحر بين الدول الضعيفة، والدول القوية ومصالحها وحساباتها، فينتصر القوي على الضعيف بقتلهم! حيث يكونون عنواناً وهدفاً واضحاً كغاية قبل أي انتصار آخر على الأرض، والثمن الأغلى لتحقيق النصر.. فالقوائم تعد بأسمائهم ويتم التنفيذ على الفور ما دام هناك فوضى والوقت متوفراً!
بعد الانحراف الحاد في الأحداث السورية وظهور السلاح كعنصر حسم.. يكون الخوف مبرراً أن تكون الفرصة مواتية في الظرف السوري الحالي لتكرار مشهد عراقي جديد، ولجوء البعض إلى تصفية علمائنا ومفكرينا وكفاءاتنا..
الخوف من ذلك يبرره حدث كبير هز وجدان أبناء سورية بثمن ربما الأغلى من الأثمان التي سندفعها في هذه الأحداث، وهو استهداف أحد أهم علماء سورية الشباب العالم «عيسى عبود» صاحب الاختراعات النوعية المسجلة محليا ودوليا، والتي وصل عددها لـ100 اختراع...أهمها دوره الفعال في تخزين المعلومات ضمن الخلايا الكربونية.
بعد الحالة الوجدانية والعاطفية التي شعر بها أبناء هذا الوطن على هكذا غياب، يكون الحدث قد أخذ بعداً خطراً في ظرف استثنائي...فالفوضى تأخذنا إلى الصراع والصراع من أهم سماته تصفية العلماء أصحاب الأثر بعيد المدى...
العلاقة الجدلية بين اغتيال العلماء والانتصار قائمة على دور هؤلاء الإبداعي، وقدرتهم على تحقيق النقلة النوعية في المراحل الحرجة، لأنهم الأقدر على إيجاد الحلول الخلاقة ما قبل اللحظة المواتية عبر قدرتهم العلمية الفكرية من نقل بلدانهم من مكان إلى آخر قبل الأزمات، وفي قلبها، وما بعدها، عبر فكرة أو إنتاج علمي نوعي نادر يسمح لهذا البلد عند تطبيقه بالانتقال من مرحلة التقارب إلى التفوق على خصومه وأعدائه من خلال ندرة النوعية في إنتاجهم العلمي القادر عبر توفر كل من الموهبة العلمية الخلاقة والأرضية الموضوعية لإنجاز انتصارهم العلمي، الذي سيقود بدوره لانتصار وطني ببعده التقني أو الاقتصادي أو الاجتماعي. وبفقدانهم تكون النتائج المترتبة على غيابهم خسائر لا تعوض، لأنها تتمثل بتفوق خصمنا أو عدونا علينا من خلال الإبقاء على مراوحتنا في المكان عبر سحب هؤلاء من ساحة المنافسة بالقتل أو الترحيل أو الهجرة الطوعية.
والحقيقة أن الفوضى تشكل أفضل فرصة لقتل هؤلاء المبدعين أو تهجيرهم أو ترحيلهم، وعلى هذا الأساس فإن علاقة الفوضى المتلازمة مع الاغتيالات هي علاقة مترابطة ووثيقة عبر كل حدث في أي مكان في العالم، ومع غياب الاستقرار الذي يشتت انتباه الأمن يصبح واجب الجميع حماية أمن هؤلاء عبر زيادة حذرهم الشخصي أولاً، وحمايتهم اجتماعيا بكل الطرق ثانياً، لأن هؤلاء تنطبق عليهم صفة ثروة وطنية وقومية، وربما إنسانية (منسية) في حالة إبداع نادرة...خسارتها هنا المبدع السوري عيسى عبود.