الفاشية - الأزمة السورية: صعود أم حل..؟!
أطلقت أدبيات ورؤية حزب الإرادة الشعبية ما أسمته قانون الأزمة الرأسمالية العامة في مرحلة التوازن الدولي الجديد، بصيغة «أزمة- تراجع- تسويات»، بمعنى أن الأزمة ذاتها ستفرض تراجعاً وبحثاً عن تسويات على تلك القوى المأزومة حالياً، والقوية فقط الآن بقوة عطالة تجليات قوتها سابقاً، اقتصادياً وعسكرياً وبالمحصلة سياسياً.
وعبر إسقاط هذا القانون على الحالة السورية المستعصية والمتراكبة والمتداخلة دولياً وإقليمياً وبالسمات الداخلية، اشتقت تلك الأدبيات قانوناً آخر لإنهاء الكارثة الإنسانية في سورية: «وقف التدخل الخارجي- وقف العنف- إطلاق العملية السياسية». غير أن السؤال الملح اليوم، لدى غالبية المتابعين، بغض النظر عن نواياهم ومشاربهم الفكرية والسياسية، في ظل تغييب وضوح هذه القوانين، تحت تأثير زخم وتداعيات قضايا دولية أخرى، هو حول مدى مشروعية هذين «القانونين» واستمرار فعلهما..!؟
إذا كنا متفقين على أن الإعلام ليس مرآة عاكسة للمطابخ السياسية في العالم بدقة وشفافية، بل هو عبارة عن تخريجات محبوكة، لما تريد هذه المطابخ إيصاله والإيحاء به، كل من منظور مصالحه وإدراكه للوقائع والحقائق بما فيها غير المعلنة، وحتى إذا تجاهلنا أن تجميع وتحليل وإعادة تركيب مختلف قطع المشهد الدولي، بما فيها تلك المسربة عبر الإعلام، تشير إلى أن هذا المشهد بمحصلته، يقول بهبوط قوى عالمية، في مقدمتها واشنطن، وصعود قوى أخرى، في مقدمتها روسيا، فلربما كان من الأجدى أن نطرح السؤال معاكساً: ماذا سيعني تعطل قانون الأزمة؟ أي ماذا يعني استمرارها، ولكن دون تراجع ودون تسويات، أي أيضاً دون اضطرار واشنطن في ظل ميزان القوى المتشكل للقبول اليوم «تسووياً» بما قد لا تحصله غداً في ظل تراجعها؟
صعود الفاشية: تداعيات وعوائق
إن ذلك يعني جدلياً صعوداً مضطرداً وثابتاً للتيار الفاشي في العالم، أي بالحالة السورية التي تهمنا، دخول سورية وأزمتها الخاصة في أتون معركة عالمية أكثر حدة وظهوراً، لتجليات الأزمة العامة من حروب وصراعات ضمن إعادة صياغة التوازنات في العالم الرأسمالي برمته. وهنا لن تقف الفوضى عند حدود منطقة شرق المتوسط أو منطقة «قوس التوتر»، بل ستنتقل تباعاً أو بالجملة للحلقات الأضعف عالمياً، علماً بأن هذه الحلقات ستنتقل إلى التغيير الجذري في كل الأحوال مع استكمال وصول النظام الرأسمالي إلى نهاياته تاريخياً، ولكن الفرق يبقى قائماً بين انتقال طبيعي، بما يحمله من أشكال محددة للصراع، تحافظ على بنى الدول والمجتمعات وتغير نظمها، وبين نقل مفتعل، بما يتضمنه من تهشيم لبنى الدول والمجتمعات ذاتها.
لكن، ما الذي يكسر السمة المطلقة لهذا السيناريو القاتم وأحاديته؟ مرة أخرى، يمكن القول إن ذلك رهن بوجود التيارات الأخرى صاحبة النفوذ في قلب العالم الرأسمالي التي تريد، وتقبل بتراجع منظم لإعادة تموضعها ضمن أوزانها الجديدة، بما يضمن لها استمرار وجودها مع مستويات، لو أقل، من نهبها ولكن بأقل «دمار شامل» ممكن، وهو مرهون بطبيعة الحال بصعود قوى أخرى، هي رأسمالية البنية والطابع، ولكن الحفاظ على وزنها الجديد أو المستعاد سياسياً، سيضطرها في نهاية المطاف للتحول باتجاه سياسات اقتصادية اجتماعية مختلفة، وهو مرهون كذلك بما لا يقل أهمية عن هذا وذاك، وهو طبيعة الوعي الشعبي قيد التشكل على مدى السنوات الماضية حتى اليوم، والذي بات بالتجربة يريد الخلاص من الفاشية، ولن يسمح باستمرار واستقرار نمط النهب القائم المسبب للأزمات الخاصة والعامة، حتى وإن كان من بين ممثلي هذا النمط التيار الموصوف بالعقلاني.
الحل في سورية: بين الفاشية والجذرية
المشكلة بالملموس بالنسبة للسوريين هي أن وضوح هذه الإجابات، وبدء إعطائها لنتائج ملموسة، يعني استغراقاً زمنياً، ندفع ثمنه يومياً دماً وتشرداً ونزوحاً وخسائر مادية واقتصادية واجتماعية، وتدويلاً أعلى، وهو ثمن تتحمل مسؤوليته بالدرجة الأولى أطراف الصراع، كل من موقعها، دون وضع إشارة مساواة ميكانيكية فيما بينها أو فيما بين طبائعها وارتباطاتها، ليبقى القاسم المشترك هو قوى التشدد المتوزعة في صفوف هؤلاء جميعاً، والتي لا ترى ميزان القوى الدولي المتشكل وتعرقل الحل السياسي ولا تدرك مغبة ذلك، حتى لو كان على حساب وجود سورية بحد ذاته. أي أنهم يتحولون، من حيث يدرون أم لا، ومهما كانت شعاراتهم، إلى أدوات في مشروع الفوضى والفاشية.
سؤال: هل تسمح درجة تدويل الأزمة السورية بالقول: حسناً، فلنكسر هذا الاستغراق الزمني الدموي، وننجز حلاً داخلياً صرفاً؟ الجواب يتعلق بطبيعة الحل المنشود، ومنطلقاته وغاياته..! هل هو حل للسوريين جميعاً؟ هل هو حل جذري وشامل يمنع إعادة إنتاج الأزمة؟ هل هو حل يأخذ في حسبانه تداخل الوضع السوري في اللوحة العالمية واحتياج سورية، مرحلياً، لإطار دولي يمنع التدخل الخارجي؟
السيادة الوطنية والمسؤولية الوطنية
وتحديداً عند السؤال الأخير تتحول إلى مثالية أو طوباوية فكرة تخيل إمكانية إنجاز حل داخلي صرف، من ألفه إلى يائه، على الرغم من أن ذلك «يحترم» «السيادة الوطنية» شكلاً. لأن إنجاز ذلك بالعمق يعني أولاً أن يحترم المسؤولين عن الصراع وتفجيره وتأجيجه واستعصائه، من كل الأطراف، نظاماً و«معارضات» مسلحة وأغطيتها السياسية، السيادة الوطنية بكل أبعادها حقاً، ويقولوا: كانت حساباتنا ومقارباتنا خاطئة، ونحن مستعدون لتعديلها، والاندماج ببرنامج عمل مُتفاهم عليه في جبهة واحدة في مواجهة التدخل الخارجي والإرهاب والفاشية..! وهي عملية بهذا المعنى نظرياً، ستقصي مباشرة كل منتهكي السيادة الوطنية سياسياً واقتصادياً اجتماعياً وديمقراطياً، أياً كانت مواقعهم واصطفافاتهم الحالية.
لكن وعلى اعتبار أن هذا الأطراف، بحكم مراهنتها على «صوابية» خياراتها، لن تمتلك الجرأة الأخلاقية لذلك، سيبقى الشعب السوري بحاجة، بغية كسر الحلقة المفرغة، لتحويل مزاجه العام إلى إرادة تفرض على هؤلاء باتجاه تغيير مقارباتهم، بمقدار احتياجه لذاك الإطار الدولي الملزم لوقف التدخل الخارجي بأشكاله كافة المتمثل بـ«جنيف»، مهما كان رقمه، أو ما شابهه، بوجود إشكالياته ونواقصه، إلا إذا كنا سنقبل تلك الرواية الخرافية التي تجعل موقع سورية جغرافياً في المريخ..!