جيوب الفقراء لن تحل الأزمة!

جيوب الفقراء لن تحل الأزمة!

أصدرت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، مساء «الثلاثاء 15/4/2014»، قراراً برفع سعر ليتر البنزين إلى 120 ليرة، أي بزيادة مقدارها 20%، في خطوة على طريق تامين الموارد من جيوب الفقراء.

في ظل تعمّق الأزمة السورية، وتشابك ملفّاتها على نحوٍ معقّد، لم يعد هناك وجود لقرارات اقتصادية بحتة، بل تتجه تلك القرارات، بنتائجها، لتكون سياسية بامتياز.

لم يأخذ قرار رفع البنزين مساحة واسعة من النقاش، كونه لا يمس الشريحة الأكبر من المواطنين، لكنه يدلل على منهجية محددة في العقلية الحكومية في التعامل مع مصادر التمويل، التي يتعزّز فيها الإصرار على التوجه إلى جيوب الفقراء للبحث عن حلول. فالبيان الحكومي، بشقيه السياسي والاقتصادي، جاء على أساس فهم محدد لطبيعة الأزمة السورية، متضمناً عنوان استمرار الدعم، كاعتراف ضمني بأهمية العامل الاقتصادي كسبب رئيسي للأزمة، إلى جانب ملف المصالحة الوطنية.

 وتأتي مثل هذه القرارات الحكومية، التي تتناقض مع نص وروح البيان الوزاري، كموقف سياسي مضاد للموقف الذي أتخذ في بداية عمر الحكومة. فالحكومة لا تزال تبتعد عن سكّة الحل، إذ تغض النظر عن أموال كبار فاسدي الدولة والمجتمع. علماً أن البحث في جيوب بعض الأغنياء عن الموارد كان سيفتح الباب واسعاً  أمام فرزٍ من نوع جديد في أوساط الدولة والمجتمع، ويضع هذه الأوساط مباشرة أمام معالجة الأسباب العميقة للأزمة السورية. بمعنى أن الإجراء الاقتصادي- السياسي الصحيح، لو تمّ، كان ليعلب دوراً سياسياً موازياً، يخفّف من مستوي الاحتقان والاستقطاب في المجتمع السوري لمصلحة الحلول العميقة.

جيوب الأغنياء: ممراً إلزامياً

بين أرقام الأمم المتحدة والأرقام الحكومية ,عشرة ملايين سوري على الأقل منذ بداية الأزمة أصبحوا تحت خط الفقر «الأدنى», فلم يعد الفقر مؤشراً اقتصادياً بقدر ما هو كارثة حقيقية عصفت بالسوريين, ولا تزال السياسات المتبعة منذ عام «2005» سياسات ليبرالية، معتمدة على قاعدة «دع الأغنياء يغتنون فهم قاطرة النمو», والبحث عن حلول اقتصادية في جيوب الفقراء يصل اليوم إلى حدوده القصوى, فحتّى الفئات الوسطى في المجتمع السوري، باتت اليوم في دائرة الفقر، بعدما استنفدت كل مدخراتها، بكل ما يرافقه ذلك من تردي أوضاع صحية وتعليمية.. الخ.

أمام مشهد بهذه الدرجة من التعقيد والخطورة علينا أن نتساءل: هل الحكومة الحالية, ببيانها وتركيبتها وبإجراءاتها المتبعة, وإصرارها على تمويل الخزينة من جيوب الفقراء,على مستوى التحديات المنتصبة أمام البلاد؟.

لم يعد الحل مقتصراً على إجراءات حكومية «اقتصادية», هنا أو هناك، بل أصبح من الضروري تبني قراراً «سياسياً» بالدرجة الأولى, بتوجيه الأنظار إلى جيوب الأغنياء  كموارد منهوبة، وعلى الدولة استعادتها,  ولم يبق سوى هذا الطريق لوقف نزيف الاقتصاد الوطني, بعد أن تحمل الفقراء تكاليف الأزمة على كل الأصعدة بما فيها الاقتصادي, حتى وصل الملايين منهم حد «الجوع» المدقع.