الضغط يولد التطرف!!

الضغط يولد التطرف!!

لا شك أن للعامل الاقتصادي الاجتماعي الدور الفعال في خلق حالة الغليان الشعبي التي تشكل بالضرورة المحرك الأساسي للوصول إلى التجربة الثورية الحقيقية، وهي في نهاية المطاف ستضمن عودة ما تم سلبه عن طريق السياسات الاقتصادية الليبرالية، وما جرّته «اللبرلة» من ويلات على الشعب السوري، لكن المثير للاهتمام في تلك القضية هو قدرة هذا العامل على التحول، في فترة زمنية قياسية، إلى معيق جديد يقف حائلاً وراء تجاوز الحركة الشعبية في سورية عنق الزجاجة، وتحولها إلى ثورة بالمعنى الشامل للكلمة.

«الشعب جاع وبدو يثور!!» قد سمعناها كثيراً على ألسنة البسطاء.. وعادت تقتحم آذاننا من ألسنة المحللين، لكن الكلام منقوص في الواقع، و ما يتم تجاهله عن قصد، أو عن غير قصد، يشكل بحق جوهر المشكلة السورية، ونعني بالكلام غياب الوعي الثوري، أحد الأقانيم في ثالوث قيام الثورة، ففقدانه أو حتى تأخر مواكبته لإيقاع الاحتجاجات المتسارع قد ترك أبلغ الأثر فيها، وأوصل كثيرا من مكوناتها إلى حالة من السطحية في التفكير والفعل، وجعل الكثير من أعلام الحركة الاحتجاجية يؤمنون بفكرة مشوهة، تنظر إلى الضغط اليومي الذي يعانيه المواطن السوري، نتيجة للسياسات الاقتصادية الليبرالية، كمحفز دائم سيضمن استمرارية الاحتجاجات، وترى فيه خيراً وضامناً لتحقيق ما تصبو إليه من أهداف، بينما تعمل هذه الضغوط في اتجاه معاكس تماما، فهي تقوم بشكل يومي بالإساءة للحراك الشعبي، الذي لايزال يعاني يومياً من الممارسات المنحرفة لبعض رموزه، فالليبرالية في الواقع الاقتصادي السوري هي أصل الكثير من الشرور، وهي التي أقصت الفئات المنتجة في البلاد عن عملية الانتاج الحقيقي، لتصبح متبطلة، تتقاذفها رياح التناقضات السورية خلفاً إلى اصطفافات ضيقة، لا تمت للانتماءات الوطنية بصلة، وتجعل منهم الوقود المثالي لتفجير نزاعات قديمة جديدة، وترسخ ثقافة الإقصاء وأحادية التفكير، و تصوغ من حالة الضيق الذي يحترق تحت الرماد ردود فعل انتقامية، تفتقد بوصلة المنطق وتقذف بأرواح السوريين في أتون العنف والعنف المضاد المستمر إلى المجهول. وبالتالي تتحد الممارسات الاقتصادية المغلوطة تلك مع الآلة القمعية التي ترتبط موضوعياً بها، لتشكل ذلك الوحش، عديم الرحمة، يصطدم مع تلك الفئات المسحوقة، كل يوم، لتقوم الأخيرة بصياغة «منظومات دفاع» قد تؤمن لمجتمعاتها الاستقرار المرحلي، لكنها تقوم في الحقيقة على وحدة الدين أو المذهب أو المعتقد، وليس على المصلحة العامة للجميع.

لذا يمكن القول بثقة بأن المظهر الاقتصادي المشوه للنظام السياسي وأفعاله على الأرض قد خلق الفرصة المثلى للقوى الانتهازية، المعادية للثورة السورية الحقيقية، لتمارس نشاطاتها المنظمة المشبوهة، وتداعب في المخيلة الشعبية أحلام انتماءات مفتتة، وجدت في تلك النفوس، التي حطمتها سنوات التهميش الاجتماعي والإقصاء السياسي، التربة المثلى للنمو وشرّعت الأبواب للنشاط الاستخباراتي الأجنبي، كي يستغل نتائج  الفراغ السياسي والحزبي الجدي خلال العقود الماضية، وتقاعس جهاز الدولة الذي تحولت أساساته الصلبة إلى أعمدة آيلة للسقوط، عبر سنين من الفساد الممنهج، لتخترق تلك الأفعال جسد الثورة الغض، وتقتل أي حراك ثوري حقيقي في المهد، وتقطع الطريق الوحيد الذي يضمن عبور جموع الجماهير الشعبية من حالة الاحتجاج الشعبي إلى الحالة التي يصبح فيها قادراً على فرض منهج التغيير الحقيقي، في غد لا تعلو فيه مصلحة على مصلحة جميع أفراده في العيش الكريم.