القوى المحركة للمصالحة الوطنية في سورية
المصالحة الوطنية مصطلح سياسي ظهر كتعبير عن النتيجة الحتمية التي تمر بها بعض البلدان بعد أن شهدت نزاعات وخلافات حادة داخلها قد تصل أحياناً إلى حدود الحرب الأهلية وقد ظهرت سياسة المصالحة الوطنية في تلك البلدان بشكلين ،الشكل الأول تمثل بالحامل السياسي والقائد لعمليات المصالحة الوطنية في تلك البلدان أحزاب سياسية تمثل مصالح الطبقات والفئات المسحوقة اجتماعياً كالطبقة العاملة والفلاحين والطبقات الوسطى والمثقفين والطلاب أي الأحزاب التي حملت لواء نقل المجتمع من تشكيلة اقتصادية اجتماعية إلى أخرى بشكل ثوري والشكل الثاني كان مجرد شعار أجوف بلا معنى تقوده القوى التي تمثل الطبقات المسيطرة في المجتمع والتي تحاول من خلال رفع شعار كهذاخداع شعوبها.
ذاكرة الشعوب التي عانت من أزمات داخلية في القرن الماضي مليئة بتجارب حية لسياسة المصالحة الوطنية وبعضها استطاع تحقيق انجازات ومكتسبات انسانية لشعوبها وجنبتها الطرق المليئة بالدم وهذا مرتبط بالقوى المحركة الاجتماعية التي لها المصلحة الحقيقية في المصالحة الوطنية كتجارب جنوب افريقيا بعد سقوط نظام الابارتيد وأفغانستان أثناء حكومة نجيب الله الثورية
أفغانستان1987:
بعد قيام ثورة نيسان 1978 في أفغانستان التي أوصلت حكومة حزب الشعب الديمقراطي الأفغاني إلى السلطة في البلاد تدخل حلف الناتو بشكل سافر بشؤون أفغانستان الداخلية عن طريق تمويل وتدريب تشكيلات عسكرية جهادية للقتال ضد الحكومة الجديدة في أفغانستان أدخلت البلاد في دوامة حرب أهلية استمرت سنوات
بداية عام 1987 أعلن نجيب الله الأمين العام لحزب الشعب الديمقراطي الأفغاني عن مباشرة تنفيذ سياسة المصالحة الوطنية في البلاد وخلال شهر واحد استطاع صناعة انجازات في مجال المصالحة الوطنية بين أطياف الشعب الأفغاني نستطيع تلخيصها كالتالي:
-1 إيقاف العمليات العسكرية الكبيرة في كامل أراضي البلد وتحقق السلام والهدوء النسبيين
-2 عاد إلى الوطن 34 ألف لاجئ أفغاني خارج البلاد
-3 أوقف 10 آلاف عضو في التشكيلات العسكرية المعارضة نشاطهم العسكري وألقوا أسلحتهم وخلقت الظروف والإمكانيات المناسبة لمشاركة هؤلاء في الإدارة الشعبية للبلد
-4 ازدياد تقديم المساعدة بلا مقابل وخاصة للفلاحين في كل مناطق البلاد
هذه الانجازات تحققت لأن الحامل السياسي للمصالحة الوطنية كان قوى اجتماعية لها المصلحة في تطور البلد السلمي وتقدمه إلى الأمام والمتمثلة آنذاك بحزب الشعب الديمقراطي الأفغاني وقائده نجيب الله
-5 الافراج عن آلاف المعتقلين
سورية 2012:
تعتبر وزارة المصالحة الوطنية في سورية التي أحدثت أثناء الأزمة التي تمر بها البلاد الجانب الرسمي الذي يناط بها موضوع المصالحة الوطنية، ولا يخفى على أحد أن هذه الوزارة أحدثت باقتراح من الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير ويأتي ذلك انعكاساً لما تمثله الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير من مصالح قوى شعبية واسعة لها المصلحة في التطور السلمي للبلاد على طريق التغيير والتحرير وهي التي تؤسس للتطبيق العملي للمصالحة الوطنية في سورية أي انها من القوى التي تأقلمت مع الفضاء السياسي الجديد، عبر فهم صحيح لأولويات المرحلة والظرف الناشىء.
إن النظر إلى المصالحة الوطنية على أنها «شعار أجوف» طرحه النظام بقصد الخداع دليل على قصر النظر السياسي فيما يتعلق بمستقبل البلاد ككل ودليل على رغبة البعض باستمرار التخندق في الفضاء السياسي القديم، فالقوى السياسية التي تعمل على انجاز المصالحة الوطنية في البلاد والتي هي حامل لمصلحة القوى الاجتماعية الموزعة ضمن الاصطفافات الوهمية القائمة، والمتضررة تاريخياً وهي التي تؤسس لمسألة المصالحة الوطنية في الظرف السوري الملموس، وبالتالي هي مرشحة قبل غيرها لأن تكون فاعلة في هذه العملية التي تعتبر ممراً اجبارياً للحفاظ على وحدة البلاد والمجتمع، الأمر الذي تجلى بالسعي العملي لتطبيق برنامجها على أرض الواقع بالتكامل مع برنامج اقتصادي اجتماعي يفتح أفقاً تاريخياً جديداً أمام البلاد تحقيقاً لبعض أهداف الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير في هذا المجال وهذا يدل أنها أصبحت على طريق عمل فعلي لإنجاز مصالحة وطنية وبالتالي المساهمة في خلق الفضاء السياسي الجديد الذي سيمثل القوى المحركة الاجتماعية التي ستقود عمليتي التغيير والتحرير في البلاد. و سيحل محل الفضاء السياسي القديم.