مُسَلحون من أنواع خاصة!!
إن من الضروري معرفة التصنيفات والتعقيدات الداخلية لظاهرة التسلح بعيداً عن التوصيفات الجاهزة والسطحية التي يقدمها الإعلامان الرسمي والخارجي تحت مسمى «الجيش الحر» من جهة، و«العصابات الإرهابية المسلحة» من جهة أخرى.. وكنا قد صنفنا المسلحين سابقاً في فئات أربع:
عفوي/ ثأري: حمل السلاح تحت ضغط القمع والدعاية الإعلامية
جهادي/ تكفيري: من بينهم العائدون من الجهاد في دول مجاورة
ميليشيات الفساد الكبير
لصوص ومجرمين..
يعتمد التصنيف السابق على الدوافع بشكل رئيسي، وتأتي أهميته تحديداً من أنه يفترض معاملة مختلفة تماماً مع المسلحين العفويين والثأريين، تخاطبهم وتخاطب بيئتهم وتحيّد سلاحهم.. لكن الشهر الأخير بمعاركه وأحداثه المختلفة، ربما وضح شكلاً آخر من التصنيف لا يلغي الأول ولكنه يعمقه، فيقوم بتصنيف المسلحين وفقاً للوظيفة..، ويبرز في بداية هذا التصنيف مسلحو الأحياء..
مسلحو الأحياء
جاء ظهور مسلحي الأحياء في المناطق شديدة التوتر مدّعماً بدعاية إعلامية مكثفة حول «حماية المظاهرات» من القمع الذي تعرضت له فعلاً، وبنتيجة تعبئة هؤلاء وشحنهم عبر مسلحين وافدين. وحاملو السلاح المعنيون هنا هم من أبناء الحي المتوتر، منهم من تعرض هو أو أحد أفراد عائلته لقمع مباشر ويحمل نفساً ثأرياً وانتقامياً، وينتمون بأغلبيتهم العظمى إلى فئة المهمشين التي اتسعت كثيراً في سنوات اللبرلة وازدياد معدلات الفقر والبطالة التي أنتجها النظام السياسي والاقتصادي، وهؤلاء بمعظمهم غير متعلمين، ونتيجة غياب برنامج سياسي واضح إضافة إلى ضغط من إعلام البترودولار وممارسات ميليشيات الفساد الكبير داخل جهاز الدولة تحول هؤلاء إلى أشخاص طائفيين بشكل طارئ رغم أنهم لم يكونوا ملتزمين دينياً قبل الأحداث، ومنهم، بحكم تهميشهم، من اضطر للعمل في ميادين اقتصاد الظل المتنوعة من البسطة وصولاً إلى الحشيش والمخدرات والجريمة..
مسلحو الانسحاب التكتيكي
يمكن تسمية المسلحين المتنقلين بمسلحي الانسحاب التكتيكي، لأن نشاطهم على الأرض يتطابق مع هذه التسمية، وقبل الحديث عن شكل نشاطهم يجب الإشارة إلى أن تركيبتهم تختلف إلى حد بعيد عن مسلحي الأحياء، فهؤلاء يضمون إلى جانب جزء من مسلحي الأحياء الذين فقدوا القدرة على الاستمرار داخل أحيائهم، يضمون مسلحين أجانب من جنسيات متنوعة، ويضمون بشكل خاص قيادات ذات طابع تكفيري وجهادي، ويتركز نشاط هؤلاء على عمليات هجوم على الحواجز والمقار الأمنية والمؤسسات العامة. ولكن خلال معركة «تحرير دمشق» وما تلاها، انتقلوا إلى شكل جديد من العمل ليس في دمشق وحسب بل وفي معظم المحافظات المتوترة، يتلخص شكل العمل هذا بالدخول إلى أحياء المظاهرات وإخضاع مسلحي الأحياء لقيادتهم برهبة العدد والتنظيم، والقيام بأعمال استفزازية من نوع إعدام «العواينية» والهجوم على مؤسسات الدولة، حتى يصل الجيش العربي السوري ولدى وصوله وبداية المعارك يكون أهالي الحي قد هجروا أحياءهم، وبعد بداية الاشتباك بقليل، ينسحب «الجيش الحر» تكتيكياً، ويترك مسلحي الحي ليلقوا مصيرهم..
مسلحون من نوع خاص
إلى جانب النوعين السابقين، يظهر نوع خاص من المسلحين من بين تجسيداته الواضحة «لواء التوحيد» و«جبهة النصرة».. يتميز هؤلاء بعمل منظم جداً ومدار سياسياً من أجهزة استخبارات دولية، عبر الإخوان المسلمين أو دونهم، ويقوم هؤلاء بعمليات إجرامية محددة و«نوعية» لها هدفان محددان:
1 تدمير جهاز الدولة التنظيمي والإداري عبر تقطيع أوصال البلاد وضرب فعالياته الحيوية مثل خطوط نقل الطاقة ومخازن الحبوب والمؤسسات العامة..الخ
2 تدمير نسيج المجتمع السوري وترهيبه، عبر التفجيرات الكبرى، وعبر أساليب الذبح والتقطيع والتمثيل والتركيز على البعد الطائفي..
يتميز هذا النوع من المسلحين بأنه محتضن إقليمياً ودولياً، فجبهة النصرة كما تقدم نفسها هي امتداد للقاعدة داخل سورية، ولواء التوحيد حسب بياناته يظهر ذراعاً عسكرياً للإخوان، وهذان الطرفان أي القاعدة والإخوان المسلمين هما تاريخياً الذراع العسكرية والسياسية الأمريكية في العالم الإسلامي، وهنالك إشارات جديدة حول «طليعة مقاتلة» جديدة أسوة بتجربة أواسط السبعينيات حتى أواسط الثمانينيات في سورية..
يضاف إلى أنواع المسلحين هؤلاء، المسلحون المحسوبون على النظام من خارج المؤسسة العسكرية، والذين لهم أيضاُ تصنيفاتهم المعقدة، وإن كانوا يشتركون بانتمائهم إلى فئة المهمشين، فمنهم أشخاص عاديون يُستثمر تخوفهم الطائفي وتهميشهم ويتم إيهامهم بأنهم يقومون بعمل وطني، ومنهم المجرمون السابقون والحاليون العاملون سابقاً بالجريمة المنظمة وبالتهريب وغيرها من قطاعات الاقتصاد الأسود والذين يشكلون الذراع العسكرية لقوى الفساد الكبير داخل جهاز الدولة، ويلعب هؤلاء دوراً مكملاً ومبرراً لأعمال الأصناف المقابلة..
يمكن تلخيص ما سبق بالنتيجة التي بدأ جزء كبير من الشعب السوري بالوصول إليها وبمحاولة إيجاد أشكال تطبيقها.. النتيجة التي تقول إن الشعب يريد اسقاط السلاح وحصره في يد الجيش العربي السوري فقط، وبكلام آخر: (لا شبيحة ولا ذبيحة). يضاف إلى ذلك أن التصنيف السابق يؤكد مدى تعقيد الظرف السوري، ويؤكد أن الحسم العسكري ليس سوى وهم يجب محاسبة الذين يصرون على بثه ومن بينهم الإعلام الرسمي السوري، والحل لن يكون إلا سياسياً ينفذ جانبه العسكري الجيش العربي السوري..