الانتخابات الرئاسية الأمريكية والأزمة السورية

الانتخابات الرئاسية الأمريكية والأزمة السورية

مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يعود بازار التحليلات السياسية اليومية على الوسائل المرئية والمسموعة والمقروئة ليتركز حول نقطة واحدة هي اثر هذه الانتخابات على الدور الأمريكي في مختلف قضايا السياسة الدولية في الأشهر القليلة التي تسبق الانتخابات، والفترة التي تلي الانتخابات حول أثر نتائجها على تغير السياسات والاسترتيجيات الدولية الأمريكية..

إن عناصر تحليل أي قضية سياسية تتكون من العوامل المؤثرة في فعل ودور كل طرف من الأطراف الفاعلة  في هذه القضية، وعليه وبما أن أمريكا هي طرف فاعل أساسي في معظم قضايا السياسية الدولية حتى اليوم، فمن الصحيح منهجيا أخذ العوامل الداخلية  المؤثرة بالدور الدولي الأمريكي في عين الاعتبار. لكن هل تشكل الانتخابات الرئاسية المؤشر الصحيح الذي ينبني عليه فهم الوضع الداخلي الأمريكي كأحد العناصر الفاعلة بالقضية السياسية موضع التحليل؟

الجواب هو طبعا لا، فالمشكلة الأساسية لهذه الرؤية هي خطأ فهم بنية النظام السياسي الأمريكي والعناصر الحقيقية الفاعلة والمحددة لسياسات واسترتجيات وأفعال الولايات المتحدة الأمريكية. اذ تقوم هذه الرؤية على افتراض أن الرئيس وحزبه الحاكم هم من يحددون هذه السياسات والاستراتجيات، وأن الناخب الأمريكي يمتلك الإرادة «الحرة المطلقة» لانتخاب وإعادة انتخاب من يشاء. وبالتالي فان الرئيس الحالي لأمريكا يسعى لخطب ود الناخب الأمريكي قبيل الانتخابات، وعليه فان سلوك الولايات المتحدة قبيل الانتخابات تتحدد بعملية خطب الود هذه !!! بالواقع إن محدد السياسات والاستراتيجيات الدولية للولايات المتحدة الأمريكية هي مصالح احتكاراتها الكبرى، تحديدا احتكارات الطاقة والمال والمجمع الصناعي العسكري. إن دور الأحزاب السياسية والرؤساء في بنية النظام السياسي الأمريكي يتحدد بشكل أساسي في تمثيل هذه المصالح، اذ تقوم هذه الأحزاب برسم برامجها وممارستها الاقتصادية والسياسية الداخلية منها والخارجية ، بناء على مصالح هذه الاحتكارات، من أجل أن تكسب دعمها المالي والاعلامي،الأمر الذي يشكل ممرا إجباريا من أجل الوصول لرئاسة الجمهورية . أما الناخب الأمريكي فهو الحلقة الأضعف في هذه العملية، إذ تتم برمجته وإعادة برمجته  من أجل توجيهه لهذا الخيار أو ذاك أو حصره بين خيارين لا فرق جوهري بينهما (الحزب الديمقراطي، الحزب الجمهوري)، وذلك عبر وسائل الإعلام المملوكة والمتحكم بها من  الاحتكارات الكبرى.

كتلخيص إن الرئيس الأمريكي يمارس صلاحيته ضمن مجال مغلق محدد من قبل مصالح الاحتكارات الأقوى، مجال لا يستطيع أن يتجاوز حدوده المغلقة. أما في حال محاولة الرئيس الأمريكي تجاوز حدود هذا المجال، فسيكون مصيره الإبعاد عبر فضيحة  أخلاقية أو مالية، أو التصفية.

في سياق الأزمة السورية، نالت الانتخابات الأمريكية حصتها في بازار التحليلات السياسية لآفاق الأزمة ومآلاتها، فمن قائل أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تتدخل عسكريا في سورية لأن أوباما وحزبه الديمقراطي يريدان تبييض صفحتيهما أمام الناخب الأمريكي لضمان إعادة انتخاب أوباما. بالمقابل فالعديد من المحللون يؤكدون أن هذا التدخل بات قاب قوسين أو أدنى إذ أن أوباما يسعى لأن يحقق  نصرا مؤزرا في سورية في سبيل  مداعبة مخيلة الناخب الأمريكي حول القوة الأمريكية.

الجدير بالذكر في هذا السياق هو أن تناقض هذه التحليلات وسطحيتها لا يمكن إرجاعها دوما إلى «براءة» أصحابها، فالعمر السياسي المفترض لأصحاب هذه التحليلات يفترض أنهم تعلموا تجريبيا حقيقة أن الانتخابات الأمريكية ليست عاملا محددا في السياسات والممارسات الدولية لأمريكا . فمن يواظب على التبشير بإمكانية التدخل العسكري الأمريكي أو الناتوي المباشر في سورية مطوعا لذلك شتى الحجج والتحليلات ومن ضمنها مسألة الانتخابات الرئاسية، يقصد من وراء ذلك «طنبرة» المعارضة  التي تعول على التدخلات الخارجية، وذلك لمنعها من القطع مع هذا النهج والتوجه نحو الحلول السياسية الداخلية والحوار. بالمقابل فان المحللين السياسيين الذين تمتلىء الشاشات المحلية بهم، وتحديدا بشقهم المؤيد للحل الأمني وحيد الجانب، لا يتوقفون عن الاستفاضة بالحديث عن قرب الانتخابات الأمريكية كعامل لابتعاد شبح التدخل العسكري المباشر، أو بكلام أخر سماح الوضع الدولي يسمح باستمرار الحل الأمني وحيد الجانب !!!

المشكلة الأخرى لهذه العقلية هي احتكامها للأمس، إذ تتعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية على أنها كلية القدرة ، متجاهلة أزمة الهيمنة التي تمر بها والتي تؤكدها معظم المؤشرات الاقتصادية والسياسية الدولية. إن المحدد الأساسي لتحقق التدخل العسكري المباشر هو الأزمة الاقتصادية العميقة لدول المركز الرأسمالي، بالإضافة إلى تشكل جغرافية سياسية جديدة على الصعيد العالمي تجلت عبر الدور الصيني الروسي الممانع لأجندة أمريكا في سورية يضاف إليهما الدور الإقليمي الإيراني مما يرفع تكاليف التدخل العسكري المباشر. كما أن تحقق التدخل العسكري المباشر يتعلق بمآلات الأزمة السوري والتي تدفع أمريكا، من خلال تدخلها العسكري غير المباشر عبر وكلائها الإقليميين ودعم المجموعات المسلحة، إلى استمرار الصراع الداخلي لفترة كافية لتحقيق وظيفة التدخل العسكري المباشر والمتمثلة بتدمير الدولة والمجتمع السوريين.