النظام، المعارضة.. إعادة تحديد!!

النظام، المعارضة.. إعادة تحديد!!

ارتبط الاستعمار كظاهرة تاريخية بالتشكيلات الاقتصادية الاجتماعية الطبقية، والاستعمار من حيث الشكل احتلال دولة لدولة أخرى، أو وضعها تحت الوصاية، أما مضمون العملية فهو تعبير عن العلاقات الرأسمالية غير المتكافئة بين الشعوب والدول، هذا العلاقات الناتجة عن تطور بعض الشعوب بأشكال ومضاميين مختلفة عن تطور شعوب أخرى، وهي تتطور من فترة زمانية إلى أخرى بحسب ظروف التطور الاجتماعية.

وأيضا الإستعمار كتعبير عن سيادة رأسمال تحتوي في ذاتها بذور نفيها والقضاء عليها وهذه البذور هي الطبقة العاملة والمضطهدين المحرومين من وسائل إنتاجهم، حيث أن الرأسمالية ( رأسمالية العمل الذهني خاصة) تضطر في سعيها نحو أعلى ربح إلى تعليم وتثقيف الطبقة العاملة التى تدرك ذاتها بذاتها وتعمل على قلب المجتمع ثورياً نحو تشكيلية اقتصادية اجتماعية أكثر تطوراً. 

إذا في عصر رأسمالية العمل الذهني، واحدة من نقاط ضعف الرأسمالية هي مقدار الوعي الذاتي للطبقة العاملة وكل الطبقات المتضررة من الرأسمالية.

الرأسمال وفي سياق تطوره العام أنتج منظريه من أمثال (مالتوس، كينز، فاغنر وغيرهم الكثير) إضافة لامتلاك وسائل الإعلام والدعاية والصحف والمجلات، وهؤلاء جميعاً يعملون جاهدين منذ أكثر من مئة عام على خلق وعي مصطنع غير مرتبط بعلوم الواقع والحقيقة حول مجموعة من المفردات السياسية ولصقها بذهن الناس على أنها حقائق مسلم بها.

وسورية كدولة رأسمالية طرفية ترتبط بالمركز الرأسمالي الإمبريالي، وكجزء من المنظومة الرأسمالية العالمية، يسعى منظرو برجوازيتها إلى قلب المفاهيم وتشويه وعي الناس سواء أكانوا في السلطة أم من خارجها. وفي محصلة الرؤى السياسية للقوى السياسية المتصارعة على الساحة السورية يخرج الخطاب السياسي في بعض أجزائه التى ينتجها بالأخص منظرو البرجوازية السورية ممن هم في السلطة أم خارجها خطاباً سياسياً قاصراً، متعمدين إخراج صورة مرئية ومقروءة مشوهة للواقع ليشوه وعي الناس وخطابهم بهدف خلق مناخ شعبي مؤيد في مضمونه للنظام، معارض فقط للسلطة.

فإعلام ما يسمى النظام وإعلام ما يسمى المعارضة يتحدثون اليوم عن تعريف مفردات الأزمة السورية ( النظام،المعارضة،الثورة، الأزمة، السياسة) يتحدثون عن تعريفها كأمر مسلم به غير قابل للنقاش، فتسمع تعريفات مكثفة عشوائية وهي ليست أكثر من مفردات الثورة المضادة فعندهم:

الثورة: إسقاط الرئيس، النظام : الرئيس وفي أفضل الأحوال الرئيس والبطانة، المعارضة: من يريدون إسقاط الرئيس، السياسة: تكتيك. العمل المسلح: حمل بندقية..

أين الحقيقة؟ وما هي التعريفات الحقيقية للمصطلحات السابقة؟.. إن العلم بالحقيقة يعني معرفة الواقع عن طريق العقل والتجربة، أي عن طريق القوانيين الموضوعية الناظمة لحركة تطور الطبيعة والمجتمع.

والقانون هو مجموعة مشاهدات باحث لظاهرة معينة تؤدي نتائج متشابهة لمجموعة تكرارات متشابهة، إذا لكل ظاهرة قانون معين يحكم نشأتها وشكلها ومضمونها له علاقة بتكرار نتائج الحالة. وعليه فإن نقداً موضوعياً يوجه إلى مفردات الأزمة السورية السابقة الذكر يضعها تحت ميزان الاختبار للوصول لنتائج صحيحة.

يستطيع العالم الاجتماعي أو المراقب السياسي للأزمة السورية وضع تصنيفات علمية ومنطقية لمن هم مؤيدين للنظام ومن هم معارضون له بعد وضع شرط ضروري هو فصل النظام تجريدا عن السلطة وجهاز الدولة السوريين واعطائه تعريفه الأساسي كفكرة وكطريقة عمل وإدارة بغض النظر عن من يعمل به، والنظام السوري هو في العمق النظامان السياسي والاقتصادي.

النظام السياسي السوري: يستقرأ هذا الشكل التنظيمي في أكثر من مكان ويحدد العمل فيه الدستور بمواده المختلفة من حيث توزيع السلطات وشكل الانتخابات والأهم في الدستور السوري المادة الثامنة القديمة التى تقول بأن حزباً يقود الدولة والمجتمع التي تغيرت في الدستور الجديد صوب الديمقراطية، إلا أن عملها في فكر بعض القوى السياسية المؤيدة للمادة القديمة موجود في شكلين لهذا التأييد 1_في السلطة : استمر فعلها من خلال الإنتخابات البرلمانية في عام 2012 التى فرضتها بعض القوى السياسية كأمر واقع على المجتمع رغم تغيرها دستورياً، 2_ في المعارضة: خرجت دعوات مجلس استنبول إلى وحدة المعارضة وهو يقصد وضع المعارضة كلها تحت سلطة قوة سياسية تقودها فكان الرد من عمار القربي الذي اتهم المجلس بالهيمنة ومحاولة ابتلاع باقي القوى السياسية من خلال الدعم المالي القطري، أما من يعارض هذه الفكرة من القوى السياسية ومنها الجبهة الشعبية للتغير والتحرير فقد دعت إلى التعددية السياسية الحقيقية وفتح المجال أمام القوى السياسية للعمل في الفضاء السياسي الجديد المنبثق عن الحركة الشعبية التى تشهدها البلاد.

النظام الاقتصادي السوري: بجانبيه الأسياسيين الطلب والعرض فهو يجيب عن سؤال أساسي: من أين تحصل على الموارد وكيف توزعها. فهو برغم التقلبات الإقتصادية العالمية ظل بجوهره محافظاً على ميزان معين، فالموارد تأتي من الموردين الحقيقي والريعي والغالب الريعي، وتوزع نواتجه الوطنية منذ فترات زمنية على شكل %25 للأجور و%75 للأرباح أي أننا نستطيع تسمية هذا النظام بالليبرالي (مع وجود تدخل للدولة تراجع مع الزمن)، كل من يؤيد هذا الشكل هو مؤيد للنظام فداخل السلطة كان برنامج حزب البعث العربي الاشتراكي تكريسا لهذا النظام، وتجلى موقفه بشكل فاضح من خلال المرسوم رقم 10 الخاص بالاستثمار الذى دفع البلاد والاقتصاد نحو النيو ليبرالية،

برامج القوى السياسية الأخرى ممن يدعون أنهم معارضة والإخوان المسلمين نموذجاً على لسان المرشد العام الشقفة في إحدى اللقاءات التلفزيونية الذى وعد باحترام الاستثمارات الاجنبية والمحلية والدخول في المنظمات الاقتصادية العالمية أي أنه سيكرس نفس النظام الاقتصادي الذي كرسه من هم في السلطة، وأيضا خطابات بعض الشخصيات في مجلس استنبول. إلا أن قوى سياسية آخرى ومنها الجبهة الشعبية للتغير والتحرير التى أعلنت في برامجها الانتخابية والسياسية معارضتها للنظام الاقتصادي القائم ولشكل توزيع الثروة وأعلنت نيتها صوب تغير شكل توزيع الثروة نحو مزيد من العدالة الاجتماعية أي إعادة توزيع الدخل القومي لمصلحة الأجور على حساب الأرباح من خلال فرض ضرائب تصاعدية على أصحاب الأرباح وتغير بنيوي في الاعتماد على الموارد الحقيقية في الاقتصاد.

إذا الثورة ليست اسقاط الرئيس؟ والرئيس ليس النظام، بل الثورة هي تغيير الفكرة السياسية والاقتصادية القائمة ونتائجها الاجتماعية وهذا التغيير يجب أن يكون نحو الأمام، أي أنه تغيير نوعي وإنتاج لفضاء سياسي جديد يقوم على التغيير الجذري الشامل لكل سلبيات المرحلة السابقة ودعم الايجابيات.

وعليه فإن أي تغيير ثوري حقيقي في سورية يجب أن يكون عمقه الأساسي تغييراً للسياسات الديمقراطية والاقتصادية والاجتماعية والانتقال من الممانعة إلى المقاومة والهجوم على أعداء سورية..