إفتتاحية قاسيون العدد 565: الشعب يريد إسقاط  السلاح

إفتتاحية قاسيون العدد 565: الشعب يريد إسقاط السلاح

بدأ الحراك سلمياً، ورفع شعاراته التي تؤكد على الوعي بالمطالب الحقيقية للشعب السوري، وحقه في التغيير الوطني الشامل، ولكنه جوبه منذ البداية بالقمع وتم التعاطي معه  بمنطق يخالف حاجات الواقع الموضوعي وضروراته، الأمر الذي فسح المجال لقوى المعارضة اللاوطنية والحاملة للمشروع الامبريالي الرجعي العربي، والمقاتلة نيابة عنه، التي رأت في الظرف الناشىء ضالتها، لتبدأ العمل باتجاه ركوب موجة الحراك، وتأخذه باتجاه آخر بعيد عن مساراته الأولى، و أهدافه التي خرج من أجلها، محملةً الحراك شعاراتها المتطرفة دافعة أقساماً منه نحو العنف المضاد ليأخذ منحى خطيراً بات يهدد ليس الحركة الشعبية وسلميتها فقط، بل  يهدد الوطن برمته أرضاً وشعباً. 

ومن هنا فإن الصراع الدائر اليوم في جانب منه تجاوز موضوع الصراع  بين نظام ومعارضة تسعى إلى التغيير بعد أن دُفعت أقساماً من الحراك دفعاً إلى التسلح والتطرف بسبب سلوك بعض القوى من هنا وهناك وباتت وحدة البلاد أرضاً وشعباً مهددة، خصوصاً بعد دخول العامل الخارجي على خط الأزمة الداخلية وبعد أن أصبحت عمليات النزوح الجماعي وتدمير البيوت والبنى التحتية أمراً يومياً، إن هذا الواقع مع كل مرارته وتعقيداته  يفرز اليوم ظاهرة جديدة تنطلق من قلب الحراك الشعبي نفسه داعية إلى إسقاط السلاح، حيث رفعت مثل هذه الشعارات في العديد من المظاهرات والأنشطة السلمية الأخرى، وباتت أقسام من الحركة الشعبية تتحرك على الأرض بشكل ملموس ضد ظاهرة التسلح والعنف من أي كان، الأمر الذي يؤكد مرة أخرى على حيوية الشعب السوري ووطنيته وإحساسه بالخطر الداهم، وقدرته على إبداع الحلول الحقيقية للأزمة بعد أن عانى ما عانى جراء الأعمال القتالية التي تكون غالباً قتالاً عشوائياً يذهب ضحيته المدنيون الأبرياء وتلحق الأضرار بالممتلكات العامة والخاصة.   

لقد أصبح التسليح، والتسلح ظاهرة علنية  في بعض مناطق البلاد، وتخرج إلى العلن أكثر فأكثر ظاهرة المسلحين العرب والأجانب الحاملين للفكر التكفيري، والمستخدمين من الامبريالية الأمريكية، والرجعية العربية من أجل تنفيذ المشروع الاستعماري الجديد، وهذه الظاهرة الخطيرة جداً لابد من عزلها، وقطع الطريق على إمكانية تطورها، وذلك بالتعامل الخاص من الجيش مع السكان أثناء الأعمال القتالية، وإبداء حسن النية تجاهههم، واقناعهم بالملموس أن الجيش آت لحمايتهم، وبهذا السلوك الذي سلكه الجيش فعلاً في مناطق عديدة دخلها فقد خلق ارتياحاً لدى السكان وعزز المزاج العام الرافض للمسلحين، وبلورت الدعوة إلى انهاء ظاهرة المسلحين تحت أي مسمى كان سواء الميليشيات التي لها طابع طائفي، أو المسلحين الآخرين الذين رفعوا السلاح لأسباب مختلفة سواء كانوا يعتبرون أنفسهم معارضين للنظام أو موالين له، بعبارة أخرى يجب أن يبقى سلاح الجيش هو السلاح الوحيد وموجهاً ضد أي سلاح آخر أثبت حاملوه أنهم صناع الأزمة بغض النظر عن مواقفهم ومواقعهم، وذلك ضمن إطار حل سياسي يتضمن أول ما يتضمن المصالحة الوطنية.

وإذا كان التسليح مرفوضاً جملة وتفصيلاً فإنه من ضرورات تصفية هذه الظاهرة من جذورها  التفريق بين مسلحين آتين من الخارج أو مجموعات محلية مرتبطة بالخارج تمويلاً وتسليحاً يقاتلون نيابة عمن أرسلهم ومن يدعمهم يحتاج التعامل معهم إلى الحسم الجذري من جهة، وبين مسلحين محليين حملوا السلاح تحت شعار الدفاع عن النفس من جهة أخرى، حيث تتوفر إمكانية إيجاد الحلول معهم،  مما سيساعد على تجفيف البيئة الحاضنة لهم، وسيجعل الحركة الشعبية أكثر قدرة على بلورة موقفها السلمي الرافض لكل أشكال العنف، ونبذ السلاح والمسلحين، وسيمكنها من حماية وتنظيم حياتها اليومية بما فيها حماية الممتلكات العامة والخاصة التي تعرض الكثير منها لعمليات نهب وسلب وتخريب سيحتاج الشعب السوري لإعادة بنائها أموالاً ووقتاً طائلين.

إن تبني الحركة الشعبية لشعار الشعب يريد إسقاط السلاح أصبح الآن ممكناً بعد اكتسابها التجربة والخبرة السياسية، والتنظيمية، ومعرفتها بالمخاطر الحقيقية التي تهدد الوطن أرضاً وشعباً، وخصوصاً إذا فسح المجال لها لتعبر عن ذاتها وهويتها الحقيقية.