اللاجئون الفلسطينيون في سورية و الأزمة الوطنية السورية
يشكل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا جزءا من النسيج الاقتصادي الاجتماعي والثقافي السوري, وتجمعهم مع الشعب السوري وحدة مصير و تاريخ وآمال بتغييرات سياسية جذرية تصب في مصلحة شعوب المنطقة, وهو ما تسعى العديد من القوى وتحديدا المرتبطة منها بالمشروع الأميركي إلى إستثماره بغير صالحيهما. فمنذ اندلاع الأزمة الوطنية السورية لم تكن القضية الفلسطينية بمنأى عن تجاذبات أطراف الصراع, النظام من جهته سعى لإعطاء نفسه حصانة بوجه الحركة الشعبية الناشئة بحجة موقفه الممانع للولايات المتحدة الأميركية و الكيان الصهيوني, والداعم لقوى المقاومة.
بالمقابل, دأبت العديد من جهات المعارضة على إسقاط هذه «الحصانة», بانكارهم ممانعة النظام متجاهلين حقائق التاريخ. لم تبق هذه التجاذبات محصورة بالإطار السياسي وحسب, إذ سعت بعض جهات المعارضة السورية بالمرحلة الأولى لتفعيل الوجود الفلسطيني في سورية كأحد مكونات الاحتجاج, مستفيدة من العداء التاريخي لبعض التنظيمات الفلسطينية للنظام السوري, وفي مرحلة لاحقة سعت إلى إدخال المخيمات الفلسطينية في نطاق مناطق الاشتباك المسلح.
بالمقابل وحتى الأمس القريب, ساد المزاج الشعبي الفلسطيني في سورية ميل إلى تحييد الوجود الفلسطيني عن الصراع الداخلي السوري وعلى خطوه كانت المواقف الرسمية لمعظم الفصائل الفلسطينية المتواجدة في سورية. ففي بداية الأحداث كانت الخلفية الرئيسية لموقف اللاجئيين الفلسطينيين هو الموقف التاريخي المميز للأنظمة السورية المتعاقبة من القضية الفلسطينية بما فيهم النظام الحالي, سواء على الصعيد السياسي الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني ومقاومته, أو على صعيد المعاملة المميزة للاجئين الفلسطينيين ومساواتهم مع السوريين مع الحفاظ على هويتهم الوطنية الفلسطينية.
على الطرف الآخر, فإن المواقف السياسية لجزء من قوى المعارضة (مجلس اسطنبول)المدعومة من دول «الإعتلال» العربي والولايات المتحدة الأميركية و أوروبا, فيما يخص القضية الفلسطينية و قوى المقاومة في المنطقة, وتعهدها بالقطع مع المحور الإقليمي الممانع لسياسات الولايات المتحدة والكيان الصهيوني, بالإضافة لحملات التحريض على قوى المقاومة في المنطقة التي لم تخلُ من النتن المذهبي, وعومهم و تعويلهم على كل أشكال الضغوط الغربية, بالإضافة لميوعة الموقف الوطني عند قوى معارضة أخرى (هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي), كل ذلك أدى لخلق تخوفات محقة و موضوعية لدى الفلسطينين عموما و الفلسطينين السوريين خصوصا, ذوي الحساسية العالية للمسألة الوطنية, من سقوط النظام السوري.
من جهة أخرى فإن أداء طرفي الأزمة منذ تبلورها وتبني كل منهما لرؤى و ممارسات أدت إلى تعمقها, واضعة سورية على مفترق طرق هو الأخطر في تاريخها المعاصر, وما رافق ذلك من تفاقم الوضع المعيشي و الخدمي و حالة التدهور الأمني, الأمر الذي أدى إلى تشكل حالة استياء من طرفي الصراع على صورة الاستياء عند جزء كبير من الشعب السوري. فمن ناحية, تعامل النظام بالحديد و النار مع الحركة الشعبية السلمية وتبنيه للحل الأمني, و إجهاض إمكانية الوصول إلى حوار من أطراف بالنظام متخوفة من سير عجلة التغيير السياسي و التي ستطالها أول ما ستطال, يضاف إلى ذلك أداء جهاز الدولة السوري أثناء معالجته ظاهرة التسلح في المخيمات الفلسطينية والمناطق المتاخمة لها, و الذي أظهر عيوباً ليست بالقليلة ساهمت بتكوين مزاج شعبي معاد بكثير من الأماكن التي مر بها. ومن الناحية الأخرى, تصاعد العمل المسلح بصفوف المعارضة والذي ترافق مع عمليات الخطف و الاغتيالات التي طالت مناطق التواجد الفلسطيني و مجندي جيش التحرير وقصف المخيمات بالهاون, بالإضافة لوصول العمل المسلح للمخيمات الفلسطينية و المناطق المتاخمة لها, و ما نتج عنه من دمار و دماء أثناء تصدي قوى النظام لها, كل ذلك خلق مزاجاً معادياً للعمل المسلح والمعارضات المؤيدة له.
أيا يكن وبعيدا عن المزاج الشعبي وتذبذباته, فلا بد من التأكيد على أن مصلحتي الشعب السوري و الفلسطيني لا يمكن فصل إحداها عن الأخرى, فتغيير بنية النظام السياسي والتوجهات الإقتصادية, تغييرا لمصلحة الشعب السوري بغالبيته لا يمكن إلا أن يواجه بمحاولات إفشال صهيونية و أميركية, و بالتالي لا يمكن إلا أن يكون هذا التغيير محمولا على موقف معاد لهما بالعمق وبالتالي يصب في مصلحة الشعب الفلسطيني.
إن طابع الاصطفافات السياسية الطائفية غير الوطنية التي يتمظهر بها الصراع, وسعي الأطراف الإقليمية الدائرة في الفلك الأميركي لتحريك وإدخال كل التنوعات الثقافية على الأرض السورية , ومن ضمنها تجمعات الفلسطينيين, في صراع داخلي طويل, يراد له ألا ينتهي قبل أن تصبح هذه التنوعات غير قادرة على العيش بعضها مع بعض تحت سقف الوطن الواحد. عليه فإن استجرار الفلسطينيين لساحة الصراع باصطفافاتها الوهمية الحالية («مؤيد» و «معارض») ,والتي تفرق الشعب السوري الواحد ذا المصالح الواحدة بغالبيته, لا يمكن إلا أن يكون في عكس مصالح الشعب السوري بالتغيير الحقيقي و الجذري وبعكس مصالح الشعب الفلسطيني ونضاله. إذ أن الخطر الأساسي, يتأتى من زيادة طين هذه الاصطفافات بلة, عبر استثمار التواجد الفلسطيني في سورية لإدخال ثنائيات وهمية إضافية يتم من خلالها حرف الصراع الأساسي, اصطفافات من شاكلة : فلسطيني مؤيدسوري معارض, فلسطيني معارضسوري مؤيد, فلسطيني معارضفلسطيني مؤيد.
يضاف إلى ذلك خطر تحويل الهوية الوطنية الفلسطينية المعادية للولايات المتحدة وللقوى الإقليمية الدائرة في فلكها إلى هوية طائفية يجري من خلالها حرف النضال الوطني الفلسطيني وتحالفات قواه لتدور بفلك معسكر «الاعتلال» العربي.
عليه يتحتم على النظام السوري ,ضبط أداء جهاز الدولة تحديداً في إدارته للعمليات العسكرية بمناطق التجمعات الفلسطينية و المناطق المتاخمة لها, لسد الثغرات أمام القوى التي تجهد لإقحام نشاط تلك التجمعات في أجندتها. و بالمقابل يتحتم على الفعاليات الشعبية و الأهلية الفلسطينية صد كل محاولات استجرار المخيمات الفلسطينية للصراع الدائر و التعالي على الجراح وعزلها عن طرفي التطرف «المعارض» و «المؤيد».
إن جوهر الدعوة إلى تحييد الفلسطينيين و عدم الانجرار إلى الصراع الداخلي السوري بشكله الحالي, هو فاعلية سياسية إيجابية, إذ أنه تعبير عن رفض لاصطفافات سياسية محددة, رفض يتم عبره سد أحد منافذ الدفع نحو الفوضى غير الخلاقة في سورية و المنطقة, و التي تستهدف من ضمن ما تستهدف, تحويل طاقة شعوب المنطقة وفاعليتها السياسية العائدة إلى المشهد إلى طاقة سلبية تحرف كمونها التحرري و الثوري وتجعله وقودا لتحقيق مصالح القوى الإمبريالية