د. جميل في ملتقى الحوار: المطلوب نقل الحوار من المبادرة إلى الممارسة العملية
ألقى الدكتور « قدري جميل » جميل أمين حزب الإرادة الشعبية وعضو رئاسة الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير، مداخلة في اليوم الأول لملتقى الحوار الوطني في سورية الذي عقد بدمشق بتاريخ 24/3/2013 ، وفيما يلي النص الكامل للمداخلة:
السيدات والسادة
أنا أتكلم بصفتي أمين حزب الإرادة الشعبية المعارض، هذا أولاً. ثانياً: سأحاول أن أشرح الموقف الحكومي كما أفهمه من موقعي. فيما يخص مبادرة السيد الرئيس هي مبادرة، ماذا تعني المبادرة؟ المبادرة هي مجموعة أفكار، ولو لم تكن مبادرة ومجموعة أفكار، لما كان هناك حاجة نهائياً لكل البرنامج الحكومي، حيث كانت المبادرة ستختم الموضوع. السيد الرئيس كلف الحكومة بوضع التصور التفصيلي التنفيذي. لذلك فالحكومة قامت بصياغة برنامجها على أساس المبادرة وروحها ومنطقها.
وأنا ضد الفصل الاعتباطي بين المبادرة والبرنامج الحكومي فهما وجهان لعملة واحدة، أقول ذلك لأنني أحسست بوجود هذا النَفَس في بادئ الأمر.
اسمحوا لي، فليس المهم التغنّي بالمبادرة، والتصفيق لها، وليس المهم تأييدها في هذه اللحظات الحاسمة التي تعيشها بلادنا، بل المهم تنفيذها.
ولكي يتم تنفيذ هذه المبادرة وهذا البرنامج، فعلينا أن نزيل المعيقات التي لا بدّ أن تظهر خلال مسيرتها. وبالمناسبة، فهذه المبادرة وهذا البرنامج ليسا قرآناً كريماً أو نسخةً واحدة غير قابلة للتغيير. فنحن قابلون من خلال الحوار وفي حال ظهور مبادرات أخرى مكمّلة ومُطورة وتفاعلية للتفاعل معها، فنحن نحاور.
وهل يعني الحوار أن أقول للطرف الآخر: «هذه مبادرتي، فإما أن تقبلها أو لن أحاور»؟!! هذا الحديث ليس وارداً.
نحن قابلون للتفاعل مع كل المبادرات، ودعوني أقل إنه وحتى هذه اللحظة: ليس هناك مبادرة أخرى مطروحة على الطاولة. وحتى ما يقال عن «مبادرة» الأستاذ معاذ الخطيب– والذي أعلن استقالته من رئاسة ائتلاف الدوحة قبل ساعات قليلة– فهي ليست مبادرة. وقد قلت سابقاً في مجلس الشعب إن الإعلام الخارجي يكذب وينافق حين يقول «مبادرة معاذ الخطيب» لأن كل ما قام به، هو رد فعل على المبادرة السورية. وهو رد فعل إيجابي لكن جرى تضخيمه والمبالغة فيه مقابل تعتيم على المبادرة السورية. وكلكم تعلمون كيف يقوم الإعلام بتصغير الأمور الكبيرة وتكبير تلك الصغيرة، والإضافة عليها.
ومع الأسف، فإن إعلامنا ضعيف الحيلة ولا يعرف كيف يدافع عن نفسه أو كيف يقوم بالتسويق للأفكار الصحيحة.
سأتكلم الآن بصراحة ومن موقعي، ما هي المعيقات؟
نحن في حزب الإرادة الشعبية تحدثنا عن هذا الموضوع بصراحة– كما تحدث غيرنا في اللقاءات مع اللجنة الحكومية. السؤال: الآن في هذه اللحظة ما هو الذي يعيق؟
المشكلة الأساسية اليوم تكمن في التنفيذ، أي في نقل المبادرة إلى الإطار العملي بحيث نستطيع لمسها بتجاربنا وبالممارسة العملية.
إن مشكلة (مستوى الثقة والضمانات) بين الأطراف بحاجة لحل. وإذا تم حل هذه المشكلة، فسيجري حل بقية الأمور (بشكل سلس).
أنا متأكد وأعلم أن هناك بين المسلحين من هو مستعد للذهاب إلى الحوار، لكنه يسأل: «ما هي الضمانة؟». وأنا متأكد أيضاً أن الطرف الآخر ممثلاً بالجيش العربي السوري بالدرجة الأولى مستعد ليجد حلولاً. لكنه يسأل أيضاً: «في حال إبرام اتفاق، ما هي الضمانات أن لا يقوم أحد بخرقه؟»، فالسائد هو عدم الثقة.
لذا فإننا بحاجة لإشارات قوية من الطرفين كليهما بغرض استعادة الثقة التي فُقدت شيئاً فشيئاً وإعادة بناء جسورها.
وأعتقد أنه لو كان التلفزيون العربي السوري موجوداً هنا اليوم وقام بالبث بشكل مباشر، لكان هذا أحد أشكال بناء جسور الثقة لكني– ومع الأسف الشديد– لا أعلم لماذا لم يقوموا بذلك. وأنا هنا لا أتحدث عن الجلسة الافتتاحية لأنها ذات طابع بروتوكولي، وإنما أقصد الجلسات التي تحتوي كلاماً جدياً.
الشعب السوري يجب أن يسمع. وكلما سمع بصراحة وعمق أكثر كلما سيصدّق أكثر أننا متجهون نحو حل وبالتالي يبدأ مستوى الثقة بالارتفاع... فليس معقولاً أن تكون أسباب عدم حضور التلفزيون الآن تقنية.. ولكن لا يزال هناك من يتخوف من أن يتحدث أحد ما بكلام «خطأ»..! وأنا أقول: ما المشكلة في ذلك، كل شيء ممكن مناقشته والرد عليه..
إذاً، المعوقات على الأرض كما أراها، وهذا رأيي ورأي حزبنا، ورأي الجبهة الشعبية، إلى حد ما، مع أننا لم نتشاور لكننا نتفق «بالتخاطر» مع الرفيق علي والرفيق عادل...
أول المعيقات: عندما يريد المسلحون أن يتفقوا، فهناك مسلحون من نوع آخر لا يريدون الاتفاق وهم أولئك الأصوليون التكفيريون الذين لا يرون سورية إلا كحطب للإشعال بغية تنفيذ مخططهم الشمولي (الخلافة) وإلى ما هنالك.
هؤلاء ليس لهم علاقة بسورية أو بالشعارات التي أطلقتها الحركة الشعبية في بداياتها وبالأساس ليس لهم أي علاقة بأي شيء سوري، وفي حال قام أحد السوريين برفع رأسه وسؤالهم إلى أين أنتم ذاهبون يقومون بقتله.
لذلك توجد مشكلة حقيقية بين المسلحين الذين يريدون الذهاب لحل وبين المسلحين الأجانب ومن في حكمهم من السوريين الذين لا يريدون الذهاب إلى حل بأي شكل من الأشكال.
وأنا أعتقد أن برنامج الحكومة والمبادرة وكيف ستحل الأمور وكل ما سيأتي يجب أن يصل إلى أن كل السوريين معارضةً وموالاة، مسلحين وغير مسلحين في حال اتفاقهم سيقومون باجتثاث المسلحين غير السوريين ومن في حكمهم وتتحول بذلك المعركة الحالية إلى حرب وطنية عظمى ضد التدخل الخارجي بمختلف أشكاله وهذا ما يجب أن يحدث.
ثانياً: الحقيقة أن الناس تتكلم ويجب أن نتجاوز الخوف ونعبّر عما تقوله، ونقول إن بعض أجهزة الأمن تبالغ بالعنف المبالغ به، وبالاعتقالات غير المبررة وبالفساد الذي تقوم به في قضايا المازوت والغاز والكاز وبتواطئها أحياناً مع بعض المسلحين.
فيا سبحان الله، لقد أصبحت بعض أجهزة الأمن والمسلحين جبهة واحدة في قضية الفساد. وأنا لا أتحدث حول تقديرات، أنا أتحدث عن وقائع أعرفها.
هذا الموضوع يجب أن يحل فوراً، وهناك رؤوس أينعت وحان قطافها ودون ذلك لا يمكن للشعب أن يثق بأن هناك حلاً سياسياً.
ثالثاً: اليوم يجب أن يكون السلاح الشرعي الوحيد هو سلاح الجيش العربي السوري، والشعب يريد إسقاط كل أشكال السلاح الأخرى، وحين يصبح سلاح الجيش هو السلاح الشرعي الأوحد عندها تنحل المشكلة.
لذلك كل أشكال التنظيمات غير الرسمية لا محل لها في الحل، ولا محل لها باتجاه المصالحة ويجب أن تذهب جميعها. الجيش فوق الجميع، والشعب السوري يحب جيشه ويلتف حوله، وجيشه قادر على حماية البلاد وحماية الوحدة الوطنية والحل السياسي.
رابعاً وأخيراً: قام أحدهم بالسؤال في إحدى الجلسات: «نحن الآن نتحاور ونتحدث لكن ماذا لو لم يأت الطرف الآخر فماذا سنفعل؟» فقلت له: «ليست المشكلة هنا، المشكلة ماذا لو أتوا؟ ماذا ستفعل؟».
إن الطرف الآخر جاهز ولديه مشاريعه التي عملت عليها عشرات المعاهد الأمريكية بكل تفاصيلها وأوراقها وخلفياتها. فماذا يريد الأمريكيون؟
أنا متأكد أن الأمريكيين يريدون الشيء ذاته الذي سعوا إليه خلال المرحلة الأولى من الأزمة من خلال محاولة التدخل المباشر، وكذلك ما سعوا إليه أيضاً خلال محاولة التدخل غير المباشر. إنهم يسعون اليوم للوصول إلى الأهداف السابقة نفسها لكن بأدوات سياسية. لذلك في النهاية سيصطدم على طاولة الحوار مشروعان. وقد نختلف في بعض التفاصيل، لكن الوطنيين لن يقبلوا بمشروع ديمقراطية طائفية تحاصصية على نمط لبنان والعراق. الوطنيون يريدون مشروعاً واحداً وهو مشروع ديمقراطي وطني يؤمّن وحدة سورية أرضاً وشعباً.
هذان المشروعان اللذان سيصطدمان. واسمحوا لي أن أقول أن القائمين على المشروع الأول يظنون أن الظروف الموضوعية جاهزة له بسب الأوضاع في العراق ولبنان إضافةُ للجوّ الإعلامي الطائفي الذي أعدّوه. لذلك يظنون أنهم سيوهمون الناس بأن الديمقراطية لا يمكن أن تحدث إلا عبر إعطاء التمثيل لمكونات ما قبل الدولة الوطنية، أي ما قبل عام 1920.
إن سورية باعتبارها أول دولة يكون لديها برلمان في العالم العربي ستعطي دروساً في الديمقراطية من هنا لمائة عام للناس الذين لا يمتلكون برلمانات أو دساتير حتى الآن.
لذلك نحن الوطنيون مقصرون، وهناك استحقاق آتٍ وهو استحقاق مشروع الديمقراطية السوري الوطني بكل تفاصيله. ولن ينتصر الأقوى عضلياً على طاولة الحوار وإنما الأقوى فكرياً وسياسياً ومعرفياً والأكثر ذكاءً والأبعد نظراً والذي يعلم ماذا يريد. لذلك، فلنعدّ أنفسنا لمعركة هامة جداً ستحدد مصير سورية ومستقبلها لخمسين سنة قادمة.
إن أحد مهام جلسة مماثلة كهذه- تحتوي وطنيين من المعارضة والموالاة– هي أن تنتج تلك المشاريع الكفيلة بإعطائنا الذخيرة التي تسمح لنا بالانتصار في المعركة القادمة.