الهجوم على نواة الحل السياسي
باتت الحقيقة المتمثلة في أن قوى التشدد في الطرفين «الموالي والمعارض» تقبع في الموقع الطبقي نفسه، وتتقاسم المصالح اللاوطنية ذاتها، والمتجسدة في البحث عن وسائل أفضل لنهب المواطن السوري.
حقيقةً تلامسها، اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى، القاعدة الشعبية لهذه القوى من جهة، والحركة الشعبية الرافضة للانضمام إلى أحد المعسكرين المتقاتلين من جهةٍ أخرى. تأتي استماتة الطرفين في الهجوم على سياسة حزب الإرادة الشعبية، والعديد من قوى المعارضة الوطنية أيضاً، لتعبِّر عن فصل آخر من فصول الاتفاق الضمني ما بين قوى التشدد هذه. وهنا يجدر التساؤل حول الهدف الحقيقي الكامن وراء هذا الهجوم.. هل هو هجوم عبثي على حزب الإرادة الشعبية؟ أم أنه يستهدف، وبشكل موجه، ما تمثله سياسات الحزب؟
من يهاجمون بالضبط؟ ولماذا؟؟
لم تكن الآذان صاغية تماماً حين نادى حزب الإرادة الشعبية، مُبكراً، بضرورة التوجه نحو «حوار وطني شامل علني وشفاف يجب ترجمته على الأرض»، فغالباً ما تلقفت قوى التشدد هذه الدعوات بضغطٍ إعلامي شديد تمارسه على قاعدتها الشعبية، عماده الرئيسي وعودٌ طالت عن اقتراب حسم مجريات الأمور لمصلحة هذا الطرف أو ذاك، فكانت تلك القوى عمياء تماماً عن الحقيقة التي أدركها حزب الإرادة الشعبية، والمتمثلة في فهمه للتوازنات الدولية القائمة، والمُعبَّر عنها بتوازن دولي صفري، وبداية تراجع الولايات المتحدة الأمريكية بوصفها شرطياً دولياً لهُ الكلمة الفصل في العالم، وما أعقب ذلك من توازن داخلي عسكري صفري، مما أفقد الآلة العسكرية قدرتها على إنتاج تغيير في الداخل يُفضي إلى استئثار أحد الطرفين بزمام الأمور، وانتهاء الآخر.
ما لم تقتنع به قوى التشدد عبر المناداة والدعوات السياسية، أجبرها الواقع الموضوعي على الرضوخ له، فتحت سطوة الواقع، أدرك جزءٌ لا يستهان به من القاعدة الشعبية التي كانت تابعة لقوى التشدد هذه، بأن ما يُساق لها من وعود بـ «النصر» ما هي إلا محض سراب، حيثُ بدأت هذه القاعدة، بالتدريج وبالتوازي مع النسب المتفاوتة من حجم تشدد عناصرها، بتكييف نفسها للانتقال إلى مواقع المد المُنادي بضرورة الحل السياسي عبر الحوار، بعضهم كان أكثر ليناً فاتجه بسهولة لهُ، والبعض الآخر لم يتجه إلا بعد تبيان استحالة تحقيق مطالبه عبر العنف بشكله الحالي..
هذا عن القاعدة الشعبية لقوى التشدد، أما قوى التشدد ذاتها فلها واقعٌ آخر. فانطلاقاً من بنيتها الطبقية التي لا تتلاءم بحالٍ من الأحوال مع متطلبات الحل السياسي الوطني، فإنها في الواقع بين نارين، نار فشل حلولها العسكرية، ونار عدم قابلية بنيتها للتأقلم مع حلولٍ سياسية وطنية تُفضي إلى قصاص المنهوبين من ناهبيهم. هذا ما مهَّد الطريق أمام الخطة «ب» البديلة، والمتمثلة في إجبار الحل السياسي على التأقلم بما يناسب البنية الطبقية للقوى المتشددة الناهبة، لا العكس، مما يعني أن المهمة الأولى الواقعة على كاهل المتشددين هي استبعاد العناصر الوطنية من مكونات الحل السياسي، والتوجه نحو تقاسم الوطن ما بين الناهب النظامي والناهب المعارض!
من هنا، يمكن فهم الهجوم على حزب الإدراة الشعبية، بوصفه هجوماً على نواة الحل السياسي، هو هجوم على الواقف كحجر عثرة أمام مشاريع الناهبين الساعية إلى تقزيم الحل السياسي، وخلق ما يشبه «طائف سوري» يمكنها من خلاله الاستمرار في تهديدها للقمة عيش المواطن السوري، هو هجوم على من لم يكتفِ بالدعوة للحل السياسي فحسب، بل استطاع أن يحدد في دعوته المبكرة للحوار شروط نجاح الحل السياسي، بحيث «لا يمكن إحداث التغيير المطلوب اقتصادياً واجتماعياً وديمقراطياً دون القضاء على قوى الفساد والنهب الكبير».
أشكال هجومهم وأشكال الرد!
كانت مهمة استبعاد القوى الوطنية تزيد في إلحاحها على قوى التشدد، ففي المعارضة، لطالما بحثت هذه القوى عن سبل تشويه صورة المعارضة الوطنية تحت ذرائع ثبت فشلها باستمرار، فمن ذريعة ابتعاد القوى الوطنية عن الشارع، التي سقطت بعد تبيان أنها (أي القوى الوطنية) كانت مفصلاً أساسياً من مفاصل الحراك الشعبي السلمي السوري، إلى الاتهام بالعمالة للنظام، والذي لم يقو على الصمود تحت تأثير الخطاب السياسي المعارض لإجراءات النظام التعسفية بلا هوادة..
حين دخلت الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير الحكومة السورية بالاتفاق على برنامج الحد الأدنى، منطلقةً في ذلك من إصرارها على ترسيخ التعددية السياسية في سورية، وجدت قوى «المعارضة» اللاوطنية مبتغاها، وهو سهولة الهجوم على حزب الإرادة الشعبية بوصفه «جزءاً من النظام، فهو مُشارك بحكومته!»، وهذا ما يسقط تباعاً، وبالتدريج، كلما زاد ممثلو الحزب في الحكومة، بمعارضتهم لأي إجراء تعسفي غير مدروس يصب في مصلحة ممثلي قوى التشدد داخل جهاز الدولة السوري، واستمرارهم في ضرب مصالح رؤوس الفساد الكبير، مثبتين أن المعارضة ليست بالصراخ «لا»، إنما في ترجمة هذه الـ «لا» فعلاً، لا عويلاً..
أما على صعيد قوى التشدد في النظام السوري، فقد مارست شتَّى أنواع تضييق الخناق على المعارضة الوطنية، فمن المحاولات الحثيثة لقمع كوادرها والتعرض لهم، إلى العمل الدائم على ترويج فكرة أن مفهوم المعارضة هو كل ما ينطبق على قوى «المعارضة» اللاوطنية..
وقد وصل فاسدو النظام إلى الحل الأمثل لضرب صورة حزب الإرادة الشعبية، وذلك عبر اللعب على متطلبات الشعب اليومية، ومحاولة تصوير أن التدهور الناشئ في الوضع الاقتصادي سببه استلام المعارضة حقيبة أساسية تمس الاقتصاد في البلد، فارضةً على الشعب السوري، عبر وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية، فكرة « تعالوا وانظروا، هكذا تسير الأمور حين تستلم المعارضة إدارة البلاد»، ناسيةً أن للناس عيوناً ترى بها من يؤدي مهمته الوطنية، ومن لا يجرؤ على المس بمصالح الفساد الكبير.
ولعلَّ هنالك من يريد استغلال الخطوة الأخيرة التي اتخذتها الحكومة، فيما يتعلق برفع سعر المازوت، بتهليلٍ وتبريك من الفاسدين الكبار، من أجل المزيد من التشويه لصورة المعارضة الوطنية، مع أن من يلام منطقياً على قرار كهذا، هي الأكثرية القادرة على إيقافه لو أرادت.. ومرةً أخرى تنقطع دروبهم هذه، لطالما كانت هذه المعارضة واقفةً بحزم ضد كل ما هو عبثي ويخدم رؤوس الفساد الكبير.