الانقلاب الحكومي.. والمعركة المستمرة
لأن الحكومة هي «الهيئة التنفيذية والإدارية العليا للدولة»، ولأن الدولة، بسلطاتها الثلاث، لا يمكن لها أن تتخذ مسارها السليم في الممارسة، بمعزل عن وجود رقابة شعبية حقيقية، تُقيِّم أداءها وتقوِّم سلوكها.
فبغض النظر عن نظريات الحكم السياسية التي تقول بحصرية سلطة الرقابة على عمل مؤسسات الدولة بيد السلطة التشريعية المتمثلة بمجلس الشعب، كونه منتخباً انتخاباً مباشر من الشعب، وبالنظر إلى مدى خطورة أمراض التمثيل السياسي التي تحول دون تحقيق هذا التمثيل بشكله الصحيح، فإن للشعب، بكافة عناصره وتياراته ومجموعاته السياسية الضاغطة، مهمة المراجعة الدائمة لعمل مؤسسات دولته.
الحكومة المُثقلة بأعباء المرحلة!
عدا عن مخلفات المرحلة السياسية السابقة، المتمثلة بسياساتٍ ليبرالية تبنتها الحكومات المتعاقبة، أنهكت من خلالها المواطن، وهددته بقوت يومه، جاء الصراع الداخلي السوري، فيما حمله من أضرار جسيمة أصابت البنى التحتية، وفيما أرسته من احتقان واضح بين مكونات النسيج السوري، ليزيد من المهام الملحة والقضايا العاجلة التي يقع على كاهل الدولة مهمة تخطيها عبر العلاج الناجع لمسببات الأزمة في سورية..
سياسياً، كان لا بد من أن إنجاز المهمة الأصعب، وهي تحقيق ترجمة فعلية لانتهاء حقبة حزب البعث كـ «حزب قائد للدولة والمجتمع»، والعمل على إيجاد السبل الكفيلة بترسيخ مبدأ التعددية السياسية، التي أدرجها الدستور السوري الجديد، في مادته الثامنة الجديدة، وكان هذا العمل، ولم يزل حتى الآن، شاقاً جداً، بحيث يجب أن يتخطى أوهام النصر التي تتبناها بعض القوى مما يحول دون مشاركتها في صياغة القرار السياسي، وكذلك عليه البحث الجاد عن سبل تقديم الضمانات للقوى السياسية التي ما زال شرخ الثقة القائم يمنعها من المشاركة في العملية السياسية بحدودٍ ما..
على هذا الأساس، تم تشكيل الحكومة الإئتلافية السورية، التي ضمت وزراء الأكثرية البرلمانية، إلى جانب ممثلي بعض القوى الوطنية في المعارضة السورية التي وجدت في مشاركتها، مهمة وطنية ملحة، تكون هي الأساس نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية لاحقة، تضم طيفاً أوسع من مكونات المجتمع السوري، وتعمل بدورها على معالجة ما يمكن معالجته من قضايا عاجلة قبل تشكيل حكومة الوحدة الوطنية.
ما يعني أن الحكومة الإئتلافية الحالية، هي حكومة استثنائية من حيث الشكل والصلاحيات، مثقلة بمهام صعبة، وعليها إيجاد مخارج غير تقليدية لأزمة غير تقليدية تمر بها البلاد. من هنا تتضاعف الآثار الكارثية التي تنجم عن الأخطاء التي تقع فيها حكومة مطلوب منها أن تكون في قمة الحذر من آثار إجراءاتها «التجريبية»..
انتهاك الحكومة لبيانها الحكومي
قبل مشاركة قوى المعارضة الوطنية في الحكومة، جرى الاتفاق على حد أدنى من آليات العمل والشروط اللازمة لتحقيق متطلبات سير البلاد نحو الأمام. على هذا الأساس، تم الاتفاق على بيان الحكومة، التي جاءت بعض بنوده لتتقاطع مع جزء محدد من بنود البرنامج السياسي لهذه القوى، منها ما يخص موضوعة المصالحة الوطنية، والالتزام بمكافحة الفساد، والالتزام بتقديم الدعم الحكومي للمواطن السوري... إلخ
وعبّرت القوى الوطنية، عن التزامها بما وعدت به، عبر عملها الجاد على تحقيق بنود اتفاق الحد الأدنى، وهذا ما جعلها تشكل تهديداً حقيقياً ماثلاً في وجه قوى الفساد والتشدد في النظام السوري، التي لطالما سعت للعمل على خروج الحكومة عن نطاق بيانها الحكومي، الذي اقتضت ضرورات المرحلة أن يكون برنامجاً وطنياً من حيث القول، بحاجةٍ ماسة لقوى وطنية تحمله وتعمل على تحقيقه من حيث الفعل..
إنطلاقاً من هذه المواجهة، بدأت قوى الفساد في النظام بتجنيد جميع وسائلها لمجابهة المعارضة الوطنية المشاركة في الحكومة، ولاقت في وضع قوى المعارضة على محك المطالب المعيشية في مواجهة الشعب سبيلاً أمضى لتحقيق هدفها المنشود..
فجاء قرار الحكومة الأخير برفع سعر مادة المازوت، حلقةً من سلسلة محاولات تشويه صورة القوى الوطنية هذه، ولتعبر عن انتهاك صارخ للبيان الوزاري الذي التزم بتقديم الدعم الحكومي للمواطنين السوريين، وبانت ملامح الحقيقة أكثر، حين بدأت قوى الفساد هذه، بإعادة إحياء مقولة «إذا كانت سياستنا لا تعجبكم، وتجدون أنكم غير قادرين على التغيير، فاذهبوا واستقيلوا، ودعوا جهاز دولتكم لنا، فنحن الأقدر على إدارته»..
من هنا فإن الرهان على استمرار المعركة الجارية اليوم داخل جهاز الدولة ما بين القوى الوطنية وقوى الفساد هو رهانٌ حقيقي، يضع أمام القوى النظيفة مهمة عدم التراجع، وعدم الانجرار وراء ما يراد لها أن تنساق خلفه، مما يخلِّف سلطةً تنفيذيةً خاليةً من القوى المزعجة للفساد، وبالتالي يكون الفساد بدوره، قد نجح في إعادة إحياء مساحة الاستثمار الدسمة المستميت في سبيل المزيد من نهبها.