لماذا رأس العين؟
أصبحت مدينة رأس العين في الشمال السوري – وهي منطقة ضمن التقسيمات الإدارية الرسمية – لأيام خلت تحت الأضواء بعد سلسلة المعارك الدائره هناك بين مسلحي جبهة النصرة، ومسلحي أحد التنظيمات الكرديه التي رفعت السلاح منذ أشهر...
تطور الأحداث أخذ طابعاً دراماتيكياً خصوصاً بعد دخول مسلحين من تركيا - بينهم غير سوريين- على خط المواجهة مدججين بالأسلحة الثقيلة، وذلك في رابعة النهار، وارتكب المسلحون ما ارتكبوا من ممارسات يندى لها الجبين، وتهجّر ما كان قد تبقى من السكان، وأصبحت المدينة على أثر ذلك ساحة حرب بين مسلحي الطرفين، ليلقي الحدث بظلاله على عموم محافظة الحسكة ضمن تعقيدات تركيبتها السكانية المركبة قومياً ودينياً وفي سياق محاولات اللعب بهذه الورقة، لتكون هذه المدينة حسب رأي بعض المراقبين بمثابة منصة انطلاق الصراعات المشوهة من قومية ودينية ضمن مستنقع الأزمة كبيئة خصبة لذلك، الأمر الذي تتجلى بداياته باستقطابات حادة إذا تفاعلت يمكنُ أن تفعل فعلا سلبياً باتجاه تفكيك النسيج المجتمعي، وبمعنى أوضح محاولة اشعال صراع قومي عربي - كردي وتسويق الفوضى الخلاقة المطلوبة أمريكياً الأمر الذي وضعت مقدماتهُ قوى الفساد في كل من النظام والمعارضه.
وبغض النظر عمن بدأ، والوقوع في كمائن التحليل الجنائي وحيد الجانب، كما يفعل كل من الإعلام الرسمي وإعلام البترودولار، فإن هناك من يريد للمحظور أن يقع، وعندما تصل الأوضاع الى هذا المستوى من الخطورة، فإن المطلوب أولاً هو منع الانحدار بهذا الاتجاه الكارثي وليس السؤال عمن بدأ، فالسؤال عن الطلقة الاولى هنا يأتي ليبرر الثانية ليس إلا... ولكن يبقى السؤال كيف يمكن منع وقوع المحظور؟
ولمعرفة الاجابة على السؤال، لابد من طرح السؤال الأهم، والأساسي في علم الاجتماع السياسي، أثناء قراءة أي حدث، وهو من المستفيد؟ أو المستفيدون؟ وباستعراض خارطة المستفيدين في الداخل والخارج من احتمالات تطور الوضع في منطقة راس العين، وامتداده إلى عموم محافظة الحسكة، تأتي تركيا الاردوغانية في رأس قائمة هؤلاء المستفيدين، فمن جهة ارتفاع منسوب التوتر في هذه المنطقة المتاخمة لحدودها (يبرر) لها التدخل بداعي الأمن القومي التركي، كما أنها ستستخدمها كأداة لانهاك عدوه التاريخي – حزب العمال الكردستاني- عبر استدراج مقاتليه الى معركة خارج الأراضي التركية، و بالتالي محاولة تصدير أزمته الداخلية، وإحدى طرائق التدخل العسكري غير المباشر الذي اعتمدته الولايات المتحدة والتي كانت تركيا وما زالت إحدى أدوات تنفيذها، وبالاضافة الى ذلك وربما الاهم من كل،هو ان امتداد العنف الى مناطق اخرى في الحسكة ومنها حقول النفط السوري، هو الهدف المباشر لمن يغذي الحرب العبثية الدائرة في هذه البلدة الصغيرة التي لاتوجد لها أية اهمية استراتيجية بالمعنى العسكري، ولا بمعنى صراع القوى المسلحة مع النظام ومحاولة إسقاطه بقوة السلاح، وحسب مراقبين فإن الهدف هو رميلان، وان مدينة رأس العين ما هي إلا منصة انطلاق لتوتير الاوضاع قرب منابع النفط السوري وتبرير التدخل المباشر ووضع اليد عليها اذا سنحت الظروف يوماً ما، او عبر السرقة المفضوحة بالتواطىء مع بعض الجماعات المسلحة في الظرف الراهن، كما حدث في حلب حيث فككت المعامل والمصانع في حلب، وبيعت في تركيا وغيرها من المواد التي تقدر قيمتها بمئات المليارات، اذا والحال هذه فان الوكيل الامريكي في المنطقة – أي تركيا- تضع نصب عينيها هدفاً غير رأس العين.
والجهة الأخرى المستفيدة هي القوى الفاسدة المتشددة في النظام، والتي أثبتت دائماً انها تقود الوضع من مأزق الى مأزق، فأن محاولة الايحاء بأنها تعتمد على طرف دون الآخر في ظروف الأزمة السورية فتح أبواب الجحيم على منطقة تعتبر من أهم المناطق في البلاد كونها خزان الثروة السورية، لاسيما وأن تلك القوى في النظام وعلى مدى عقود همّشت تلك المنطقة وأوجدت بيئة خصبة للتطرف والمغالاة القومية.
ويبقى دور القوى المشبوهة في المعارضة السورية في الخارج ممن عزفت على الوتر القومي والطائفي منذ بداية الأزمة أحد الأدوار الهامة في زيادة التوتر والتخندق على أساس انتماءات ما قبل الدولة الوطنية.
لا يوجد في تراث السوريين ما يمكن أن يطلق عليه صراع قومي أو طائفي، بل على العكس تزخر الذاكرة الجمعية السورية بصور من الوحدة الوطنية يمكن ان تكون مثالاً حياً عن الأخوة ووحدة المصير، وبالتالي فإن الرهان هو على وعي السوريين عموماً، ووعي أبناء محافظة الحسكة بشكل خاص في درء أية فتنة يكون الجميع في خاسراً باستثناء أمراء الحرب سواء كانت محسوبة على النظام أو على المعارضة.
ولأن ما يجري في الجزيرة السورية هو امتداد للأزمة الوطنية العامة فإن الحل الحقيقي يكون بحل هذه الأزمة الوطنية، ومن هنا فإن مهمة كل القوى الوطنية الحية في المحافظة هو الضغط باتجاه الحل السياسي، والتخلي عن منطق التحليل البائس بإمكانية اقتناص الظروف لتحقيق مكاسب خاصة لهذه الجهة أو تلك بمعزل عن الآخر فإما إن الجميع ماضون الى سورية جديدة ديمقراطية تعددية دون أي تمييز، تسودها العدالة الاجتماعية عبر النضال السلمي، أو إن الجميع الى الهاوية.