الدولة: قمع وتنظيم!!

الدولة: قمع وتنظيم!!

يفرض جهاز الدولة نفسه على الناس بعصا شرطي المرور الموصولة على التتابع مع سلسلة من المؤسسات ذات التراتبية الوظيفية، التي يتخللها العسس والسلاح وصولاً إلى رئيس الدولة، ويسعى جهاز الدولة جهده لتكوين صورة محددة لدى الناس، هي صورة الحامي لمصالحهم جميعاً فقيرهم وغنيهم، والمنظم والمدبر لأمورهم المختلفة، فأي الأدوار يلعبها جهاز الدولة السوري اليوم؟ وما هي الصورة التي يدافع عنها؟ وما هي الحلول التي يقدمها؟

إن لجهاز الدولة على العموم وظيفتين رئيسيتين، الأولى هي القمع، قمع المجتمع لمصلحة طبقة محددة هي الطبقة السائدة، ويتضمن هذا الجانب القمع المباشر باستخدام البوليس، والقمع غير المباشر بوسائله المتنوعة من فكري واقتصادي وسياسي.. الخ، وذلك كله بهدف الحفاظ على مصلحة الطبقة السائدة التي تتجسد في حالتنا السورية بالبرجوازيات البيروقراطية والطفيلية والجديدة. الوظيفة الثانية هي نقيض الأولى ومكملها، التنظيم والخدمات. إذ ينبغي للطبقة السائدة، وحتى لا تستعدي الطبقات المحكومة وتدفعها بالتالي نحو تنظيم صفوفها، ينبغي لها أن تؤدي دوراً إجتماعياً في إدارة تقسيم العمل في المجتمع من جهة، وفي تأمين بعض الخدمات الاجتماعية التي تسمح للمنتجين أن يستمروا بالانتاج وعليه أن يستمر الحكام في جني الأرباح.. إن هاتين الوظيفتين هما سبب وجود الدولة وجوهرها في الوقت نفسه، وهذا الأمر ينطبق على جميع الدول ما بقي المجتمع الطبقي..

لا يخرج جهاز الدولة السوري عما سبق ذكره، وفي الحالة الخاصة التي نعيشها، حالة الأزمة، فإن دور الدولة القمعي يتسع ضمن توافق محدد مع المجتمع، يشترط هذا التوافق تطوير الوظيفة المضادة للقمع اي التنظيم والخدمات، ولا يمكن للقمع أن يؤدي دوره دون رضا المجتمع، أي أن القمع عند حد معين، وحين يخرج عن معادلات التناسب بينه وبين (التنظيم/ الخدمات/ الرضا الاجتماعي) يتحول أداةً للهدم وينذر بتهتك جهاز الدولة. إن أجواء المعارك التي نعيشها مرة في الواقع وعشرات المرات على قنوات «الإعلامين المتحاربين»، لم تخرج المجتمع من السؤال عن دور الدولة الاجتماعي، وواجبها تجاه المجتمع، من قضية المهجرين إلى قضايا الحاجات الأساسية وغيرها الكثير، إن أخطر ما في المسألة أن النظام السياسي إذ يستخدم جهاز الدولة في اتجاه محدد فإنه يدفعه دفعاً نحو التهتك ونحو مزيد من الضعف والوهن وعدم القدرة على إيجاد الحلول.. وعند حد معين سيصبح من المستحيل على الدولة السورية أن تذهب نحو الحل السياسي، ليس لأن الأعداء لا يريدون ذلك فحسب، بل ولأن الدولة عندها لن تكون قادرة على توفير مستلزمات ذلك الحل حتى لو توفرت لديه الإرادة السياسية، فالنظام السياسي الذي يريد اليوم حلاً أمنياً يستطيع القيام به، إذا أراد غداً حلاً سياسياً فليس من الضرورة أن يستطيع تحقيقه، فالحل السياسي يحتاج إلى توفير مجموعة من الموارد للتنمية والخدمات لا يبدو أن النظام يعيرها اليوم بالاً ويحاول حل استعصاءاته بطرق مؤقتة وقلقة كرفع سعر المازوت مثلاً.. إن وهم المخرج (العسكري- الآمن)! الذي يطرحه النظام و«معارضته» سيدفع البلد إلى الهلاك ما لم يستطع السوريون افتكاك دولتهم من المتحاربين لابتلاعها..