الافتتاحية: الخطة البديلة

الافتتاحية: الخطة البديلة

تتطور الأزمة الوطنية العميقة التي تمر بها البلاد وتتعقد وتتصاعد يومياً، وفي بعض الأوقات كل لحظة، وتتسارع تطوراتها، ما بين ، الصراع الدائر على الأرض وبين أروقة وكواليس السياسة الدولية والإقليمية، فكل تطور على الأرض يستدعي بدوره تطورات وردود فعل على المستوى الإقليمي يستدعي بدوره تطورات وردود فعل على الأرض، فبعد الفيتو الروسي والصيني لمرتين في مواجهة قرار تحت البند السابع والذي قطع الطريق على التدخل العسكري المباشر مظهراً تناسباً جديداً للقوى على المستوى العالمي. 

والسير باتجاه حل سياسي للأزمة السورية عبر مبادرة كوفي أنان بنقاطها الست والتي وافقت عليها القيادة السورية، وتبعها مجيء المراقبين الدوليين لمباشرة مهمتهم. وكان الرد الأمريكي الغربي في ما يسمى مؤتمر «أصدقاء سورية» والسعي لتسليح المعارضة المتشددة عبر قطر والسعودية بهدف إفشال الحل السياسي والاستعاضة عن التدخل الخارجي المباشر بالتدخل العسكري غير المباشر. وبمبادرة من الروس، انعقد مؤتمر جنيف الذي أقر فيه أن لا حل في سورية إلا الحل السياسي. والذي حاول الأمريكيون تفسير نتائجه على طريقتهم، وسعوا بكل قواهم لتعبئة بعض المعارضة السورية ضده وضد نتائجه ودفعها لتبني الحل المسلح كحل وحيد وتعبئة «أصدقاء سورية» بالاتجاه نفسه، ثم الذهاب لطرح قرار جديد على مجلس الأمن لفرض عقوبات على سورية تحت البند السابع للمرة الثالثة رغم تأكيد الروس والصينيين أنهم سيرفضون قرارٍاً كهذا، وأنهم مع دفع الأمور باتجاه الحل السياسي الذي ينبغي أن ينجزه السوريون أنفسهم عبر حوارٍ وطني ويهيئون الظروف لعقده والوصول إلى النتائج المرجوة.

إن المشهد الدولي تجاه الأزمة السورية يتلخص بموقفين:

الموقف الروسي الصيني الذي يرفض التدخل العسكري المباشر وغير المباشر ويدفع الأمور باتجاه الحل السياسي السلمي.

موقف الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الدوليين والإقليميين الذي يدفع الأمور باتجاه تصعيد العنف والقتال مستخدمةً كل الأساليب ومستفيدة من المتشددين في كلا طرفي الصراع، إن الموقف الأمريكي الثابت والمستمر في الأزمة السورية يتحرك بين حدين، الحد الأعلى: يصل إلى انهيار سورية كوحدة جغرافية سياسية إن أمكن، وذلك برفع مستوى الصراع في البلاد إلى تلك المرحلة التي لا يمكن استمرارها موحدة بعدها، والحد الأدنى: يتمثل في إنهاء دورها الإقليمي تاريخياً في الصراع العربي الإسرائيلي والموقف من مخططات الولايات المتحدة الأمريكية.

إن تطورات الأزمة السورية حتى الآن تشير إلى عدم إمكانية تحقيق الهدف الأول وتوجه الأمريكيين لتحقيق الهدف الثاني وهو ما تحدثنا عنه سابقاً «ما الذي يمنع أن يتحالف الفاسدون الكبار داخل النظام مع المعارضة غير الوطنية تحت سقف الحوار، و أن يذهبا معاً إلى قلب الطاولة وإحداث ثورة مضادة من فوق، يبعدون فيها «ديمقراطياً» القيادة السياسية العليا الحالية ويقدمون للناس إيهاماً بحدوث تغيير  ديمقراطي يجهض مشروع سورية جديدة؟؟»

يبدو أن الأمريكيين قد عقدوا العزم على السير بهذا الاتجاه، ولتحقيق هذا الهدف يراهنون على:

- رفع مستوى العنف عبر دعم أقسام من المعارضة المسلحة وإقناعها بإمكانية إسقاط النظام بالسلاح مما يستدعي رد فعل عسكري أمني من النظام يؤدي إلى رفع إضافي لمستوى العنف إلى مستوى جديد لإيصال المجتمع إلى تلك الحالة التي يقبل بها بأي تغيير، وبأي شكل للخلاص من حالة العنف وهو ما يفسر الطروحات حول ساعة الصفر والحسم من كلا الطرفين. والتي لم ولن تؤدي إلا لتصعيد في العنف والقتال وإبعاد الحل السياسي الحقيقي والمخرج الآمن من الأزمة.

- توقيت وطريقة انشقاق بعض القوى وعناصر النظام الفاسدة تاريخياً وإعادة تلميعها وتقديمها بصفتها المنقذ من الأزمة عبر اعتمادها من الأمريكيين وحلفائهم.

- إظهار الروس والصينيين بصفتهم أصدقاء ومناصرين للنظام، أي لأحد طرفي الصراع، وبالتالي إجهاض مبادراتهم وحلولهم بصفتها مبادرات وحلولاً تصب في مصلحة أحد طرفي الصراع وليس بمصلحة البلاد وذلك بهدف استبعاد مثل هذه الحلول التي تشكل حلاً حقيقياً للأزمة السورية لمصلحة الحل الوهمي الذي يجهزه الأمريكيون.

إن نجاح الأمريكيين في تحقيق هدفهم يعني استمرار الأزمة وتعقدها من ناحية، ويعني إنهاء دور سورية الإقليمي عبر إحداث تطابق كامل أو جديد بين نظام توزيع الثروة القائم والنظام السياسي المطابق له والذي يحتاج لخدمات الأمريكيين وحلفائهم الدائمة لاستمراره.

إن قطع الطريق على تحقيق هذا الهدف يحتاج، أول ما يحتاج، لتوحيد جهود وقوى الوطنيين والشرفاء في المعارضة والنظام للسير باتجاه الحل السياسي الحقيقي والمخرج الآمن من الأزمة والذي يتمثل بالذهاب نحو المصالحة الوطنية بكل مفرداتها والحوار الوطني الحقيقي والاستناد إلى ميزان القوى الدولي والموقف الروسي الصيني وضرب قوى الفساد الكبير الحليف الموضوعي لقوى الخارج وصاحب المصلحة الحقيقية داخلياً بارتفاع مستوى العنف والقتال، الأمر الذي يفتح الباب نحو التغير الجذري الشامل التدريجي.