واشنطن و«تمرير الكرات» بين المتشددين..!
تأكد خلال الأسبوع الماضي ومن جديد الاستنتاج القائل بأنه سيجري تصعيد درجة التوتر السياسي والاقتصادي والأمني كلما اقتربت الأزمة السورية من انطلاق الحل السياسي
وما جرى من تفجيرات خلال الأسبوع الماضي بما فيها التفجير في منطقة «السبع بحرات» تحديداً يأتي في السياق نفسه. لكن ما يجب الانتباه إليه وفهمه بدقة هو أن جميع التفجيرات ذات الطابع الإرهابي لا تغير شيئاً بذاتها ولا تحقق هدفاً بذاتها إلا حين ترسم رد الفعل المناسب لها. فإذا كان هدفها في مرحلة ما في العراق، على سبيل المثال، توتيراً طائفياً، فإن رد الفعل الطائفي في العراق حقق الغاية من تلك التفجيرات في حينها. واليوم، إذا كان هدف التفجيرات في سورية هو إعاقة الحل السياسي فإن رد الفعل المتشنج الذي يعاود التركيز على المطالبة بالحسم والضرب والسحق وتسويف الوصول للحل السياسي هو بالضبط ما خطط التفجير لاستدراجه.
في السياق ذاته، يمكن القول إن واشنطن عملت تباعاً وبشكل منهجي مدروس، منذ اتضاح عجز تدخلها المباشر، على منع الحل السياسي وتأخيره من خلال استجرار ردود أفعال تتوقعها هي وتعمل على حدوثها لإدخال القوى السورية المتصارعة سياسياً وميدانياً في دائرة مفرغة من الفعل ورد الفعل. فمثلاً، حين صرحت كلينتون بأن إدارتها بصدد دعم تسلح المعارضة، جاء الرد من بعض أوساط النظام في سورية بأن ذلك يجعل من الحل الأمني المخرج الوحيد، وهو بالضبط ما استهدفته واشنطن من وراء تصريحات كلينتون، لأن من يريد دعم التسلح فعلياً ليس بحاجة للتصريح، لكن من يريد ترسيخ الحل الأمني البحت حلاً وحيداً يحتاج إلى تصريحات من هذا النوع.
وسبق لواشنطن أن أجهضت «بيان جنيف» مؤقتاً مستخدمة «مجلس اسطنبول» من خلال ماراثون «مؤتمر القاهرة» لقوى «المعارضة» الذي عمل بشكل معاكس تماماً للبيان، ومن ثم مؤتمر «أصدقاء سورية» في باريس، وهما المؤتمران اللذان «فشلا» في «توحيد المعارضة» لأن توحيدها في حينه على توافقات عامة جدية كان سيعني خطوة باتجاه الحوار والحل السياسي، وهو الأمر المرفوض أمريكياً. وإذا كان الوضع الدولي قد سمح سابقاً بألعاب من هذا النوع على حساب الدم السوري، فإن الوضع الحالي فتح طريقاً آخر، دون أن يعني وقف النزيف تلقائياً.
إن نتائج مؤتمر مجموعة الثماني، التي وصلت إلى «مواقف توافقية إزاء إيران والقضية النووية لشبه الجزيرة الكورية والأزمة السورية والنزاعات في إفريقيا» حسب ما صرح به وزير الخارجية الروسي، تشير بوضوح إلى عدم قدرة واشنطن العاجزة اليوم، في ظل التهديدات الجدية التي تتعرض لها في شبه الجزيرة الكورية، على إجهاض الحل السياسي في سورية هذه المرة من خلال ألاعيب «معارضة الخارج». غير أن ذلك لا يعني أنها لن تواصل عرقلة ذلك الحل من خلال محاولة دفع النظام ومؤيديه نحو إعلان رفض الحل السياسي أو تأجيله بوصف هذا الإعلان «ردود أفعال مشروعة» على «أفعال استفزازية» تستدعي بدورها من الطرف الآخر ردوداً «مشروعة» وهكذا دواليك:
خروج ناطق باسم جبهة النصرة لإعلان الولاء للقاعدة، الأمر الذي ترجو واشنطن من خلاله بث الروح مجدداً في مقولات الحسم والكسر والطحن المترافقة مع إغلاق الباب أمام الحل السياسي ولو مؤقتاً.
الدفع باتجاه استقالة الإبراهيمي الأمر الذي يعرقل ولو تقنياً، عبر التأخير المترتب على تجهيز البديل، مسألة انطلاق الحل، ودفعه، في كلام حق يراد به باطل، للإلقاء باللائمة على الجامعة العربية في عدم حل الأزمة، فقط لتبرئة ساحة واشنطن.
تفعيل الاختراقات الموجودة في المجتمع وفي جهاز الدولة والتي يمثل الفساد الكبير بوابة عبورها الأساسية لتتلقف هذه «الأفعال» وتوجه «ردود الفعل» لتصب في سياق التصعيد والتوتير.
إن تمرير الكرات بين الطرفين المتشددين وفقاً للإيقاع الأمريكي يستخدم أبناء الشعب السوري ذاتهم مادة للعب تتقاذفها موجات التصعيد والتصعيد المضاد.. وإن الخروج الحقيقي الآمن من الأزمة، والذي يحافظ على وحدة سورية أرضاً وشعباً، يستوجب الإصرار على الحل السياسي والإسراع به واستكمال الفرز اللازم لتحييد وعزل كل الإعاقات التي تعترض طريقه..