البلاد تحتاج إلى فعل وليس رد فعل!
في ظل إصرار المعسكر الغربي بأدواته وحلفائه على الانتقال إلى مرحلة أخرى من خلط أوراق الأزمة السورية بما يعيق حلها، فإن الأصل في إمساك زمام المبادرة من السوريين في الداخل، وفي مقدمتهم افتراضاً قوى النظام وسياسيوه، هو التوجه نحو تحقيق المخرج الآمن لهذه الأزمة، المتمثل في إطلاق الحل السياسي لها
وبهذا المنطق، فإن هذا الإمساك يعني بالدرجة الأولى عدم الخضوع لردود أفعال متلاحقة على أفعال متلاحقة يلجأ الأمريكيون وحلفاؤهم للقيام بها من باب الاستفزاز المتعمد (مثل إعلان «السلفية الجهادية» في سورية ارتباطها بـ«القاعدة»، ورفع منسوب دعم «معارضة الخارج»، وزيادة وتيرة الحديث عن تسليح المسلحين، وإرسال «مراقبين» عسكريين أمريكيين للأردن، وكذلك الحديث المتضارب حتى الآن عن نشر صواريخ باتريوت أمريكية على الحدود الأردنية... إلخ).
إن هذا الوضع وإن كان يتطلب مواجهته بعمل عسكري وأمني، أي بعمل مسلح، فإنه يبقى مجرد ردة فعل جزئية تستنزف قوى البلاد، جيشاً وشعباً ومؤسسات وثروات، في ظل خطوط الانقسام السياسي في البلاد، بين مؤيد ومعارض، على نحو مجتزأ ووهمي، وليس بالضرورة على أسس وطنية شاملة.
وإن العودة للفعل والمبادرة في مكانهما الآخر الصحيح، المتمثل في تحضير الحل السياسي ومتطلباته، ترتدي أهمية استثنائية اليوم مع ازدياد تفاعل العوامل الخارجية الإقليمية والدولية مع العوامل الداخلية في المشهد السوري، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وإعلامياً. وفي هذا السياق فإن المبادرة للفعل بالمعنى الوطني وتأمين الحل السياسي وإطلاق الحوار تعني عدم انتظار أية توافقات دولية، بما فيها تلك الروسية- الأمريكية التي يكثر الحديث عنها، وهي ضرورية في كل الأحوال ولكنها ليست الأساس المطلق، إلا إذا كان ثمة من يتحدث عن «دولة فاشلة» تتقاذفها المصالح الدولية، وهو ما يناسب قوى الفساد ومصالحها في تكريس «ردود الفعل» لكي تبرر «فعل» نهبها المستمر، والقائم في مرحلة الأزمة، على تكريس الفوضى والاقتتال وعدم اتضاح خطوط الفرز بين الوطني واللاوطني في الدولة والمجتمع والقوى السياسية والحركة الشعبية، بما يسمح لاحقاً بإعلان تحالفها السافر مع الغرب نفسه وأدواته الذين يحاصرون سورية اليوم ويستنزفونها على كل المستويات. أي أن إعاقة الحل السياسي، تحت أية مسوغات إقصائية او استعلائية، من جانب قوى الفساد وممثليها يتلاقى فعلياً مع مصلحة الإدارة الأمريكية، التي لم تتمكن بعد- في ظل التوازن الدولي مع روسيا والصين ودول البريكس- من الذهاب إلى «حل سياسي» في سورية يحقق مصالحها.
وعليه، فإن لتأخر التوافق الدولي هدفين، أولهما إيصال الوضع في سورية إلى أضعف حالة ممكنة، عسكرياً واقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، وثانيهما انتظار ذلك الظرف الذي يسمح بفتح الأقنية بشكل فاعل بين قوى الفساد الكبير في سورية والقوى الخارجية لتحضير متطلبات وحوامل «الخطة-ب» التي يبدو أنها، من وجهة نظر الأمريكيين، غير مكتملة بعد. وللتذكير فإن المقصود بالخطة-ب هو إعادة تفاسم السلطة والثروة في البلاد بين الناهبين على أساس مكونات ما قبل الدولة الوطنية، بعد إحداث تغييرات شكلية بوجوه في النظام، على أساس توافق قوى الفساد داخل جهاز الدولة والمجتمع مع قوى الخارج، بما يعني «تصفير» تضحيات الشعب السوري وجيشه الوطني على مدى أكثر من عامين حتى الآن، وإنهاء دور وموقع سورية الجيوسياسي، وإبقاء الوضع فيها قلقاً وقابلاً للانفجار في كل لحظة تمهيداً لعملية «تقسيم» يتمناها الأمريكيون والصهاينة، إنهاءً للحالة السورية وللإطباق على مقدرات البلاد. وهنا ولابد من التأكيد على أن مستوى التشققات والتصدعات التي لحقت بالوحدة الوطنية السورية وضماناتها الأساسية بسبب ممارسات وضربات المتشددين من كل شاكلة ولون لم تتمكن حتى الآن من الوصول إلى مستوى «التقسيم» الذي يبتغيه أعداء سورية في الداخل والخارج.
وهذا يعني أن الرهان الأساسي لا يزال يعول على السوريين ووعيهم في تعجيل الفرز لكسر قوى التشدد من كل الأطراف والتوجه نحو الحل السياسي الجذري والشامل والعميق، في خدمة الشرائح الأوسع من الشعب السوري. وعندها فقط سيضطر الأمريكيون، ومن لف لفهم، لمحاولة اللحاق، كرد فعل، بركب السوريين، للبقاء على الخشبة..!