«التشبيح» على روسيا!
يستطيع من تابع عن كثب الخطاب السياسي لقوى الفساد في النظام السوري، والناطقين باسمها على وسائل الاعلام الرسمية وغير الرسمية، أن يلامس بسهولة التقلب الواضح في خطاب هذه القوى فيما يتعلق بالموقف من السياسة الروسية إزاء الأزمة السورية.
فمن كان يهلل لروسيا قبل شهورٍ خلت، يُروِّج اليوم لفكرة أن روسيا في واقع الأمر لا تدافع إلا عن مصالحها، شأنها شأن واشنطن.. لهذا، يبدو أن البحث عن أسباب هذا التقلب ضروري لمعرفة أية عقلية هي التي تصوغ قوى الفساد مواقفها على أساسها..
مرحلة تفسير الفيتو
عقبَ استخدام روسيا والصين حق النقض «الفيتو» ضد محاولات تبني مجلس الأمن الدولي لقرارات تسمح بالتدخل العسكري الخارجي على سورية، ظنّت قوى الفساد في النظام السوري أن لروسيا المصلحة المطلقة في الدفاع عن وجود النظام السياسي في سورية بشكله الحالي، دون أي تغيير، وذهبت في تفسيرها لهذا الموقف حد اعتبارها أن الموقف الروسي مساند لسياسات النظام السوري بإيجابياتها وسلبياتها على حدٍ سواء..
من هنا، جاء تكرار استخدام حق النقض من روسيا والصين لثلاث مرات، ليعزز أوهام قوى الفساد في النظام، فبدأت حملة التهليل لروسيا ودورها في سورية، وراح البعض يروج لها على أنها الحامي والراعي الرسمي للنظام السوري وباتت مقولات «روسيا لن تسمح»، «أبواب موسكو ستطرق» فيما لو فعلت هذا أو ذاك، مقولات اعتيادية على لسان «المحنكين» من ممثلي هذه القوى..
إذا ما نظرنا إلى واقع الأمر بعمق، نجد أن الخطأ الذي وقعت فيه قوى الفساد، هو اعتبارها أنه يمكن استثمار الموقف الروسي بما يؤمن عنصر استمرار و«حامي» مصالح الفساد الكبير، وهذا ما ثبتَ عكسه في الطور الثاني من أطوار موقف هذه القوى من روسيا..
المواقف الروسية الواضحة
إعلامياً، اتضحت حقيقة الموقف الروسي عبر سلسلة من التصريحات لمسؤولين في الحكومة الروسية، ولم تكن في واقع الأمر مُغايرة للموقف الروسي الثابت. فقد عبرت روسيا عن رفضها لمنطق العنف، وبالتالي رفضها لأوهام الحسم العسكري، الذي تبناه متشددو طرفي الصراع «الموالي - المعارض» على طول خط الأزمة، هذا ماعُدَّ الصفعة الكبرى التي وجهتها موسكو لقوى الفساد في النظام، التي اعتاشت وانتعشت في فترة الصراع العسكري الداخلي..
وجاءت هذه التصريحات لتثبت أيضاً، أن جوهر الموقف الروسي ليس تعنتاً ببقاء النظام على حاله، بل أنه لا يمكن له إلا أن يتماشى مع الموقف الشعبي الداعي إلى التغيير الحقيقي الذي يريده السوريون، أي أنه يدافع عن حق الشعب السوري في تقرير مصيره، دون السماح بتدخل خارجي يُملي على السوريين ما يفعلونه..
من هنا فإن قوى الفساد إذ غيرت من تحليلاتها للموقف الروسي، فإنها منطلقة في هذا من عقليتها السلطوية التي لا ترى في روسيا صديقة، إلا بناءً على موقف الأخيرة من هذه القوى. فبدأت بحملتها ضد الموقف الروسي، والتي تحمل ما مفاده أن روسيا دولة رأسمالية لها مصالحها في سورية، ولا تختلف عن مصالح الدول الأخرى إلا من حيث الشكل، أو طريقة التنفيذ، وهذا ما يُعدّ ضرباً من العبث السياسي، ففي واقع الأمر تشترك روسيا مع الدول مثل أمريكا وأوروبا من حيث أنها رأسماليات كبرى، أما ما يحاول البعض نسيانه أو غض النظر عنه، هو أن أمريكا وأوروبا تلعبان الدور الاستعماري في المنطقة، بينما لم تلعب روسيا هذا الدور عبر تاريخها، ولا يمكن لها أن تلعبه اليوم حتى وإن رغبت.. ذلك أن عالماً جديداً يعيش مخاضه الآن، والعالم القادم يمر الآن بمرحلة ثنائية قطبية هي مرحلة انتقالية لا غير.. ولن يعود إلى حرب باردة على نمط النصف الثاني من القرن العشرين، لكنه سيتجه نحو اصطفاف عالمي جديد بين الناهبين والمنهوبين على المستوى العالمي..
إن أولئك الذين «يشبّحون» على الموقف الروسي اليوم، هم أنفسهم من هللوا له البارحة، وهم عينهم الذين يحملون أوطانهم في جيوبهم، ودماً سورياً طاهراً في أعناقهم..