الإضراب الجماهيري

الإضراب الجماهيري

مفهوم الإضراب الجماهيري

مفهوم الإضراب الجماهيري ذو أصل انكليزي يعود إلى العام 1839 عندما دعت الحركة الشارتية «الميثاقية» إلى إيقاف العمل على النطاق القومي في البلاد ووردت أيضاً في أدبيات الحركات الثورية في فرنسا وبلجيكا وألمانيا نهاية القرن التاسع عشر وكانت الثورة الروسية 1905 قد طبقت للمرة الأولى في التاريخ فكرة الإضراب الجماهيري على نطاق واسع.

الإضراب الجماهيري ظاهرة تاريخية تنجم عن ظروف اجتماعية في لحظة معينة كشكل من أشكال النضال الطبقي في حركة التاريخ وهو نتاج تطور تاريخي وليس نتاجاً مصطنعاً أي أن حركة الإضراب الجماهيري عبر التاريخ لا تأتي حسب خطة موضوعة مسبقاً حسب رغبة بعض السياسيين وإنما تتدفق دفعة واحدة لأسباب مختلفة موضوعية وذاتية مرتبطة بتطور ونضوج القوى الطليعية المنتجة في المجتمع وتظهر الحركة الإضرابية بعدة أشكال«إضراب عام ،جزئي ،قطاعي ،إضرابات تظاهرية ،إضراب في فرع من الصناعات..........إلخ»  أضف إلى ذلك أن الإضراب ظاهرة اجتماعية شديدة التغير طبقياً ويمكن أن تأخذ طابعاً تقدمياً أو طابعاً رجعياً فالأول يخدم النضال السياسي العام في سبيل مصالح الكادحين والثاني يصب في خانة الفوضوية واللاحلول والعدمية.

الإضراب الجماهيري سورياً:

اتسمت حركة الإضراب الجماهيري في التاريخ السوري بطابعين أحدهما رجعي كانت تشنه الطبقة البرجوازية لتقف في وجه الإجراءات الاقتصادية التي حدثت في البلاد منذ عقد الستينيات من القرن الماضي  والثاني كانت تشنه الطبقات المهمشة من أجل انتزاع حقوقها ومكتسباتها الاجتماعية ونستطيع ضرب أمثلة كثيرة حول هذين الطابعين الذين اتسمت به الحركة الإضرابية السورية عبر التاريخ الحديث.

فقد حرضت البرجوازية السورية التقليدية التي أممت معاملها منذ عام 1965 عمالها على شن الإضرابات كيفما كان للوقوف ضد قرارات التأميم وأثناء عمليات الإضراب هذه التي بلغت  ذروتها عام 1969 تم تخريب العديد من المنشآت المؤممة  والإيقاف المقصود لبعض المنشآت الأخرى لإيهام الجميع أن القطاع العام فاشل وتم تنفيذ كل هذه الأعمال تحت شعار أن العمال يضربون من أجل مطالبهم  كذلك إضرابات عام 1981  في حلب ودمشق وجسر الشغور وبعض المدن الأخرى كان يقف وراءها التجار الكبار وتحديداً  البرجوازية الطفيلية التي كانت بمثابة الحاضنة الطبقية لحركة الإخوان المسلمين بقصد إحداث أكبر حالة من الضرر الإقتصادي والفوضى هذان مثالان على الشكل الرجعي للإضراب في التاريخ السوري ولا يزال المجتمع السوري يحتفظ بجينات الإضراب الرجعي حيث تلجأ البرجوازية عبره إلى صناعة نضالات وهمية للتغطية على النضال الطبقي الحقيقي الجاري في المجتمع. ثمة أمثلة كثيرة لا تحصى على الشكل التقدمي للإضراب الجماهيري في التاريخ السوري الذي تشنه الطبقات المهمشة لانتزاع حقوقها ومكتسباتها مثل الإضراب الستيني 1936 ضد الاحتلال الفرنسي الذي كان نتيجته توقيع معاهدة مع فرنسا وإضراب عشرة آلاف عامل زراعي في الجزيرة عام 1956 طالبوا بـتأسيس نقابة ورفع الاجور والإضرابات الكبيرة لعمال النسيج في حلب ودمشق طوال فترات الأربعينيات والخمسينيات والستينيات وحققوا مطلبهم. 

في ظروف المؤامرة الداخلية والخارجية في السبعينيات والثمانينيات التي كانت تشهد حركة إضرابات رجعية تشنها البرجوازية أضرب على الجبهة الأخرى  5000 عامل من عمال النفط في حقول الرميلان احتجاجاً على التوزيع غير العادل للحوافز الإنتاجية والمكافآت والسكن العمالي عام 1979 وأضرب المئات من عمال الشركات الإنشائية في الحسكة عام 1982 و400  من عمال العتالة في القنيطرة 1982 والمئات من عمال الشركات الانشائية في الرميلان و 2000من عمال وعاملات التبغ في اللاذقية عام 1988 بسبب التأخير في دفع الرواتب والأجور واستطاعوا انتزاع حقوقهم ومكتسباتهم بالنضال السياسي الواعي الذي رافق كل إضراب مما أبعد عنه شبح الفوضوية والعدمية ولا يزال الشعب يحمل جينات  الحركة الإضرابية التقدمية.

طوال الخمسين سنة الماضية كانت حركة الإضرابات الرجعية والتقدمية في التاريخ السوري تسير منفصلة بخطين متوازيين  وبمؤشرات مختلفة هذه كانت إحدى سمات الظرف السوري آنذاك وكانت مرتبطة طوال الوقت بالتناقض  الرئيسي والثانوي وأيهما يطغى على الآخر.

ظاهرة اجتماعية جديدة:

أفرزت الأزمة السورية ظاهرة اجتماعية جديدة في التاريخ السوري لم تحدث في السابق مطلقاً فيما يتعلق بموضوع الإضراب الجماهيري فمن المعروف ان المدن السورية كانت تشهد تظاهرات أثناء كل تشييع وحدثت محاولات عدة للإضراب العام وهذه ليست ظواهر جديدة في التاريخ السوري إنما الجديد هو وجود بذور رجعية وتقدمية في الحركات الإضرابية الجماهيرية تتواجدان معاً في إضراب واحد أحياناً، وهذا يعتبر انعكاساً للثنائيات الوهمية التي اتسم بها الفرز السياسي في سورية، والتي ستتفكك بحكم تجذر الصراع في ظروف الحركة الاحتجاجية لتتحول إلى صراع بين الناهب والمنهوب بين الوطني واللاوطني بالتأكيد، لأنها جوهر عملية الصراع الدائرة في البلاد.