مرة أخرى عن ضرورات الحوار
يتأكد يوماً بعد يوم أن الحل الحقيقي الوحيد للأزمة السورية الراهنة هو الحل السياسي، ولاشك أن أداة هذا الحل هي الحوار، بغض النظر عن رغبة هذا الطرف أو ذاك وقناعاته الداخلية وحتى هدفه من الحوار.
ولكن يبقى السؤال الدائم أو الأسئلة التي تطرح نفسها في هذا المجال هي:
لماذا الحوار؟ وكيف يجب أن يكون؟ وإلى ماذا يجب أن يفضي؟
إن ضرورات الحوار تنبع من أن طرفي الصراع الدائر في البلاد استنفدا كل الأدوات الأخرى لديهم أثناء محاولة حسم الصراع، فلا أجهزة القمع استطاعت لجم الحركة الاحتجاجية، ولا حمل السلاح من بعض أطراف المعارضة استطاع أن يحسم المعركة ضد النظام، ولا زج الجيش في المعركة من قبل النظام أنجز عملية التطهير المفترضة، ولا سُعار أجهزة الإعلام ومحاولة التلاعب بالرأي العام أدت إلى حل، ولا الاتكاء على الحلفاء الاقليميين والدوليين والدعم المفتوح استطاع أن يرجح الكفة لمصلحة طرف دون الآخر، وبمعنى آخر فإن كل وسائل القوة المباشرة وغير المباشرة استخدمت ولكن الواقع كان أقوى من الجميع، والحال هذه فإن المنطق يفترض على الأقل تجريب الوسائل النقيضة، أي الوسائل السلمية لحل الأزمة ولاسيما أن مثل هذا الحل يتقاطع مع رأي أغلبية الشعب السوري، بغض النظر عن تخندقهم اليوم مع هذا الطرف أو ذاك، فهذه الأغلبية صارت تبدي امتعاضها علناً من طرفي الصراع وسلوكهما وأوهام وعودهما بإنهاء الأزمة، إذاً ضرورة الحوار تنبع من أنه نقيض الحلول التي أثبتت فشلها من جهة وهي من جهة تعبير عن رأي أغلبية الشعب السوري، ومن هنا يكتسب قوته ويكون مجاله الحيوي، فهو تعبير عن واقع موضوعي يفرضهُ توازن القوى.
واليوم وبعد قبول أغلب الأطراف -وإن لفظياً- بالحوار كنتيجة منطقية لتوازن القوى، بات من الضروري السؤال عن كيفيته وشروط نجاحه؟
لاشك أن من أول شروط تحقيقه أن يكون علنياً وشفافاً تبثه وسائل الإعلام وبشكل مباشر، يقدم فيها كل طرف حججه ومبرراته والحقائق التي لديه، ويبدي رأيه، وبمعنى آخر أن يكون الحوار برلماناً مفتوحاً للسوريين يقيّمون من خلاله مواقف القوى السياسية، ويميزون بين هذه القوى على أساس برامجها السياسية لا على أساس الإمساك بمفاصل القوة، ولا على أساس الدعم الخارجي والدفق المالي والإعلامي، ومن الضروري أن تشارك فيه الحركة الشعبية الفاعلة على الأرض فهي وحدها القادرة على إحداث انعطاف في مسار الأزمة بالاتجاه الذي يعبر عن مصالح الشعب السوري.
ليست وظيفة الحوار على الإطلاق «تبويس الشوارب»، وتبادل الصور على الشاشات وتقديم الاطمئنان الكاذب للناس، وتقاسم السلطة والثروة بين الناهبين، بل إن وظيفته الأساسية هي إخراج البلاد من المأزق الذي قادها إليه طرفا الصراع، ومن المستحيل أن تتحقق هذه المهمة دون البحث المعمق لأسباب الأزمة ومقدماتها، وبالتالي سبل الخروج منها، الأمر الذي لا يمكن أن يتم دون التعبير عن المصالح الحقيقية للشعب السوري، سواء كانت مصالحه الوطنية العامة فيما يتعلق بالسيادة الوطنية وتحرير الجولان، أو مصالحه الاقتصادية الاجتماعية وحقه في توزيع عادل للثروة بين الناهبين والمنهوبين وتحقيق العدالة الاجتماعية، وحقه في مستوى عال من الحريات السياسية عبر قوانين عصرية يستطيع من خلالها ردع كل من يسرق خبزه، ويمتهن كرامته، وبعبارة أخرى فإن وظيفة الحوار الأساسية هي فتح الطريق أمام تغيير وطني ديمقراطي جذري وشامل.