تحرير الجولان شعبياً.. من الرؤية إلى التطبيق – إضاءات
تلقت الأوساط الشعبية والسياسية المختلفة إعلان الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير في 9/5/2013 عن بدءها تشكيل «ألوية الجبهة الشعبية للتحرير»، بطرق متفاوتة بين مرحب ومشجع وبين رافض ومهول وبين منتظر، ومتسائل عن التوقيت، وحتى متفاجأ بالفكرة أساساً...!
إن الوثائق الصادرة عن كل من الجبهة وحزب الإرادة الشعبية تؤكد على تجذر هذه الفكرة، وتوضح المسار المتلاحق لها وللقضية الوطنية عموماً في رؤية وخطاب حزب الإرادة الشعبية متمثلاً باللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين وقبلها لجنة متابعة ميثاق شرف الشيوعيين السوريين منذ مطلع العام 2002 وحتى يومنا هذا مروراً بالأزمة السورية الراهنة في آذار 2011، إذ لطالما كانت القضية الوطنية محدداً أساسياً وناظماً لعمل الشيوعيين السوريين عبر تاريخهم، وعبروا عن ذلك في مراحل نضالهم الذي امتد منذ مطالع القرن العشرين حتى اليوم بصيغ وطرق مختلفة وفقاً لكل مرحلة، وما يمكن لنا إلقاء الضوء عليه في هذا التوثيق المختصر هو تطور المواقف والرؤى حول القضية الوطنية منذ بداية حالة اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين التي تمخضت مؤخراً عن ولادة حزب الإرادة الشعبية.
في هذا الإطار يمكن العودة إلى مقتطفات من بيان بتاريخ 29/3/2002 علقت فيه اللجنة على مبادرة السلام العربية التي أطلقت في حينه: (يؤكد الشيوعيون السوريون أن إعلان القمم العربية بأن «السلام هو الخيار الاستراتيجي الوحيد للعرب»، ليس هو الخيار الوحيد، بل هنالك خيار آخر هو خيار المقاومة الشاملة ضد الاحتلال وضد التجمع الصهيوني الاستيطاني الذي نِصْفه تحت السلاح والنصف الآخر في سلاح الاحتياط.
إن دعم الانتفاضة بكل السبل والوسائل وإدامتها ضد الاحتلال حتى إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، هو مقياس الشرف والوطنية لكل عربي، وهذا يتطلب –فيما يتطلب-:
عودة الجماهير إلى الشارع لفرض خيار المقاومة حتى عودة كل الأرض وكل الحقوق العربية.)
يوضح الاقتباس السابق أن حزب «الإرادة الشعبية» كان يرى دائماً أن القضية الوطنية قبل أن تكون محكومة بضرورات الأنظمة فإنها يجب أن تحكم بخيارات الشعوب التي تطمح للدفاع عن أوطانها، ذلك الدفاع الذي يتطلب: «الاستعداد للمقاومة الشاملة لأنها تبقى السلاح الوحيد الذي فرض على الشعوب اختياره» (من الورقة السياسية المقرة في 19/2/2003).
كما أدرجت وثائق الحزب بين «المهام السياسية الملحة» التي حددتها في 3/6/2005: «الجولان جزء عزيز من تراب سورية وتحريره كاملاً إلى حدود 4 حزيران 1967 هو على رأس مهام جميع الوطنيين السوريين». وفي ذلك التاريخ كانت إمكانية التدخل الأمريكي المحتمل في سورية تدق الباب بشدة، وكان الرد الأساسي المطلوب هو فتح النار على العدو الصهيوني، للانتقال من الدفاع إلى الهجوم..
حاول الحزب بكل طاقاته مساعدة وتأييد أي ظاهرة مقاومة شعبية تخرج في سورية خلال الفترة الماضية، ولذلك كان أحد قرارات الاجتماع الوطني السادس له في 11/8/2006 هو:
«ضرورة زج الشيوعيين في كل مجالات وأطر المقاومة الشاملة، بما فيها أنشطة الهيئة الشعبية لتحرير الجولان، والعمل ضمن صفوفها ودعمها بكل الأشكال على اعتبار ان التطورات أثبتت أن ما يسمى بخيار السلام الاستراتيجي لم يعد ممكناً دون تدعيمه بالمقاومة الشعبية الشاملة وثقافتها، وفتح آفاقها على كل الجبهات سياسياً واقتصادياً وإعلامياً، وخصوصاً عسكرياً».
وتم تحديد الصياغة النظرية الأساسية لوجهة التحرك المطلوبة في القضية الوطنية في الموضوعات البرنامجية 22/5/2010، وذلك من خلال التأكيد على الربط العميق بين الاستحقاقات الوطنية والاقتصادية- الاجتماعية والديمقراطية، وأهمية «الانتقال من الدفاع إلى الهجوم» على كل الجبهات، أي الانتقال في القضية الوطنية من «الممانعة» كحالة دفاعية إلى «المقاومة» إلى «التحرير»، كحالة هجومية. حيث أنه «لا وجود لدولة مقاومة دون اقتصاد مقاوم»، ولا اقتصاد مقاوم دون درجة حريات سياسية عالية تسمح بمحاربة الفساد والتسلط، هذا من جهة. ومن الجهة الأخرى فقد بينت الصياغة النظرية للموضوعات أن عملية تحرير الأراضي المحتلة وعلى رأسها الجولان انتقلت من كونها ضرورة وواجباً وطنياً، إلى كونها استحقاقاً قابلاً للتطبيق ضمن آجال قريبة ومتوسطة لأنه، والاقتباس من الموضوعات البرنامجية ذاتها: «ما دام النظام الرأسمالي العالمي وليس فقط الإمبريالية الأمريكية في أفول، فمن الطبيعي والمنطقي أن «إسرائيل» نفسها قد دخلت مرحلة الأفول ولا أبرز دليلاً على ذلك إلاّ أداؤها في العقد الأخير باتجاه تحقيق دورها الوظيفي الذي حققته بنجاح خلال النصف الثاني من القرن العشرين.. والذي ازداد تعثراً في بداية القرن الحادي والعشرين، متصاعداً حتى اليوم.
إن منطق الحياة نفسه يضع على بساط البحث موضوع استمرار «إسرائيل» الصهيونية، فهي بسبب الأزمة العالمية وأفول الرأسمالية وبسبب الازدياد المتصاعد وخاصةً في العقد الأخير لمقاومة شعوب الشرق العظيم للمخطط الإمبريالي- الصهيوني التفتيتي، دخلت في مرحلة انحطاط وأزمة عميقة تهدد الكيان الصهيوني».
ومع القراءة المبكرة للمتغيرات والحراكات الشعبية الجارية والمرتقبة في المنطقة العربية، انطلاقاً من تونس ومصر، وتحديداً في 25/2/2011، أطلق مجلس اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين بياناً وجهه إلى جميع السوريين للاستعداد للتعامل مع الواقع القادم. صيغ ذلك البيان بعقلية من يقدر الاستحقاقات المطلوبة بقدر معرفة أساليب العدو الوطني والطبقي، ومعرفة مدى قدرته على التلاعب بالحركات الشعبية في بواكيرها الأولى، ويعرف كذلك الطاقة الجبارة التي تمتلكها تلك الحركة وقدرتها الهائلة، ليس على التدمير فقط، ولكن أيضاً على البناء في حال وجهت بالاتجاه الصحيح، ولذلك كان لا بد من وضع خطوط الفرز الأساسية ومعادلته، لكسر الانقسامات الوهمية بين «نظام» و«معارضة» من جهة والانقسامات الطائفية والقومية من جهة أخرى. وكانت خطوط الفرز هذه، موزعة على القضايا الأساسية الثلاثة: الوطنية والاقتصادية الاجتماعية والوطنية. ما نتابعه هنا، هو القضية الوطنية، مع التأكيد المستمر أن لا فصل بينها وبين القضيتين الاقتصادية الاجتماعية والديمقراطية.
فمما جاء في البيان الصادر عن اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين بتاريخ 25/2/2011 على المستوى الوطني العام:
«1ـ إن التصعيد العدواني في الاستراتيجية الأمريكية من زيادة دعمها المطلق للكيان الصهيوني، إلى احتلال العراق وتوسيع الانتشار العسكري غير المسبوق من جنوب وشرق المتوسط حتى قزوين وتغيير الأساليب التكتيكية عبر الترغيب والترهيب إزاء ما يجري في المنطقة، كل ذلك جعل مما يسمى بعملية السلام «طبخة بحص» وصلت إلى طريق مسدود وعلى كل المسارات. ومن هنا فإن تحرير الجولان وبقية الأراضي العربية المحتلة لن يكون إلا بالمقاومة الشاملة بما فيها الخيار العسكري. لذلك نطالب بوقف جميع أشكال المفاوضات المباشرة وغير المباشرة وتعبئة قوى المجتمع استعداداً لتحرير الجولان كاستحقاق وطني بالدرجة الأولى» مع إيراد كل ما يستلزمه ذلك داخلياً من جهة وما سينتج عنه إقليمياً من تعزيز وضع سورية بالمقابل، من جهة ثانية.
إن التطور الطبيعي لمواقف حزب الإرادة الشعبية الذي طالب منذ سنوات بطرح قضية تحرير الجولان بالمقاومة الشعبية على استفتاء شعبي، وكذلك مواقف حلفائه في الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير، وعلى رأسهم الحزب القومي السوري الاجتماعي الذي يمتلك تاريخاً مميزاً في المقاومة وخاصة في لبنان، في مقابل الصلف الصهيوني الذي عبر عنه العدوان الأخير، ومسارات الأزمة السورية الحالية، كل ذلك جعل من «ألوية الجبهة الشعبية للتحرير» ضرورة منطقية واستحقاقاً وطنياً أساسياً بامتياز.