ثلج الأزمة.. ومَرْج جنيف 2
طور جديد تدخله الأزمة السورية بعد ترجمة التقارب الروسي الأمريكي إلى إعلان لافروف وكيري المشترك عن دعوة جميع أطراف الأزمة السورية والدول المعنية بها إلى مؤتمر دولي ثانٍ في جنيف على أسس ومقررات المؤتمر الأول نفسه، بهدف تشكيل حكومة سورية انتقالية مؤلفة من قوى النظام وجميع المعارضات دون استثناء أواخر الشهر الحالي
وبغض النظر عن تركيبة الحكومة المؤقتة، وصلاحياتها، ودرجة وطنيتها أو لاوطنيتها حيال القضايا المختلفة، فإنّ تشكيلها سيكون الانطلاقة والخطوة الأولى عملياً نحو حسم خيار الحل السياسي للأزمة، وإنهاء حالة الاحتضار التي يعانيها العنف المتبادل وخياره العدمي البائس في القتل والتدمير.
القضايا الجامعة والثنائيات الحقيقية
لعل أهم نتيجة سيفرزها جنيف2 ستكون تلاشي الحاجز الزائف بين (نظام – معارضة) كإحدى الثنائيات الوهمية في الأزمة السورية، وعلى أرض الواقع، وبالتالي من الوعي الشعبي العام، إذ لا ذريعة بعدها لأي طرف في تضليل الشعب وتضييع حاضره ومستقبله في إلقاء الاتهامات المتبادلة على الآخر، من وراء متراس خندقه المحصن بالحديد والنار والأوهام. فالجميع سيكونون في مواقع المسؤولية وصنع القرار أمام الشعب الذي سئم الموت المجاني، وهو متعطش لحياة أفضل. لكنّ هذا لا يعني توقف مساعي أعداء الشعوب، من القوى الإمبريالية والصهيونية والفساد الكبير المحلي والخارجي، عن العمل على تسعير ثنائيات وهمية أخرى مثل الاختلافات الدينية والطائفية والقومية والعشائرية وغيرها، ودفعها إلى موقع الصدارة، الأمر الذي لا بدّ سنجده بشكل صريح أو ضمني على الأجندة السياسية لبعض القوى التي ستحاول أن تبذر سياسياً ما فَلَحته عسكرياً، بما يحقق استمرار ضرب أبناء الطبقات الشعبية الفقيرة والكادحة بعضها ببعض على أساس هذه التناقضات الثانوية، لإضعافها وإجهاض وتقليل وزنها في أي حل سياسي قادم، وذلك على حساب التناقضات الحقيقية، الطبقية بين ناهبين ومنهوبين، والوطنية بين عملاء للأمريكان والصهاينة من جهة، وأنصار للخط الوطني التاريخي للشعب السوري في القضية الوطنية، والذي يبدو أنّه ارتفع اليوم، خصوصاً بعد الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على سورية، إلى مستوى يجعل عدم الانتقال القريب إلى المقاومة الشعبية المسلحة بالتحديد، أمراً يضعف درجة الوطنية لأية جهة سياسية لا تتبناه قولاً وفعلاً.
أقنعة السياسية ووجه الشعب
على عكس ما يعتقده البعض، فإنه في ظل التوازن الحالي للقوى عالمياً وإقليمياً وداخلياً، وفي هذه اللحظة السياسية بالذات وأكثر من أي وقت مضى لن يكون «الاحتفاظ» بحقّ الرد على العدوان الصهيوني إلى «وقت لاحق»، وتحت أية ذريعة كانت، أكثر من نارٍ ستحرق سياسياً وشعبياً أية قوة سياسية لا تتخذ قراراً سياسياً وعسكرياً جدياً إزاء قضية إطلاق المقاومة الشعبية السورية من أجل تحرير الجولان المحتل كمهمة ناضجة للإنجاز في المدى القريب، وإلى أي جهة من الفضاء السياسي القديم انتمت نظاماً أو معارضة. والشعب السوري سيتخذ هذه القضية كمعيار أساسي لفرز القوى السياسية للفضاء السياسي القديم، ولدعم أو تهميش أية قوة سياسية تطالب بحق الحياة في الفضاء السياسي الجديد. فهي بالفعل كانت وما تزال قضية صراع وجود، ليس للوطن السوري فحسب، بل ولأية قوة سياسية وطنية أيضاً.
إنّ الأزمة السورية اليوم هي أزمة أكثر تركيباً وتعقيداً مما سبق، وبالتالي فإنّ حلّها بات أكثر تعقيداً كذلك، وخيار الكفاح الشعبي المسلّح ضدّ قطعان العدو الصهيوني في الأرض المحتلة هو شرط ضروري، ولا يكتمل ويستوفي إمكانيات نجاحه دون الخيار السياسي المتسلّح بالقوى الشعبية والطبقية ذات المصلحة فيه، وفي تطهير البلاد من عدوها الطبقي، والعميل الموضوعي لـ «إسرائيل»، في الداخل السوري، ألا وهي قوى الفساد والنهب الكبرى داخل جهاز الدولة وخارجه، ونزع أدواتها القمعية، وميليشياتها المسلحة المتنوعة التسميات والنعوت، والتي تقدم بممارساتها في تفتيت الوحدة الوطنية، وعرقلة الحل السياسي، خدمات كبرى للعدو الصهيوني، إذ تهدر القدرات البشرية والمادية للشعب السوري بعيداً عن زجها في معركة التحرير.
إنّ التطورات الأخيرة في الأزمة السورية، تؤكّد على صحة رؤية حزب الإرادة الشعبية، وتحالف الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير، والتي طالما أكدت على أنّ المرحلة التاريخية الحالية هي مرحلة ترابط مهمات التغيير الوطني اقتصادياً-اجتماعياً وديمقراطياً مع مهمة تحرير الأراضي المحتلة.