الأمريكيون يحضّرون أوراقهم للحلّ..
يقترب انطلاق الحلّ السياسي للأزمة السورية، ويصبح مطلوباً من جميع الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية أن تجهّز أدواتها السياسية، وخاصة تلك الأطراف العنيدة في المعارضة والموالاة
والتي منعها التكلّس في شرايين أدمغتها من أن تستوعب باكراً يقينية الانتهاء إلى حلّ سياسي، فبات عليها اليوم وبضغط دولي أن تلهث بسرعة تؤلم مفاصلها لتمسح شحم السلاح وتنفض غبار معارك اللاحسم، وتحضر أوراق برامجها السياسية لحضور المؤتمر الدولي حول سورية. وهنا سيظهر الاختلاف والاتفاق بين الأطراف حسب مصادر الأوراق ومضمونها.
الأوراق الاقتصادية-الاجتماعية:
هذه هي أمريكا تبعث من جديد رسولها الليبرالي عبد الله الدردري، الذي سبق وأن ساعدت بوساطته قوى النهب والفساد في الداخل من أجل التنسيق مع نظيراتها وأسيادها في الخارج فيما يتعلق بتسمينهم أجمعين، وتجويع الشعب السوري وتفقيره. هذا هو من جديد رسولاً أمريكياً عبر «إسكوا» الأمم المتحدة يلوح بنفس الأوراق الليبرالية، لتقول أمريكا على لسانه لأحبائها الفاسدين في الداخل والخارج: طبعاً تعرفون جيداً يا أحبائي الذين ربّيت بعضكم في النظام وبعضكم في المعارضة أننا مقبلون على تسوية سياسية، وبعد أن نفذنا برنامجنا في تدمير ما تيسّر من سورية، وكسبنا وسرقنا ما فيه النصيب في أثناء ذلك، استعدوا لصفقة نهب كبرى ترضيني وترضيكم، إن استطعنا أن ننسق جهودنا كلّ من موقعه، على تمرير برنامجنا البرجوازي النيوليبرالي.
الأوراق الديمقراطية:
كثيراً ما تم تناول موضوعة «تنحي الأسد» والتطبيل والتزمير حولها، في مراحل مختلفة من الأزمة السورية، واستغلت أمريكا، وعلى غرار نماذج «الربيع» العربي وقبله «الثورات» الملونة، لم يكن المقصود بالتركيز على الشخصنة في التغيير سوى تفريغه من محتواه، ودفع المجتمع للاصطفاف حول فوالق ثانوية، وتخفيض سقفه من تغيير شامل لنظام سياسي اقتصادي- اجتماعي، إلى مجرد تغيير شكلي ينحصر في إطار «تداول السلطة» شكلاني أيضاً، مع ضمان بدائل ذات ولاء أمريكي. ما هي الرسالة التي تريد أمريكا أن تبعثها من تصعيد نغمة «التنحي» إعلامياً قبيل المؤتمر الدولي، وخاصة في المؤتمر المشترك الأخير بين أوباما وأردوغان؟ ربما تحضر واشنطن أيضاً أوراقاً سياسية في مسألة «ديمقراطية» تكون، على عكس ما يبدو لأول وهلة، مطمئنة لقوى الفساد والقمع، وإلا ماذا يعني أن تصرّ على فرض تدخل خارجي في مسألة سيادية، ولكنها تفصيلية؟ ألا يعني أنها تطمئن كلّ القوى الديكتاتورية بأن رأي الشعب سيظل مصادراً، وسيمنع من تقرير مصيره بنفسه؟ ومن جهة ثانية ما يزال مشروعها في «الديمقراطية» الطائفية التفتيتية هو البديل الأنسب بالنسبة لمصالحها، ولمصالح الحلف الطبقي البرجوازي الكبير بجناحيه المعارض والموالي، والذي يحلم بأن يطير على حساب السوريين، ولذا يجهز أوراقه حول قوانين انتخابات وتمثيل وأحزاب تنسجم مع ذلك المشروع.
الأوراق الأمريكية-الإسرائيلية:
رغم أن الطروحات الاقتصادية- الاجتماعية والديمقراطية السابقة من وجهة النظر الأمريكية تخدم أيضاً المصالح الصهيونية، لأنها إن مرّت ستخرج بسوريةٍ تستمر بضعفها وتهدد بتصفية قضية الجولان والأراضي المحتلة، إلا أنّ الأمريكيين والصهاينة يجهزون أوراقهم لتقديمها على الطاولة، ليس بشكل مباشر ربما، بل عبر ما سيطرح من بعض الأطراف.. وربما عبر ما لا يطرح أيضاً. وسواء كانت تلك الأطراف تخدم «إسرائيل» عن جهل أو علم. ويثير الأمريكيون وبعض الأوروبيين مع الصهاينة تصعيداً إعلامياً حول مسألة ليست جديدة، في هذا الوقت قبيل المؤتمر الدولي، ألا وهي مسألة التسلح الطبيعي وعبر اتفاقيات دولية مشروعة للجيش العربي السوري، من روسيا خاصة، والضروري لحد أدنى من التوازن العسكري مع العدو التاريخي للشعب السوري ألا وهي «إسرائيل» الصهيونية. إذا كان هذا أمراً مفهوماً من جانب أولئك الأجانب، فإنه وبعد الغارات والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سورية مؤخراً، يصبح ليس من غير المفهوم، بل مفهوم تماماً أيضاً وداعٍ للشك الكبير جداً أيّ موقف من طرف أو شخصية سورية تضمّ صوتها إلى ذلك الصراخ الممجوج حول سلاح الجيش العربي السوري، وإذا كانت الأسطوانة المعتادة لبعض المعارضين «الديمقراطيين» «الأبطال» لا تكف عن إلقاء اللوم والانتقاد على النظام في «هدوء» جبهة الجولان السوري المحتل، و«مزاودته الكلامية لعقود بشأن المقاومة والممانعة»، فربما كان حق من السوريين، وخاصة اليوم، وبعد إعلان الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير السورية المعارضة عن تشكيل «ألوية الجبهة الشعبية للتحرير» كمقاومة شعبية مسلحة للعمل على تحرير الجولان والأراضي العربية المحتلة، من حقهم أن يتساءلوا عن بعض المعارضين المزاودين على المزاودين، من الذين لم ينبسوا ببنت شفة أو أي تصريح حول الاعتداءات الصهيونية، من باب إدانتها أو اقتراح طريقة الردّ المناسبة من وجهة نظرهم، علماً بأن «الكلام ببلاش»!؟
صحيح أنّ القوى الدولية ستضطركم وتضطر النظام أن تجلسوا معنا ومع بقية السوريين الراغبين على طاولة واحدة للحوار ولصياغة الحل السياسي للأزمة، لكن لا تنسوا أنّ الكلمة النهائية في تفاصيل الحلّ يجب أن تكون للشعب السوري العظيم، الذي سنمثل بين يديه جميعاً في أيام الحساب المقبلة.