«وين الملايين؟..»

«وين الملايين؟..»

منذ بداية الأحداث في سورية، كان دور الجماهير في التأثير في مجريات الأزمة يتضاءل باطراد حتى يومنا هذا، وانحصر هذا الدور في حدود ضيقة جداً قياساً بحجم الأزمة وعمقها:

إنجازات بسيطة ويتيمة على مستوى ملف المعتقلين والمخطوفين، إنجاز بعض المصالحات في بعض المناطق المتوترة، وقد يكون أبرز تلك التجارب هي النضال ضد تجار الأزمة، والنضال لمنع العنف، اللذين تكللا بالنجاح في بعض المناطق في البلاد..

أما في ماعدا ذلك، فيمكن القول إن الجماهير كانت هي الضحية الأولى للصراع القاسي الذي تشهده البلاد، فهي التي دفعت الثمن فيه من أرواح أبنائها ومن لقمة عيشها ومصالحها وكرامتها، حتى أصبحت رقماً هامشياً في معادلة الصراع، وكانت تضطر في أحيانٍ كثيرة إلى كسب رضا خصومها في الطرفين وتملقهم كي تحصل على شرعية بقائها، وعلى القليل من حقوقها الطبيعية..

والحقيقة أنه لا يجوز إلقاء اللائمة على الجماهير في هذا الأمر، كما يروق لبعض المبتذلين القيام بذلك، فهي كانت قد أبدت نيّتها واستعدادها لإنجاز التغيير نحو الأفضل قبل الجميع، ودفعت ثمن هذا غالياً. بل ينبغي إبراز الأسباب الأساسية التي قلّصت من دور الجماهير في الحل، وهي:

العنف الذي يمارسه الطرفان، إذ أن تحول ساحات البلاد إلى ساحات للحرب لم يمنع أي مبادرة أو فعل حقيقي للناس فحسب، بل هو نقل الفعل والمبادرة إلى خارج البلاد فعلياً، ودوّل الأزمة السورية..

التدخل الخارجي بمختلف أشكاله، وهذا بدوره يغذي العنف ويدفعه لممارسة دوره بمنع الحل.
واليوم، ومع ظهور التوافق الروسي- الأمريكي حول حل الأزمة السورية حلاً سياسياً، ومع بداية تثبيت الحل السياسي كمنهج وحيد لحل الأزمة من خلال الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي حول سورية، يمكننا القول إن الأزمة السورية بدأت بالانتقال من طور كان العنف فيه هو الوسيلة الرئيسية في الصراع، إلى طور جديد يكون فيه الحل السياسي والحوار هو الوسيلة الرئيسية لحل الأزمة. طبعا هذا لا يعني أن العنف سيتوقف أوتوماتيكياً بمجرد بدء خطوات الحل السياسي، بل سينحسر تدريجياً مع نجاح وتقدم الحل السياسي وثباته..

لذلك فإن تقدم الحل السياسي سيزيد تدريجياً من وزن الجماهير في تقرير مصيرهم ومصير البلاد، وذلك بقدر ما يساهم في لجم العنف والتدخلات الخارجية المختلفة. إذ أن التعامل مع ملفات كبيرة ومعقدة، مثل شكل وطبيعة النظام السياسي الجديد، وملف إعادة الإعمار، وملفات المعتقلين والمخطوفين والمفقودين والمهجرين..آلخ، بحاجة إلى مشاركة أوسع فئات من الجماهير.

وهكذا فإن معركة الدفاع عن الحل السياسي اليوم أصبحت هي معركة الدفاع عن الديمقراطية الحقّة التي تعني المشاركة الأوسع للجماهير في بناء النظام السياسي والاجتماعي الذي تريد..