الشخصنة والبحث عن النموذج
«لو كان الفقر رجلاً لقتلته».. ليس لأحد أن يشكك بصدق ونية علي بن أبي طالب أو مقدرته، ولكن الفقر ليس رجلاً! ولم يستطع الرجل (علي) أن يقتله.
بهذا المنطق البسيط يتعامل الناس مع المفاهيم والمفردات السياسية مثل النظام والمعارضة وحتى مع مفهوم الحراك الشعبي، وإذا كان ذلك مفهوماً على مستوى الوعي الشعبي الذي يفتقر إلى الخبرة والوعي السياسي، فإنه من غير المبرر ومن غير المفهوم أن تنسحب هذه الطريقة في المعالجة على النخب والأحزاب السياسية.. فرغم اعتراف البعض بتعقيدات الوضع السوري ودرجة تركيبه العالية، إلا أن هذا البعض يلجأ لاختصار المفاهيم وشخصنتها، حيث يتم التعامل مع النظام على أنه شخص مفرد بما يعنيه ذلك من كتلة واحدة، دون انتباه لحالة الفرز الجارية والتي تثبت يوماً بعد يوم الدرجة العالية من التركيب والتعقيد التي تفترض وجود ثنائية أثناء عملية التفكيك..
تبرز هنا مشكلة استحضار النموذج، إذ إن درجة الوعي السائد غير قادرة على التعامل مع البرامج والتجريدات، والأقرب إلى ذهنها هو النماذج الحية التي يتم استحضارها كتكثيف واختزال للخطوط السياسية التي تطرحها القوى المختلفة.. ففي الوقت الذي تستطيع فيه الجماهير في الدول المتقدمة النزول إلى الشوارع محملة ببرامج سياسية-اقتصادية أقرب إلى الكمال فإن جماهير بلدان العالم الثالث تقصد الشوارع بعد غياب طويل عنه وعن العمل السياسي الأمر الذي يدفعها إلى استحضار النماذج الجاهزة سواء كانت «إيجابية» كالمصري والتونسي أو سلبية كما في ليبيا علماً أن كل محاولة لاستحضار النموذج تفتقر في الدرجة الأولى إلى النموذج نفسه!! ومعنى ذلك يتضح بالسؤال: هل وصلت التجارب المذكورة إلى مستوى النموذج؟؟
تثبت الوقائع الجارية أن كل الحالات الثورية في العالم الثالث لم تكتمل بعد بل وهي تعاني بشكل مستمر من عدد هائل من العثرات والمعيقات. هذا إلى جانب كون كل منها حالة خاصة غير قابلة للتمثل في ظرف مختلف، وإن كان هنالك من مشترك بينها يمكن تعميمه والاستناد إليه فهو يتلخص بالنقاط التالية:
-1 التدخل الخارجي عمل ويعمل على سرقة الثورات القائمة وإجهاضها.
-2 المعارضات التي استندت إلى الدعم الغربي، تنتمي في مجملها إلى بنية الأنظمة المستهدفة نفسها.
-3 عملت القوى المعبرة عن مصالح الناهبين على تغييب الشعار الاقتصادي- الاجتماعي لمصلحة الشعار السياسي المعوم، هروباً من فرز الناس بشكل حقيقي يسمح للثورات باستكمال أهدافها.
-4 عملت القوى الخارجية على تفعيل الصراعات المذهبية والطائفية والدينية والقومية والعشائرية لضرب بنية المجتمع وتسهيل إدارته والتحكم بموارده.
يعمل ممجدو الحراك الشعبي ومقدسوه في سورية على تمثل الحالات الخارجية ومحاولة تطبيقها بحذافيرها على الواقع المحلي، مستندين إلى عفوية الناس وحاجتهم للنموذج، ومن هنا يصرون على إطلاق شعارات اسقاط النظام والحظر الجوي وحماية المدنيين وحتى المناطق العازلة، في الوقت الذي بدأ الحراك الشعبي يغسل عنه أدران الدخلاء بعد أن لمس خيانتهم على الأرض من خلال درجة الاختراقات الأمنية الداخلية والخارجية من جهة ومن خلال «التشبيح» المضاد الذي يمارسه المسلحون في عدة مناطق في سورية.
تطور الحراك ونضجه كفيل بالانتقال من الشخصنة إلى التعميمات الصحيحة، إلى خلق النموذج السوري الذي لن ينجح إلا في حال كان جديداً وإبداعياً وغير مكرر..