افتتاحية قاسيون 528: مشروعان.. أيهما سينتصر؟
تتوالى فصول الأزمة السورية تباعاً.. وإذا كان الغرب الإمبريالي قد استعصى عليه التدخل العسكري المباشر بسبب التطورات الجديدة في الوضع الدولي، وأبرزها بروز الموقف الروسي والصيني المستقل، الذي كان تعبيراً أولياً عن انتهاء حقبة دولية ابتدأت في أوائل التسعينيات بمحاولة فرض القطب الأوحد عالمياً، فإن هذا الاتجاه في التطور أكد نفسه خلال الفترة القصيرة الماضية، ودفع بالمثال السوري كي يكون مختلفاً ومتميزاً عن النموذج اليوغوسلافي والعراقي والليبي، ويتحول بالتالي إلى فاتحة لعصر جديد تكسر فيه الهيمنة الإمبريالية الأمريكية- الغربية.
وهذا المثال مرشح كي يتحول إلى نموذج جديد إذا توافرت فيه العناصر الضرورية الأخرى، وخاصةً الداخلية منها، التي إذا استفادت من نشوء لحظة تاريخية عالمية جديدة فإنها سترتقي إلى مستوى نموذج جذاب وفاعل وقادر على أن يتحول إلى نموذج معد..
وحتى في الجامعة العربية لم تستطع حتى الآن القوى الملتحقة بالغرب الإمبريالي أن تنفذ ما طُلب منها، وهذا دليل على امتداد الاستعصاء نفسه على المستوى الإقليمي.
أي إن المشروع الغربي- الصهيوني المدعوم من الرجعية العربية الذي يحاول أن يتنكر تحت ستار الدفاع عن الديمقراطية وحماية المدنيين، والذي يهدف فعلياً إلى الفتك ببؤر المقاومة والممانعة في المنطقة، قد دخل مرحلة التعثر، ولكنه كي يصل إلى مرحلة الهزيمة النهائية لابد من فضح وتعرية القوى التي تمثله داخلياً وتحمل مشروعه، وخاصةً في وعي المجتمع السوري، كي يستطيع أن يأخذ موقفاً نهائياً منها، وأن يصفيها.
إن المشروع اللاوطني الخياني داخلياً قد استند موضوعياً في نشاطه وتأثيره على عاملين: الأول هو الدعم الخارجي السياسي والإعلامي والمادي على أمل الوصول إلى الدعم العسكري؛ والثاني هو أخطاء النظام في معالجة الأزمة..
إن إسقاط المشروع اللاوطني الخياني نهائياً يتطلب إلغاء هذين العاملين.. بالنسبة للعامل الخارجي فقد وصل إلى نقطة استحالة الدعم العسكري الخارجي والغربي تحديداً، بسبب الأوضاع المستجدة على الساحة الدولية، وهو سيحاول الاستعاضة عنه بتدخل خارجي عسكري من نوع آخر قد لا يكون غربياً مباشراً هذه المرة، وهو أمر تعترضه صعوبات كبيرة وستكون آثاره السلبية على أصحابه أكثر من آثاره السلبية على المستهدف منه إن حصل، مع كل تداعيات هذا الأمر على المنطقة برمتها وتركيبة أنظمتها السياسية في الأفق المنظور.
وإن لم يحصل، فإن التدخل العسكري سيأخذ أشكالاً غير مباشرة أكثر عبر دعم العنف والتسلح والمسلحين من كل شاكلة ولون، ما سيدفع الأزمة السورية إلى الامتداد زمنياً.
عند ذلك سيصبح موقف ودور النظام والمجتمع حاسماً في حسم الأزمة، ولمصلحة من؟
إن أخطاء النظام في معالجة الأزمة منذ بدايتها، عقّدت الأمور وأطالت الأزمة.. فالمسلحون قبل أن يكونوا ظاهرةً أمنية- عسكرية، هم ظاهرة اجتماعية، والقضاء عليهم نهائياً لا يتم إلاّ بكسب بيئتهم نهائياً، أما محاولة القضاء عليهم دون الأخذ بالحسبان بيئتهم فهو أقصر طريق لزيادتهم وتقويتهم، لذلك فكسب بيئتهم سياسياً- اجتماعياً والقضاء عليهم أمنياً- عسكرياً، هو الضمانة لإسقاط المشروع اللاوطني الخياني بشكل كامل.
لذلك فالمشروع الوطني لمواجهة المشروع اللاوطني هو مشروع سياسي- اجتماعي قبل أن يكون إجراءات أمنية- عسكرية.. وهذا المشروع السياسي- الاجتماعي لا يمكن أن يظهر إلاّ بالقطيعة التامة مع سياسات النظام الاقتصادية- الاجتماعية نفسها ما قبل الأزمة، أي إحداث انعطاف جذري في هذا المجال.
وهذا الأمر لا يمكن أن يتم دون إجراءات سياسية- اجتماعية جريئة تصب في هذا الاتجاه، وتتلخص في إبعاد القوى الاقتصادية- الاجتماعية المستفيدة من تلك المرحلة والمفرخة للأزمة، المصرة اليوم على حلها الأمني أحادي الجانب، لأنه طريقتها الوحيدة كي لا تتضرر مصالحها الاجتماعية- الاقتصادية الضيقة المعادية لمصالح الشعب اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.
والخلاصة، فإن المشروع الوطني هو مشروع سياسي واقتصادي واجتماعي، والمشروع اللاوطني الخياني هو مشروع سياسي واقتصادي واجتماعي.
لذلك فإن المخرج الوحيد اليوم هو السير نحو حكومة وطنية تحمل مشروعاً سياسياً ديمقراطياً جوهره الدفاع عن الوطن وحماية الوحدة الوطنية وما يطابقه اقتصادياً واجتماعياً باتجاه مصلحة الجماهير الواسعة، والقوى التي تحمل هذا المشروع موجودة موضوعياً في النظام والمعارضة، وحول حكومة كهذه يمكن أن يلتف الشعب ويتم إسقاط المشروع اللاوطني نهائياً..