كارل ماركس على حق (1 -2)
في معرض حديثه عن سيطرة الدولار في المعاملات التجارية العالمية لأكثر من نصف قرن قال أحد أشهر خبراء الصين في المال والبنوك السيد «سونغ هو نغيينغ»: إن حكومة بلاده تحتفظ في خزائن مصرفها المركزي بأكبر احتياطي من الدولارات في العالم
وتستعمل الصين هذه الدولارات كبيضة قبان، بحيث تحافظ على نمو وتوازن اقتصادها بعيداً عن الهزات المفاجئة، وتشتري النفط من الأسواق العالمية من هذا المخزون النقدي. وذكر هذا الخبير الصيني معلومة مهمة ومذهلة في آن معاً يؤكد فيها أن تصنيع الورقة الواحدة من فئة مئة دولار تكلّف المصرف المركزي الأمريكي أقل من نصف دولار (حسب مصادر أخرى فإن الكلفة هي 4 سنتات فقط).
والمفاجأة التي أذهلت الخبير الصيني، ومن ثم «العبد الفقير» الذي يكتب هذه الكلمات، هي أن الحكومة الأمريكية لا تسيطر على عملية طبع الدولارات نعم، البنك المركزي الأمريكي يخضع لسيطرة صيارفة من القطاع الخاص، وهذه مفاجأة من العيار الثقيل، وجعلتني أفكر على النحو التالي:
لو تعاملنا مع العملة الورقية على أنها سلعة، والظاهر أنها في هذه الحالة سلعة– بضاعة- حسب تعريف السلعة في الصفحات الأولى من كتاب كارل ماركس الشهير «رأس المال».
إذاً العملات الورقية تُباع وتُشترى، وبما أن القطاع المصرفي الخاص في الولايات المتحدة الأمريكية يحتكر صناعة الدولار، فإن بيع كل مئة دولار في السوق يعود عليه بربح قدره تسعة وتسعون دولاراً ونصف الدولار. وأصحاب رأس المال في الولايات المتحدة الأمريكية يبادلون النفط والمواد الأولية من مختلف بلدان العالم بعملة ورقية تسمى الدولار. فماذا يعني هذا؟
السؤال الآخر هنا هل هذه الكتلة النقدية من الدولارات الأمريكية المتداولة في السوق العالمية تعادل في قيمتها البضاعة المنتجة في مختلف بلدان العالم؟ أغلب التقديرات تذهب إلى أن الكتلة النقدية بالدولارات الأمريكية تزيد كثيراً عن حاجة عملية التبادل بين المال والبضاعة. وهذه المعادلة الاقتصادية في نهاية الأمر تكون في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية. وكي نفهم هذه المعادلة النقدية الصعبة لابد من العودة إلى الساعة الثامنة من مساء الأحد المصادف الخامس عشر من تموز عام 1971 وفق توقيت واشنطن العاصمة الأمريكية حيث جلس ريتشارد نيكسون في حجرة صغيرة في البيت الأبيض، وبين يديه مخطوطة تسبب محتواها في تغيير مجرى الاقتصاد العالمي برمته. وما خلا نيكسون وبضعة من مساعديه، ما كان أحد في العالم يُدرك أن الرئيس الأمريكي السابع والثلاثين قد هيأ نفسه لأن يذيع بياناً يتضمن قراراً تاريخياً. وهنا اصعتمد في رواية الوقائع اعتماداً كلياً على كتاب الصحفي الألماني الخبير في شؤون الاقتصاد العالمي أولريش شيفر (انهيار الرأسمالية) الصادر في فرانكفورت عام 2009 والمترجم إلى اللغة العربية في سلسلة عالم المعرفة الكويتية بداية عام 2010.
جلس الناس أمام شاشة التلفاز يستمعون إلى خطاب نيكسون قلقين، فزعين، فـ«نيكسون» يخاطبهم بأنه تحدث إليهم في السنوات الأخيرة، مراراً وتكراراً عن الحرب في فيتنام، غير أن الحرب قد أشرفت على نهايتها الآن. ومن هنا، فإن لدى أمريكا الآن فرصة فريدة كي تحقق لجيل كامل من المواطنين السلام والرفاهية. لكن هذا الهدف لا يمكن التوصل إليه إلا إذا تغلبت أمريكا على الأزمة الاقتصادية المخيفة. لذلك فإن الرئيس الأمريكي يعلن تخلي الولايات المتحدة الأمريكية عن تعهدها بتحويل الدولار الأمريكي إلى ذهب.