قواسم رفض ما يمثله «الدردري» تتجاوز الحدود السورية
إن كانت السياسات الاقتصادية السورية المتبعة في السنوات الخمس الأخيرة لما قبل انفجار الأزمة هي من أهم أسباب تحول التوتر الاجتماعي إلى انفجار، بما حققته من مستويات لم تشهدها البلاد من الفقر والبطالة، فإن زيارة «عراب» هذه السياسات عبد الله الدردري نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية سابقاً، والخبير الاقتصادي ومبعوث «الإسكوا» لإعادة إعمار سورية حالياً، لاستكمال محاولات التحكم بطبيعة التحول الذي تنحوه البلاد وتوجيهه في مسارات تعيدنا إلى عهد سياساته الاقتصادية
«إعادة الإعمار: القطبة السورية المخفية!»
ففي سياق التحضيرات للمؤتمر الدولي المزمع عقده حول سورية في المدى المنظور، أطل علينا الدردري بعد غياب طويل بما حمله في جعبته من «مارشال سوري» لإعادة إعمار سورية وفق وصفات البنك الدولي، وهذا حسب تعبير صحيفة الأخبار اللبنانية في عددها 2006 تحت عنوان (إعادة الإعمار: القطبة السورية المخفية!) التي جاء فيها:
يستند «مارشال السوري» من حيث جوهره إلى المدرسة الليبرالية في الاقتصاد، ومن حيث التطبيق فإنه يستند إلى قروض على دفعات من البنك الدولي تصل إلى 20 مليار دولار، مشروطة باستكمال تحرير التجارة والخصخصة، وبرفع الدعم كلياً وإنهاء دور الدولة في السوق، وبتشريعات تسمح للاستثمارات الأجنبية باستقدام ما يصل إلى 40% من عمالتها من خارج سورية، إضافة إلى سياسات ضريبية شديدة التساهل مع الاستثمار الأجنبي. ويرى كاتب المقال أن «الانتقال الواسع خلال الشهر الماضي إلى ساحة العمل العلني في ما يخص نموذج سورية الاقتصادي اللاحق عبر جملة من المشاريع والمخططات التي تعمل عليها هيئات بحثية دولية أو مدعومة دولياً، يجد ما يفسره ليس في اقتراب استحقاق إعادة الإعمار فقط، بل يجد تفسيره أيضاً في أنّ ذلك «الحل السياسي» ذاته، ليس سوى استمرار للمعركة الدولية التي لم تكسر عظم أحد حتى الآن، ولكن بإحداثيات جديدة سيكون التوجه الاقتصادي اللاحق بينها دون أدنى شك. ولذلك فإن معركة سياسية كبيرة ستخاض لتحديد الطريقة التي ستتم من خلالها عملية إعادة الإعمار، لأن نموذج سورية ما بعد الأزمة الاقتصادية، والسياسية إلى حدّ بعيد، إنما سيتحدّد على طريقة تنفيذ إعادة الإعمار، وهذا بالرغم من رأي الدردري، في مقابلة أجرتها معه Syrian pages، الذي قال فيها بأن «السؤال حول شكل الاقتصاد هو اليوم خارج سياق البحث، لأننا بحاجة لإعادة الإعمار أولاً».
«سورية: القفزة الليبرالية... إلى الهاوية»
إن المتطلع على المشهد السوري يعي تماماً السخط الاجتماعي لما حملته رياح «اقتصاد السوق الاجتماعي»، ولما ستحمله رياح الدردري الدولية الجديدة، وهو ما عبر عنه ملحق «السفير العربي» لصحيفة «السفير» اللبنانية أيضاً في عددها الصادر في 22/5/2013 في مقال بعنوان (سورية: القفزة الليبرالية... إلى الهاوية). ويقول الكاتب: «نقلت اللبرلة الاقتصادية بين عامي 2004-2007 ما يقرب من 22 في المئة من السكان المصنفين «تحت خط الفقر الأعلى» نحو عتبة «تحت خط الفقر الأدنى»، أي بإضافة ما يقرب من 4.5 ملايين إنسان إلى 2.3 مليون يمثلون 12.3 في المئة من السكان الموجودين سلفاً تحت خط الفقر الأدنى، ليصبح 34 في المئة من السوريين تحت خط الفقر حسب أرقام العام 2008 الواردة في «التقرير الوطني الثاني عن الفقر وعدالة التوزيع في سورية».
«.... وقد وصلت نسبة البطالة إلى 16.5 في المئة العام 2009، أي 3.4 ملايين عاطل عن العمل من مجمل حجم قوة العمل السورية، بسبب إفلاس مئات المنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة، والخسارة الهائلة التي مُني بها قطاع الزراعة، بنسبة 44 في المئة من حجم قوة العمل فيه. وهذا لم يتأتّ من الجفاف في المنطقة الشرقية فحسب، بل من التهميش الحكومي وإحجام القطاع الخاص عن الاستثمار به. تراجع حجم قوة العمل الزراعية في ريف دمشق بين العامين 2002 - 2008 بنسبة 60 في المئة، وفي حلب بنسبة 54 في المئة، وفي السويداء بنسبة 67 في المئة. ولم يتمكن الاقتصاد الوطني من خلق سوى 90 ألف فرصة عمل صافية بين عامي 2004-2008، في حين كان يلزم فعلياً تأمين 720 ألف فرصة عمل حقيقية».
«تنازلات اقتصادية .... لمن؟»
وتحت هذا العنوان عادت «الأخبار» في عددها ليوم الجمعة 24/5/2013 لتفرد مساحة أخرى تحدث فيها كاتبها عن استقبال الحكومة السورية «للعراب» بما يمثله من تاريخ أسود، عشية قرار رفع الدعم عن الغاز وحديث يتداول بين الناس عن خطوات لاحقة شبيهة تستهدف المواد الأساسية للمواطن السوري، تحمل في طياتها أسئلة وإشارات استفهام للحكومة «لماذا الاستعجال على رفع الدعم؟ ولمن تقدّم هذه التنازلات؟ أسئلة مشروعة يوجهها المواطن السوري، وابحثوا عن أجندة «الاسكوا» مجدّداً، حسب تأكيد الصحيفة:
«إنّ الحكومة الحالية مطلوب منها تعبيد الطريق لحكومة المرحلة اللاحقة. مرحلة استتباب الاستقرار. وعمل أقصى ما يمكن لرفع الدعم عن السلع الأساسية تمهيداً للمشروع المرتقب».. «ويظهر استقبال الدردري كرسالة سياسية للخارج تفيد بأنّ دمشق منفتحة في هذا المجال. المقداد قال بعد اللقاء إنّ بلاده «تنظر الآن باتجاه المستقبل وبدء الحوار الوطني، وهي مصممة على إعادة البناء والإعمار بالتوازي مع استعادة الأمن والأمان»...!