في «معركة الدعم».. من يتحمل المسؤولية؟
أصدرت الحكومة السورية قراراً يقضي برفع سعر أسطوانة الغاز المنزلي من 450 إلى 1000 ليرة سورية. هذا القرار، الذي يعكس تخلياً جزئياً عن سياسة دعم المواد الأساسية، جاء عشية بدء التحضيرات لعقد المؤتمر الدولي حول سورية الذي يتوقع أن تنبثق عنه حكومة وحدة وطنية، الأمر الذي يعني أن هذا الإجراء قد يكون من أواخر إجراءات الحكومة الحالية، فلماذا هذا التوقيت؟ ومن يخدم هذا القرار؟
إن الادعاء بأن هذا القرار هو جزء من استراتيجية ما لمعالجة الأزمة الاقتصادية هو إدعاء كاذب، لأسباب عدة، أهمها بأن هذا النوع من الإجراءات لم يكن يوماً في مصلحة الاقتصاد الوطني أو المواطن، لا قبل الأزمة ولا بعدها ولا خلالها بالطبع، ولاسيما إذا لم يقترن بإجراءات مقابلة كرفع الأجور أو تعويض المواطن بسلة استهلاكية بديلة، بل هو يشكل امتداداً لسياسات الفريق الاقتصادي الراحل لحكومة العطري- الدردري سيئة الصيت التي أسهمت إلى حد كبير في إيصال البلاد إلى أزمتها الحالية. السبب الثاني هو توقيت هذا القرار الذي جاء في لحظة انعطاف حرجة تشهدها البلاد تبدأ مع التشكيل المرتقب لحكومة وحدة وطنية من جنيف مهمتها إطلاق حل شامل للأزمة السورية بإحداثياتها المختلفة من بوابة وقف العنف. أما السبب الأخير فهو أسلوب تعاطي الإعلام الرسمي وشبه الرسمي مع مسألة الرفع المتتالي للدعم ومحاولة تحميل المسؤولية عن ذلك في غير اتجاهاتها الحقيقية.
ولعل السبب الأخير يجاوب من تلقاء نفسه عن جزء مما وراء هذا القرار، فإضافة إلى محاولات الإساءة للمعارضة الوطنية التي شاركت في الحكومة وأبلت بلاء حسناً في مشاركتها تلك، قياساً بحجم التحديات والأولويات المطروحة، يمهد هذا النوع من القرارات الطريق أمام «الخطة ب» التي تعني تحالف الفاسدين الكبار من الطرفين، النظام والمعارضة، الذين كانوا في موقع التشدد على طول خط الأزمة السورية، والذين يجبرهم التوازن الدولي الراهن للذهاب إلى الحل السياسي، فلا يجدون طريقاً تبقيهم في مواقع النهب إلا عبر استنزاف الشعب السوري في حياته المعيشية، وشل قدرته عن تقرير مصيره، وإخضاعه إلى الأمر الواقع الذي يفرضه هذا النوع من القرارات، ولنا في نتائج سياسات الفريق الاقتصادي الراحل خير مثال على ذلك، فهو الذي أوصل البلاد إلى هذه الدرجة من التأزم، ويسعى بقاياهم اليوم للإجهاز على ما تبقى..
إن الأزمة الاقتصادية التي تشهدها هي نتيجة للأزمة السياسية التي تواجهها البلاد:
- عقوباتٍ اقتصادية وحصارٍ جائر من جانب الغرب
- الوضع العسكري والأمني المتوتر على الأرض
- الفساد الكبير الذي لم يكن سبباً للأزمة فحسب، بل ضاعف من معدلات نهبه خلالها وزاد.
وهكذا فإن الأزمة الاقتصادية سيكون حلّها سياسياً وليس اقتصادياً.. لذا فإن الذي يتحمل المسؤولية عن التضييق على معيشة الشعب السوري ولقمته هم أولئك الذين راهنوا منذ انفجار الأزمة السورية على أوهام الحلول العسكرية بشقيّها: «الحسم» و«الإسقاط»، فرفضوا الحل السياسي، ومارسوا كل أشكال العنف، ودمروا أجزاءً واسعة من الاقتصاد الوطني والبنية التحتية، دون أدنى درجة من المسؤولية الوطنية الحقيقية. أولئك هم الذين أوصلوا البلاد إلى أزمتها الاقتصادية، وهم من سيدفع الثمن..