كارل ماركس على حق (2 -2)
بهذا القرار قوض الرئيس الأمريكي أركان نظام أسعار الصرف الثابتة للعملات العالمية. هذا النظام الذي أسبغ الاستقرار على الاقتصاد العالمي على مدى ربع قرن من الزمن، وساهم في خلق ازدهار اقتصادي مشهود
فقد عمل نظام أسعار الصرف الثابتة على خير ما يرام، ونشر الاستقرار في الاقتصاد العالمي، وصان أسواق المال من التعرض لشطط وإسراف مبالغ فيهما. بيد أن نظام أسعار الصرف الثابتة تعرض لرجات قوية في نهاية الستينيات. فالأمريكيون كانوا قد دأبوا على طبع مزيداً من الدولارات الورقية بغية تمويل حربهم في فيتنام. فهم صاروا يغرقون الأسواق بعملتهم، تماماً كما يفعلون اليوم، لكنهم ومع مرور الأيام أصبحوا يواجهون صعوبات جمة في العثور على من يرضى بالاحتفاظ بعملتهم. فكثير من الأطراف المتوافر لديها الدولار تتطلع إلى تحويله إلى ذهب، ففيما بات الدولار يخسر قيمته بوتائر سريعة، أصبحت عملات أخرى تسجل ارتفاعاً متواصلاً في قيمتها. ولهذا السبب أخذ الأمريكيون، بدءاً من عام 1968 يستجيبون لطلبات المصارف المركزية فقط لصرف قيمة العملة الورقية بالذهب؛ غير أن هذا التدبير لم يجد نفعاً أيضاً. فاحتياطي الذهب في خزائن (فورت نوكس) صار يتآكل من يوم إلى آخر، وأشرف على النفاد. وهكذا لم يبق أمام نيكسون سوى الاعتراف بأن النظام النقدي القائم على أسعار صرف مثبتة مقابل الدولار قد مات. وقد بذلت الدول الأوروبية قصارى جهدها لإعادة الحياة إلى نظام أسعار الصرف الثابتة. غير أن هذه الجهود باءت بالفشل في نهاية المطاف، ولم تستطع الحيلولة دون بلوغ هذا النظام نهايته المحتومة في العام 1973 . وكان آرثر برونز محافظ البنك المركزي في إدارة ريتشارد نيكسون قد تنبأ في السبعينيات من القرن العشرين باندلاع مخاطر جمّة، فوفق تنبؤاته، يؤدي تحرير أسواق المال إلى شقاء الإنسانية بكل تأكيد. وها نحن بعد أكثر من ربع قرن نجد باول فولكر أحد أهم المستشارين الاقتصاديين في إدارة باراك أوباما يصرح في نيسان عام 2008 إنه لمن الصعب جداً الزعم بأن النظام المالي العالمي الجديد قد حقق منافع ذات بال. وهذا النظام لم ينجح في اجتياز الاختبار على الرغم من توافر لاعبين موهوبين له، وعل الرغم من التسهيلات العظيمة التي تمتع بها. وقد قرأت تصريحاً لأحد العاملين المخضرمين في أضخم بنك للاستثمار في وول ستريت في أمريكا يقول فيه : «كلما طال بقائي في وول ستريت، ازدادت قناعتي أن كارل ماركس على حق في تحليله الاقتصادي لعالم رأس المال» . وجائزة نوبل تنتظر ذلك الاقتصادي الذي سيبعث ماركس ويجمع آراءه كلها في نموذج متماسك. أنا مقتنع بالكامل أن طرح ماركس هو أفضل طريقة لرؤية حركة رأس المال وأهله. لأن الرأس مال هذا أخضع الكائنات البشرية للتهالك على كسبه واختزانه. ألم يؤمن كارل ماركس يقيناً أن الطريقة التي يعمل بها المجتمع على تنظيم الإنتاج تصوغ في النهاية مواقف الناس ومعتقداتهم.