الإرادة الشعبية.. لأن الشعب يريد
لا يكفي لأي حزب أن يقول عن نفسه إنه حزب طليعي حتى يكون كذلك، فالحزب السياسي ليس غاية في حد ذاته، بل هو أداة لتحقيق هدف محدد، وعليه أن يلعب دوراً وظيفياً يحقق له أهدافه، وإلا فلا معنى لوجوده.
هذه الحقيقة البسيطة تتأكد وتتضح يوماً بعد يوم، ولكنها لم تكن كذلك بالنسبة للحركة السياسية بالعموم،الحركة التي شهدت تراجعاً حاداً في النصف الثاني من القرن الماضي مما جعلها تعيش نكسات مستمرة عانى منها معظم أحزابها وقواها الأساسية، ومما عزز حالة العجز السياسي في بلدان العالم الثالث هو البنية والتركيبة السياسية والثقافية لهذه البلدان التابعة في أغلبها للمراكز الرأسمالية، الأمر الذي أخذها نحو الانكفاء علىنفسها والاكتفاء بحياة داخلية فئوية أو نخبوية، واتخاذ موقف الانتظار الانتهازي والسلبية والانغلاق على الذات والعجز عن الفعل السياسي، ما أدى في المحصلة النهائية إلى حالة الانفصام عن المجتمع والجماهير، وخاصة الفئات الشابة منها. وحقيقة الأمر أن المشكلة لم تكن بالجماهير أو بالشباب، بقدر ما كانت بالحركةالسياسية نفسها، وهكذا ترك الشباب لآلة الإعلام المتحكم بها عالمياً من الرأسمال العالمي وجميع أشكال التلاعب بهم.
استمر، عند البعض، على الرغم من كل ما تشهده المنطقة والعالم من تطورات هائلة، استمر في الخطأ السياسي المتمثل بالعمل الفوقي واختصار السياسة إلى إصدار الكراسات النظرية الموجهة للجماهير، وتوزيع الصحف، والاعتقاد أن أعدادها الضخمة كافية للتعويض عن العمل السياسي الحقيقي المطلوب، وقد ساد اعتقادضمني أنه يكفي أن يطلق الحزب دعوة عامة حتى تهب الجماهير للنضال إلى ما يدعو إليه، وهذا التصور الانتهازي كان أحد مظاهر العفوية النموذجي، وهو ما حال دون رؤية حجم المهمات السياسية والتنظيمية الأساسية الحقيقية والعميقة التي تقع على عاتقها إن هي أرادت دفع الحركات الجماهيرية قدماً لتحقيق مطالبهافضلا عن التأثير بها وقيادتها.
آن الأوان لندفن موتانا..
إن أسوأ أنواع الانتهازية السياسية هو الانتهازية المعرفية، وقد حاول بعض المتمركسين العرب ومدعي اليسار الذين رغم إصرارهم على الظهور كشخصيات يسارية مستقلة إلا أنهم يمثلون تياراً، حاولوا إطلاق رصاصة الرحمة على الحركة الشيوعية في المنطقة العربية ودفنها (وعلى وجه الخصوص الحزب الشيوعيالسوري باعتباره أهم ما في هذه الحركة وعمادها) بحجة أن هذه الحركة لم تكن فاعلة وقد شاخت، وهي تحمل من الأمراض ما استعصى على العلاج، وهذا ما ينطبق عليه القول: كلام حق يراد به باطل، فالحركة الشيوعية العربية، والحزب الشيوعي السوري منها، هي إحدى المكونات الأساسية للحركة السياسية، وهي تحملبعض أمراضها فعلا، ولكن التوقيت الذي طرحت به «أفكار الدفن» والطريقة التي طرحت بها، قبيل الأحداث التي عصفت بالعالم العربي ككل، أي في الوقت الذي نضج الظرف فيه لولادة فضاء سياسي جديد على أنقاض الفضاء السياسي القديم الذي بدأ يموت، توقيت كهذا غايته حشر الحزب الشيوعي السوري سلفاً فيالفضاء الميت قبل تبلور واكتمال هذه العملية. وفي المضمون الذي حملته هذه الطروحات فإنها عمدت إلى محاولة تشويه تاريخ الحزب والتغطية على الأسباب الحقيقية لأزماته لقطع الطريق أمام أية إمكانية لتجاوز الأزمة.. وإذا كنا لا نحكم على النوايا التي دفعت بهؤلاء لهذا التحليل عشية انفجار الحراك الشعبي في المنطقةوبدء تكون الفضاء السياسي الجديد، ولكن بما أن الأمور تقاس بنتائجها، فبإمكاننا الحكم عليها من هذا المنطلق، وتحديداً فيما يخص الحزب الشيوعي السوري، صاحب التاريخ العريق والنضالات المشرفة التي حُفرت في وجدان الشعب السوري وعلى رأسها نضالاته في سبيل الاستقلال ونضالاته الطبقية (خاصة ضدالإقطاع) والتي يعرفها الفلاحون، وتحديداً ممن عاش تلك المرحلة ومازالوا على قيد الحياة ويتذكرونها جيداً، وهؤلاء المتمركسون (إذا أخذنا بحسن النوايا) يعبرون عن حالة عجز تمثلت بكونهم نخبا لا علاقة لها بالجماهير ومطالبها..
الفضاء السياسي الجديد لا يأتي من العدم، فهناك الجديد القادم من رحم القديم، وهناك القادر على التكيف والانعطاف مع المرحلة، وهو مشروط بقدرته على التجاوب مع استحقاقات المرحلة.. وهناك الذي سيموت فعلاً، فأصل القول الذي اقتبس منه بعض المتمركسين موجود في الكتاب المقدس: (دع الموتى يدفنون موتاهم)والفضاء السياسي الجديد سيمنح هؤلاء حيزاً واسعاً ليدفنوا موتاهم.
اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين.. والإرادة الشعبية
خصوصياتها: فضحت حالة الانتهازية السياسية عبر رفضها للثنائيات الوهمية التي بدأت بثنائية معارضة /نظام... وتعميقها لحالة الفرز العميقة والمستمرة بين كل الأطراف وفي مختلف المجالات، حتى أنها لم تستثن نفسها من حالة الفرز القائمة، استفادت إلى أقصى حد وبكل شجاعة من الإمكانيات المتاحة للعمل على رفعمستوى نشاط الحزب السياسي والتنظيمي وبالملموس وعبر جريدتها قاسيون من خلال ملامسة وفتح الملفات الأساسية والقضايا المفتاحية لسورية الجديدة والمختصرة بإدراكها المبكر لتلازم المسارات الثلاثة الحاملة لوجه سورية بين الاقتصادي الاجتماعي والوطني والديمقراطي
الارادة الشعبية: يفترض في كل جديد أن يظهر بأكثر الأشكال جدة، فالجديد لا يظهر بالثوب القديم، وانطلاقاً من هذا المبدأ فقد أعلنت اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين في مؤتمرها التاسع الاستثنائي نفسها حزباً، وذلك بعد أن عرّفت عن نفسها طوال السنوات التسع الماضية كحالة، ومن ثم كحركة في طور انتقالينحو تشكلها كحزب. كان المعيار الأساسي لإعلان اللجنة حزباً هو تأدية الدور الوظيفي الذي حددته باعتراف الجماهير بها، وجاء الإعلان بعد تقييم الدور الذي تلعبه اللجنة في حياة البلاد حالياً على ضوء نضالات متواصلة طوال فترة وجودها. ولكي يتبلور الشكل الجديد بوضوح سمى المؤتمر حزبه بحزب الإرادة الشعبية،وكان هذا استجابة لمتطلبات مرحلة تاريخية جديدة سمتها وعنوانها الأساسي: الشعب يريد، فالشعب اليوم يريد ليس في سورية والعالم العربي فقط، بل الشعب يريد في كل بقاع الأرض ويرسم الخارطة الجديدة لعالم جديد. وجاء تغيير الاسم منسجماً مع التراث اللينيني حيث غير حزب لينين اسمه عام 1918، ليثبت انتصار1917 من جهة، ولكي يقطع مع الأممية الثانية أممية الاشتراكية الديمقراطية التي شوهت بانحرافاتها المتتالية اسم الاشتراكية الديمقراطية في أذهان ووعي الجماهير الواسعة، وفي السياق ذاته جاء تغيير الاسم ليثبت صعود قطب الشعوب الذي غدا واقعاً ينبغي دعمه وتعميقه، وليقطع مع التسميات التقليدية التي شوههاحاملوها في وعي ووجدان الجماهير.. هذا من جهة ومن الجهة الأخرى فإن واقعاً جديداً يفرض نفسه اليوم على المقولات الكلاسيكية ليطورها وينقحها ويفسح المجال لولادة الجديد باسمه الجديد.. ففي الوقت الذي مثلت فيه الأحزاب الشيوعية الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء في مرحلة تاريخية محددة، فإنها اليوم ونتيجةالتمركز العالي للثروة والذي وضع البشرية في مواجهة حادة مع الرأسمالية كأسلوب إنتاج يهدد وجودها، أصبحت الحلول التي تقدمها الأحزاب الشيوعية وعلى رأسها الاشتراكية هي المخرج الوحيد من احتمالات الفناء التي تفرضها الرأسمالية، وبناء على ما تقدم فإن الإرادة الشعبية الواعية اليوم تريد القضاء على الرأسماليةفي الكوكب جميعه.