أي المعارضات تخدم فساد النظام أكثر؟

أي المعارضات تخدم فساد النظام أكثر؟

 يسود الشارع السوري على اختلاف اصطفافاته بين موالٍ ومعارض شعور عام بالخذلان والإحباط من خطاب وسلوك القوى السياسية المختلفة في كافة الجهات المروّج لها إعلامياً بقوة، من بعض قوى النظام، أو بعض معارضته، يتمثل بالتراجع المتزايد لشعبية تلك القوى الأقصوية والمتطرفة في الجهتين،

ومشاعر القلق والسأم من استمرار العنف والعنف المضاد، وتفاقم الأزمات على كافة الصعد الأمنية والاقتصادية-الاجتماعية. ولما كان من المتفق عليه عند معظم السوريين أنّ هناك جزءاً فاسداً قابعاً داخل النظام يجب محاسبته ومصادرة ثروته التي نهبها من إنتاج الشعب السوري، فإنّ من الضروري أن يتعرّف السوريون على الشركاء الآخرين لهؤلاء الفاسدين، داخل المعارضة، سواء بوصفهم شركاء سابقين انشقّوا عنه، أو يحملون مشروعاً غير معلن لمحاصصة أولئك الفاسدين على حساب الشعب. وبعد تجربة حوالي ثمانية عشر شهراً من الأزمة، وتجربة السوريين مع خطابات وممارسات المعارضات المختلفة، تجمّعت مؤشرات كافية - ولا سيما بعد مؤتمري المعارضة الأخيرين داخل سورية - لمعرفة أيّ المعارضات تخدم فساد النظام أكثر...

خدمات مجلس اسطنبول والمعارضة المسلحة:

- أولاً: خطاب وسلوك التحريض على العنف والطائفية:

والأدلة عليه واضحة وموثقة ولا داعي للخوض في تفاصيلها المعروفة، ولكن المهم أنّ نتيجتها، عدا عن الضرر المباشر الذي ألحقته بالسوريين بشراً وحجراً، كانت إعطاء الحجة التي كانت تنتظرها الأطراف الفاسدة والطائفية والقمعية المشابهة داخل النظام للمشاركة بهذا الضرر من جهتها عبر الهجوم على الحركة الشعبية السلمية.

- ثانياً: خطاب وسلوك لا وطني مهادن سراً وعلناً لأعداء الشعب السوري من صهاينة وإمبريالية أمريكية وغربية:

الأمر الذي سمح للبعض داخل النظام من المتاجرين بالموقف الوطني التاريخي للشعب السوري بالاستفادة من العمالة والخيانة المفضوحة من جانب مجلس اسطنبول، من أجل تبييض صفحتهم وصولاً إلى المزاودة حتى على وطنية الشعب السوري نفسه عبر تخوين كلّ معارض سياسي أو متظاهر سلمي ونعته بالـ«مندس»،  وتشديد القبضة الأمنية على النشاط الشعبي والسياسي السلمي الوطني بحجة مواجهة المؤامرة.

- ثالثاً: البرنامج الاقتصادي الاجتماعي لمجلس اسطنبول:

وهو يتلاقى مع برنامج قوى الفساد الليبرالية البرجوازية الكبرى داخل النظام، ولا يختلف معها إلا بالمنافسة على الحصة من كعكة الفساد، في حين يتفق الطرفان على استمرار النهب وبنسب متزايدة من دم وعرق الطبقات الكادحة التي تشكل أغلبية الشعب السوري.

خدمات هيئة التنسيق:

أولاً: المواقف السياسية المتقلبة والمتذبذبة للهيئة عبر مراحل الأزمة:

إذ انساقت الهيئة بادئ الأمر مع الشعارات المتطرفة التي ألقيت في الشارع، وساهمت في تعزيز الانقسام الوهمي الحادّ بين معارض وموالٍ، وحتى بعد أن رفعت شعارات «لا للعنف» و«لا للتدخل الخارجي» ظلّت مواقفها ضعيفة بسبب عدم انسجامها من الناحية السياسية، وذلك لمحاولتها دائماً «التنسيق» بين مواقف متناقضة، إذ كيف يمكن التوفيق بين رفض العنف، وغض الطرف بالوقت نفسه عن استمرار نشاط المعارضة المسلحة؟! وكيف يمكن التوفيق بين رفض التدخل الخارجي، والوقوف ضد الفيتوات الروسية-الصينية في مجلس الأمن والتي أجهضت أكثر من مرة محاولات التدخل الخارجي؟!

وماذا كانت النتيجة العملية من اتخاذ الهيئة موقف الإقصاء إزاء قوى المعارضة الوطنية الأخرى؟ ألم يساهم ذلك في عرقلة تجميع قوى المعارضة الوطنية وتنسيق جهودها لبلورة قطب معارض وطني واسع ليدخل حواراً سياسياً جدياً وندياً مع النظام؟ ألم يعزز موقفهم هذا موقع أعداء الحوار والحل السلمي، ويشجع القوى المتطرفة والعنفية داخل النظام وداخل المعارضة على الاستمرار في تعقيد الأزمة السورية؟ ألا يصب موقف الهيئة العملي هذا في نهاية المطاف، وبغض النظر عن النوايا، في خدمة الفاسدين داخل النظام ويؤجل محاسبة المسؤولين عن العنف وإراقة الدم السوري، ويؤخّر الخروج من الأزمة؟

ثانياً: برنامج الهيئة الاقتصادي-الاجتماعي غير المعارض لبرنامج قوى الفساد الكبرى داخل النظام:

صمت الهيئة وعدم طرحها لبرنامج اقتصادي-اجتماعي واضح لسورية الجديدة، الذي لا يمكن أن يأتي بتغيير حقيقي إلا إذا كان معارضاً لبرنامج قوى الفساد داخل النظام، هو أمر يعدّ بحد ذاته نقطة التقاء وأرضية مشتركة مع تلك القوى، وخطورته تكمن في أنه يحمل إمكانية مشروع خطة بديلة معدّلة – «خطة ب» معدّلة – بمعنى عقد صفقة محاصصة السلطة والثروة مع معارضة ربما تكون أكثر قبولاً في الداخل وأقل تشدداً من مجلس اسطنبول، على برنامج حدّ أدنى يمضي بسورية نحو تغيير شكلي و«حكومة انتقالية» يقصى عنها برنامج قوى المعارضة الجذري الاقتصادي-الاجتماعي الهادف لأعلى نمو وأعمق عدالة اجتماعية وإعادة توزيع الثروة لمصلحة المنهوبين على حساب الناهبين، وتحرير الاقتصاد السوري من هيمنة الاقتصاد الرأسمالي العالمي. ولهذا السبب بالذات نجد أنّ بعض الأطراف الإمبريالية الغربية – الفرنسية تحديداً -  أعطت تصريحات ارتياح إزاء مؤتمر هيئة التنسيق الأخير في دمشق، وقبول «بأية حكومة انتقالية»، وذلك لأنهم وجدوا بعد مؤتمر الهيئة مستنداً ليس لأية حكومة انتقالية طبعاً، بل لشكل محدد يرضيهم من الحكومة الانتقالية، شكل يكون على حساب التغيير الحقيقي الجذري الذي تشارك فيه أوسع أطياف القوى الشعبية والسياسية الوطنية في سورية، وما كان للفرنسيين أن يقبلوا به لولا أنه يؤمن على ما يبدو، وفي الوقت نفسه مصالح الجهات الفاسدة المرتبطة بالمصالح الغربية من فاسدين داخل«معارضة الحزب الواحد»، وداخل «نظام الحزب الواحد» بعد تأمين مخرج لكليهما عبر المحاصصة.

موقع قوى التغيير الديمقراطي السلمي:

بعد توضح المواقف المختلفة للنظام ومعارضاته تلك، ما هو موقع المعارضة الوطنية الجذرية المتمثلة سياسياً بتحالف قوى التغيير الديمقراطي السلمي، التي تضم بين مكوناتها الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير؟

عندما يتعرّض هذا التحالف المعارض للهجوم والإقصاء من  المتشددين من داخل النظام، ومن خارجه من المعارضات التي تعتقد أنها تحتكر «صكوك المعارضة» لاعتبارات ضيقة حزبية وشخصية، ألا يساعد ذلك على توضيح الفرز أكثر بين القوى السياسية أمام المجتمع بين من يريد تغيير النظام تغييراً حقيقياً جذرياً شاملاً اقتصادياً وسياسياً وديمقراطياً لمصلحة الأغلبية الطبقية الساحقة من الشعب السوري من جهة، ومن يريد تغييراً شكلياً يسقط فيه بعض الأشخاص ويحافظ على نظام استغلال وقمع طبقة الأثرياء ورجال الأعمال لبقية طبقات الشعب الكادحة، من جهة أخرى؟

نبشّر كلّ المذعورين من التغيير الوطني الجذري الشامل، أياً كان موقعهم، في بعض النظام أوبعض معارضته، ورعاتهم في الخارج، بأنّ هذا التغيير قادم لا محالة، بسواعد الشعب السوري وقواه الحية، الشعبية والسياسية، والتي ستبني سورية الجديدة، سورية المقاومة والمستقلة بقرارها السياسي والاقتصادي الوطني عبر إقامة سلطة الشعب من أجل الشعب!