في حوار مع إذاعة «شام إف إم» د. قدري جميل:  المكاشفة بالحقيقة مع الشعب هي الأفضل..

في حوار مع إذاعة «شام إف إم» د. قدري جميل: المكاشفة بالحقيقة مع الشعب هي الأفضل..

 د. قدري سأبدأ معك من التحضيرات لإطلاق مؤتمرين للحوار، الأول مؤتمر الإنقاذ بمشاركة هيئة التنسيق وعشرة أحزاب على الأقل، ومؤتمركم من جهة أخرى، واعرف أن التنسيق مع هيئة التنسيق مستمر حتى اللحظة، فهل يمكن حدوث شيء مختلف خلال الأيام القادمة؟!

لا يوجد تنسيق مع هيئة التنسيق، ولكن هناك اتصالات، وهي حسمت الموضوع من جهتها، وقررت عقد مؤتمرها، ولا أعلم عدد الأحزاب والقوى المشاركة في مؤتمرها، لأن العدد يتناقص يوماً بعد يوم، وكثير من القوى التي كانت تنوي المشاركة في المؤتمر الذي تديره هيئة التنسيق قررت التوقف عن المشاركة، وطالبت المشاركة في المؤتمر الذي نخطط له، ونحن مصرّون من جهتنا حتى هذه اللحظة على عقد مؤتمر يجمع أوساط المعارضة السورية كافة في الداخل، ولن نكون البادئين في مؤتمر لا يوحد أو يجمع صفوف المعارضة، وإذا لم تتوصل هيئة التنسيق إلى حل معنا، سنجبر عندها على جمع كل القوى المتفقة معنا، ونعقد مؤتمراً معها، وسنستمر في بذل الجهود لعقد مؤتمر يجمع كافة قوى المعارضة..

وأريد تثبيت الأمور التالية:

أولاً: رغم كل الخلافات مع هيئة التنسيق بالقضايا السياسية، إلا أننا نرى بأنهم قوة وطنية انطلاقاً من وثائقهم، دون الحديث عن تصريحات هذا القيادي أو ذاك، أو التصريحات السابقة التي اختلفنا معها، وهنا أتكلم عن مواقفهم الاخيرة، وفي السياسة،فإن المطلوب الفعل الملموس في الواقع الملموس، والواقع الملموس يؤكد أن هيئة التنسيق أبدت تأييدها للحوار دون شروط مسبقة، أي أن موقفها قد تطابق مع موقفنا الذي نقول به منذ 10 تموز 2011اللقاء التشاوري الذي لم تحضره الهيئة، وتأسفنا  لعدم حضورهم،واعتبرنا في حينه أنه تم تأجيل حضورهم لمؤتمر الحوار، وتمنينا أن يعيدوا النظر في موقفهم..

ثانياً: هيئة التنسيق قوة وطنية لكونها معادية للتدخل الخارجي، وإذا كان هناك بعض الالتباسات في موقفها، فهي نتيجة تطور الواقع الموضوعي، وقوة ما تطرحه الحياة، وأكثر تلك الالتباسات قد زالت..

هيئة التنسيق بحزبها الاساسي «الاتحاد الاشتراكي برئاسة حسن عبد العظيم» ما تزال تعمل بعقلية الحزب القائد، وبعقلية المادة 8 من الدستور القديم،ونحن كمعارضة كنا دائماً نطالب بتعديل هذه المادة، التي تقول بدور قيادي واحد لحزب واحد على المجتمع والدولة، فهل يعقل أن يأتي أحد من المعارضة ويعمل كحزب قائد في المعارضة؟! فالدستور الجديد يتطابق بمادته الثامنة مع برنامج المعارضة التي تقول بمجتمع حزبي تعددي سياسي، ولا بد من التساؤل: عقلية الإقصاء من تفيد؟! وعقلية توزيع شهادات حسن سلوك من تفيد؟! والحكم على هذه القوى معارضة أم لا من حق من؟!

• هل عرفت ردهم على هذا السلوك تجاهكم؟!

جلسنا معهم، وسألناهم عن سبب استثناء الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير، وقوى ائتلاف التغيير السلمي، فكان الرد، بأنهم لا يقصدون ذلك، فالجميع يستطيع الحضور باستثناء الحزبين الأساسيين في الجبهة (حزب الارادة الشعبية، والحزب السوري القومي)، والذين ستجري دعوتهم كمراقبين، وسألنا عن السبب، فكان ردهم «لأنكم دخلتم الحكومة، وأصبحتم جزءاً منها»،وهنا كان جوابنا، «إن دخول الحكومة كان استناداً لرؤية تشكيل حكومة وحدة وطنية، وهذه الخطوة الأولى في هذا الاتجاه»،واعتبروا أننا أصبحنا بالحكومة، ولكنهم نسوا أننا لسنا جزءاً من النظام بالمعنى السياسي، وبالمفهوم السابق، وسألت حسن عبد العظيم: إذا خرجنا من الحكومة غداً صباحاً هل توافقون أن نكون جزءاً من مؤتمر المعارضة؟! فلم يجب، وكان ردي في حينها، إن موقفهم منا كان سابقاً لدخولنا الحكومة، وأنتم لا تريدوننا معكم منذ زمن، وكان هناك اصرار على استثناء حزب الإرادة الشعبية، والحزب السوري القومي الاجتماعي، وتدخلت أطراف وسيطة لحل الموضوع، فتم الاقتراح عليهم إن هذين الحزبين لا يمكن استثناؤهم، ويجب أن تجري مشاركتهم في التحضير للمؤتمر كغيرهم من أحزاب وقوى المعارضة الأخرى، وإذا كانت المشكلة بكل من د. قدري جميل ود. علي حيدر فليحضروا كضيوف..

• كان لهيئة التنسيق رد يقول إنكم في الجبهة أو الائتلاف تخالفون أبجدية العمل السياسي حين تطرحون المشاركة في مؤتمر للمعارضة وأنتم جزء من حكومة ليست ائتلافية، واعتبروا أنكم مارستم سابقة في التاريخ السياسي؟!

هذا صحيح، فسورية لم تشهد عبر تاريخها حكومة ائتلافية، وبدخولنا الحكومة صنعنا ائتلافاً، ونحن دخلنا على أساس برنامج وليس بناء على مقاعد، والحكومة تبنت ولو جزءاً بسيطاً من برنامج المعارضة في بيانها الحكومي، وهذا ليس الائتلاف الذي نطمح إليه، ولكن نحن واقعيون، وكنا أمام خيار، إما أن تبقى الأمور على حالها، أو ننتظر إلى أجل غير مسمى حكومة الوحدة الوطنية الشاملة، ورأينا أن ننطلق وأن نتحمل العبء والمسؤولية والمخاطرة في إطلاق هذه العملية، وبالتالي، فإن المعارضة هي خيار صاحب العلاقة، ولا يحق لأحد توزيع صكوك غفران، وشهادات حسن أو سوء سلوك، وهذا يناقض أبجدية العمل السياسي..

• هل لديهم موقف شخصي من د. قدري جميل أو د. علي حيدر؟! أم لمجرد دخولكم الحكومة؟! أم أن هناك أسباباً أخرى؟!

اعتقد أن الخلاف كان سياسياً، وهناك تراكمات، ونحن اختلفنا معهم، ورغم ذلك نقول إنهم قوة وطنية على الرغم من وجود التباسات في مواقفهم، حيث كانوا سابقاً يقولون إنهم ضد التدخل الخارجي، وفي الوقت نفسه ضد الفيتو الروسي والصيني، وهذا الموقف ملتبس، أو كالقول برفض العنف، وفي المقابل تأييد تسليح المظاهرات السلمية لكي تدافع عن نفسها، ويبدو أنهم كانوا يريدون إرضاء الجميع، ومن يريد إرضاء الجميع سيبعدهم عنه، وكان موقفنا لا يعجبهم، وهذا ما أدى لتراكمات، لذلك يجب عليهم أن يخرجوا من حالة الإنكار التي يعيشون فيها، ومن اعتبارهم الدائم أن لا وجود لقوى معارضة أساسية سواهم على الساحة السورية، وكأن مفتاح باب المعارضة لديهم، فكيف يمكن أن نكون ذاهبين نحو سورية الديمقراطية التعددية، وتأتي معارضة تمارس بسلوكها هذا الشكل من الإقصاء، وهذا غير مقبول..

• هل الاتصال مع هيئة التنسيق لا يزال قائماً؟!

لا يزال الاتصال قائماً، وحتى اللحظة الأخيرة سيبقى لدينا أمل في عقد مؤتمر مشترك..

• ما هي فرص نجاح عقد مؤتمر مشترك للمعارضة السورية؟!

تتضاءل فرص النجاح مع تقدم الوقت لكي نكون واقعيين، وحتى لو بدأ مؤتمرهم سنبقى نبذل الجهود لكي يتحول مؤتمرهم إلى مؤتمر يجمع كل صفوف المعارضة الداخلية، فهيئة التنسيق مع سبع قوى كانت من الداعين للمؤتمر، وانسحبت خمس من القوى المتحالفة مع الهيئة، وإحدى هذه القوى تيار بناء الدولة، وجرى الاتفاق بيننا وبين أربعة من هذه القوى، ولهذا لدي شكوك بإمكانية نجاح المؤتمر، وهذا شيء غير جيد، لأن الحوار يجب ان ينطلق في سورية، والنظام يقول أنه جاهز للحوار، وهذا أمر جيد، وهيئة التنسيق بإعاقتها تكوين طرف ثان محاور للنظام تمنع انطلاق الحوار..

• ألا تعتقد أنكم تساهمون في إعاقة مؤتمر موحد للمعارضة عندما تدعون لمؤتمر ثان؟!

لم نعلن ذلك حتى الآن، ونحن تكلمنا الحقيقة.

• لم لا تتركون الساحة لهم لكي يعبّروا عن أنفسهم، وليظهروا قوتهم، لكي نرى ما يملكون فعلياً؟!

لدينا مسؤولية أمام أحزابنا وقوانا، وهناك من سيحاسبنا، والواقع بسورية يتطلب تجميع القوى، فهل من المعقول الطلب من 24 حزباً وقوة الوقوف جانباً بانتظار رحمة هيئة التنسيق، وحتى لو عقدنا مؤتمرنا الخاص، فهذا ليس تكريساً للانقسام، فالمؤتمر سيعقد بعد مؤتمر هيئة التنسيق، لكي يُعرف من يتحمل المسؤولية، وعلى الرغم من ذلك ستبقى ايدينا ممدودة لهم حتى خلال المؤتمر الذي سنعقده نحن..

• هل ستستفيد سورية في هذه الحالة؟!

لن تستفيد، ولكن من يتحمل المسؤولية هو من لا يريد عقد مؤتمر موحد للمعارضة.

• عدنا لتقاذف المسؤوليات، في السابق كانت تجري العملية بين النظام والمعارضة، اليوم بين قوى المعارضة ذاتها؟!

لن تستفيد سورية إذا عقدت المعارضة مؤتمراً جزئياً لا يمثل جميع أطيافها، بينما تبقى باقي الأطراف جانباً، فالأطراف التي لا تعترف بها هيئة التنسيق يجب أن تنظم صفوفها، وهذا سيسهل الاتفاق اللاحق مع هيئة التنسيق..

• هل الخلاف مع هيئة التنسيق كونها تريد عقد مؤتمر يوحد المعارضة يكون فيه من البديهيات أن النظام قد سقط وانتهى الموضوع؟! وهل هذا هو جوهر الخلاف معكم؟!

هذا ليس صحيحاً، فوثيقتهم تتحدث عن ضرورة الحوار، وعن استحالة الحسم العسكري من الطرفين للوصول إلى توافق بين الأطراف التي تتواجه في سورية، فنحن متفقون على رفض التدخل الخارجي،وضرورة الحوار، لذلك فعلينا أن نبدأ الحوار..

• ماذا تختلفون في الوثائق مع هيئة التنسيق؟! وهل يمكن أن تذلل الخلافات بين الطرفين؟!

لا توجد خلافات كبيرة، ومن الممكن تذليلها، فنحن منذ 10 تموز 2011 لم تتغير مواقفنا تجاه الأزمة السورية، إلا أن هيئة التنسيق تقترب من مواقفنا القديمة..

• سألت أحمد عسراوي أحد قياديي هيئة التنسيق في لقاء معه عن مشاركة هيثم مناع في مؤتمر الإنقاذ في 23 أيلول 2012، فقال إن الضمانات التي قدمها د. علي حيدر غير كافية على حد قول منّاع في إحدى مقابلاته، وشكك بهذه الضمانات، واعتبر أنه لا يوجد وزير في سورية قادر على إعطاء ضمانات؟

استناداً للحديث سألت د. علي حيدر عن الموضوع، وأكد أنه لم يجر أي اتصال مع هيثم مناع، ولم يجر الحديث عن أية ضمانات، فموضوع الضمانات لم يُبحث مع د. علي، ووزير المصالحة الوطنية قال على الإعلام «إن لديه صلاحيات لإعطاء الضمانات»، ولكن لم يتصل به أحد من الذين يريدون حُضور مؤتمر هيئة التنسيق من الخارج لطلب الضمانات، فلم الحديث بالغيب دون طرحه بشكل ملموس في كل حالة بعينها..

• هناك من انتقدك عند تعيينك بمنصب وزير في الحكومة الحالية، وتساءل عن أسباب عدم الاستقالة من مجلس الشعب في حينها أنت ود. علي حيدر؟!

دستورياً يسمح بالجمع بين الاثنين..

• هل مؤتمركم يهدف إلى توحيد المعارضة أيضا؟!

بالطبع يهدف إلى السير نحو توحيد المعارضة، وإذا لم ننجح بالخطوة الأولى سنصر على النجاح بالخطوة الثانية، فنحن لن نقبل بتهميشنا، لأننا قوة أساسية بالمعارضة قبل الأحداث التي تعيشها البلاد، وبرأينا الحوار يجب أن يبدأ، وتوحيد المعارضة أمر هام،وستبقى يدنا ممدودة نحو هيئة التنسيق، وسننجح بذلك عاجلاً أم آجلا، والتأخير يسبب استمراراً للازمة السورية، فعقد مؤتمر موحد للمعارضة يعني انطلاق الحوار،وانطلاق العملية السياسية..

• هل تم إقصاء المعارضة الخارجية والمجلس الوطني في هذه الحالة؟!

لا يهم إن كان معارضة الخارج أم الداخل، بل إن الأهم، هو تصنيفها على أساس معارضة وطنية أو غير وطنية، وكل معارض وطني بالخارج يمكنه الحضور، وإذا أراد المجلس الوطني المشاركةـ في هذه المؤتمرات، فإن عليه أن يؤكد على الثوابت التي تسمح بالحوار الوطني أولاً، وهي، لا للتدخل الخارجي، لا للعنف،وهذه مبادئ عليا، وليست موضع نقاش، ونلتزم بها نحن كقوى معارضة، ويجب أن نضيف عليها لا للإقصاء، فمن يلتزم بهذه المبادئ ممنوع  إقصاؤه، وتجربتنا السياسية في سورية علمت الجميع أن الإقصاء أمر سيئ جداً، ويؤدي إلى المهالك، وهنا لا بد أن نتوجه إلى هيئة التنسيق لإعادة النظر بموقفها، ونطلب من المجتمع أن يضغط عليها كي يثنيها عن موقفها الانعزالي، والمصادر لحقوق الآخرين، والقائم على إقصاء قوى سياسية هامة..

• ما هي فرص انضمام تيار بناء الدولة إليكم؟! وكم عدد القوى المشاركة في المؤتمر الذي ستعقدونه؟!

يجب سؤال تيار بناء الدولة عن هذه الإمكانية، ولكن هناك تواصل، وعدد القوى المشاركة في المؤتمر يصل إلى 24 قوة، والعدد مرشح للازدياد..

• يشارك معكم قوى ميدانية من البوكمال ودير الزور، فما هي فائدة مشاركة هذه القوى؟!

هذه القوى قادت التحركات الشعبية السلمية في هذه المناطق، ولها نفوذها، فالجبهة الشعبية مؤلفة من 32 مكوناً، اثنان منهم أحزاب، والباقي تجمعات على الأرض للناس الذين يعملون في السياسة..

• هل تواصلتم مع قوى استغنت عن السلاح؟!

نتواصل مع قوى تنوي إلقاء السلاح، والمؤتمر الذي سنعقده سيحمل مفاجآت في هذا الإطار على ما اعتقد..

• هل جرى تحديد موعد للمؤتمر الذي ستعقدون؟!

الموعد سيتحدد عندما تحدد هيئة التنسيق موعداً لمؤتمرها بشكل نهائي دون تراجع عنه، وعندها سنعقد مؤتمرنا..

• منذ أيام أشرت في لقاء تلفزيوني إلى أن الاقتصاد سيصاب بسكتة قلبية خلال ثلاثة أشهر إذا ما استمرت الأزمة، وبعدها ارتفع سعر الذهب، وبات هناك مخاطر على الليرة السورية، وشعرت الناس بالخوف، فما هو وضع الاقتصاد حالياً وأنت النائب الاقتصادي في الحكومة؟!

المشكلة إنه يجري تقييم المقابلة دون أن تتم متابعتها أو سماعها، فالمقابلة ساعة ونصف، ونصفها يدور حول الأمور الاقتصادية،وعبارة «الاقتصاد سيصاب بسكتة قلبية» لا تتعدى الأربع ثوان، بينما أنا تكلمت عن الاقتصاد لمدة 45 دقيقة، ولذلك فهذا اجتزاء، فمن حيث المبدأ، ونحن في الحزب وعلى المستوى الشخصي تعلمنا الحديث بالحقيقة، والتي تعني الواقع الموضوعي، وهي موجودة سواء تمت رؤيتها أم لم تتم، والشعب السوري يستحق أن تكون صريحاً معه، فمنذ عام 1958 والشعب السوري يعيش حالة نقص في الحريات السياسية، وهذا النقص تراكم، وارتبط به أمراض كثيرة، ولم يعد من أحد يتكلم بصدق مع الناس، لذلك لا بد من التساؤل: هل المكاشفة والمصارحة مع الناس أسوأ أم أفضل؟! والبعض يرى فيها بأنها أسوأ، إلا أن الأديب الكبير عمر الفاخوري قال في زمانه: «تقولون إن للحقيقة طعماً حلواً أو مراً، لكن ليس للحقيقة طعم»، وطعم الحقيقة هو الحقيقة..

ما يضر بالحقيقة في حالتنا الملموسة، هو التطمين المبالغ به والتهويل، فعندما أقول إن الاقتصاد بألف خير ومتين، فإني أكذب عليك، وعندما أقول إن الاقتصاد سينهار غداً صباحاً، فإني أكذب عليك أيضا، فنحن نعيش أزمة غير مجهزين للتصدي لها، وطرحت سؤالاً وإلى الآن ولم يجاوب عليه أحد علناً، في عام 1973 لم تنقص ربطة خبز أو اسطوانة غاز، والمازوت كان متوفراً، فلماذا نعاني من مشاكل في هذه القضايا حالياً؟!، فهل ستقول إن حجم المؤامرة منع ذلك!إلا أن المشكلة في الحقيقة هي بالدولة التي فقدت كل أدوات تحكمها بالسوق خلال السنوات العشر الماضية، لذلك حدثت أزمات في هذه المواد، بينما كانت في عام 1973 المتحكم بأسعار المواد الأساسية، وهنا لا بد من التساؤل: كيف سأتحكم بأسعار المواد الأساسية اليوم والتاجر هو الأساسي فيها وليس الدولة؟! فبدلاً من تحرير التجارة الخارجية جرى تقييدها وتسليمها لقلة عوضاً عن الدولة، وهذا الوضع نجني ثماره اليوم، وهذا درس يجب الاستفادة منه، ولهذا فالمكاشفة ضرورية، فمن كلفته أكبر المكاشفة أم عدمها؟! فحبل الكذب قصير، وإذا قررت عدم المصارحة فإنه وبعد ثلاثة أشهر سيكتشف الناس أني خدعتهم، ولذلك من الأفضل مكاشفتهم بالحقيقة، ومطالبتهم المساعدة في حل المشكلة، ولن يستطيعوا المساعدة في الحل ما لم يعرفوا حجم المشكلة، فهي صادمة لأن هناك من أفرط في تطمينهم، وأنا لا اقصد صدمتهم، وإنما كنت أريد ايصال الواقع كما هو..

وسورية بلد مقاوم، هكذا كتب عليها وقدر لها، ولذلك نحتاج إلى اقتصاد مقاوم، ومن غير المسموح أن نمتلك اقتصاداً على الموضة، وهذه ضريبة السياسات الليبرالية الاقتصادية التي حاول البعض تطبيقها في البلاد، كالفلتان بالأسعار وبأوضاع السوق غير القادرين على التحكم بها كدولة..

تبين وجود خللين في الاقتصاد السوري خلال الأزمة بسبب السياسات السابقة، الأول، هو تعطل الخطوط المصرفية بسبب الحصار الأوروبي والأمريكي، لأن التعامل العالمي بالتجارة الخارجية يتم باليورو أو بالدولار، أي أن كل الصفقات ستستمر عبر المصارف الأوروبية أو الأمريكية بشكل مباشر أو غير مباشر، وإذا فرضوا عقوبات، فإن أي صفقة مع أي من بلدان العالم ستتوقف، فتوقفت خطوط الاستيراد عندها، وفي هذه الحالة فإن الاقتصاد مهدد بالسكتة القلبية، فنحن نستورد %50 من حاجاتنا من المشتقات النفطية، وجزءاً هاماً من حاجاتنا الغذائية، وإذا توقف ذلك لفترات طويلة سيصاب الاقتصاد بسكتة قلبية، ونحن تأخرنا، وعندما قلت إنه إذا استمر الوضع على هذا الشكل لفترات قادمة يمكن أن يتسبب بسكتة، فأنا أعرف أننا قادرون على تجاوز هذا الوضع، لأننا قادرون على فتح خطوط التحويل مع الخارج..

والمشكلة الثانية في الاقتصاد هي خطوط النقل، فالغاز في المرافئ، والطحين لا يمكن نقله لبعض المحافظات، والفيول في المصافي، ولكن لا يمكن ايصاله لمحطات الكهرباء التي قد تتوقف لهذا السبب، فلا وجود لاقتصاد دون نقل، وتوقف النقل لا يعود لأسباب اقتصادية، وإنما لأسباب عسكرية وأمنية..

اجتماع العائق الأول (خطوط التحويل) مع العائق الثاني (خطوط النقل)، واستمرارهم لفترة طويلة سيتسبب بسكتة، واقول إن استمرار إيقاف الخطوط المصرفية وخطوط النقل يوصل إلى سكتة، ولكن العمل يجري على كيفية حلها، فالخطوط المصرفية جرى حلها وأصبحت موجودة ومفتوحة..

البعض أراد أن يفسر قصة 3 أشهر بشكل أحادي ومشوه، لأن البعض، ولأسباب سياسية، وهم مرتبطون بقوى الفساد، يريدون القول: إن تلك المعارضة التي دخلت الحكومة لم تستطع فعل شيء للاقتصاد، ورفعت سعر المازوت، وتهدد فوق كل ذلك بسلامة الاقتصاد، والبعض لا يعجبه وجود المعارضة في الحكومة، وما أردت قوله هنا، إن الحل السياسي مطلوب، ولا يوجد حل اقتصادي للمشكلة الاقتصادية، فالنقل لا يحل اقتصاديا، بل سياسياً أو عسكرياً، والأخير أحد أشكال الحل السياسي، وعندما ننجح بحل هذه الأمور، أعتقد يمكن أن تحل المشاكل التي يعانيها الاقتصاد، وأعتقد أن ذلك سيحصل، فعندما تحدثت بالسكتة القلبية، اشترطت استمرار الوضع الحالي، ولكن من المستحيل أن يستمر الوضع القائم، لأن الشعب السوري لن يسمح باستمرار الاقتتال في الداخل، أو استمرار العنف، أو بالتدخل الخارجي المباشر، أو التدخل الخارجي غير المباشر، فالظروف تتوفر لانتصار الشعب السوري في هذه المعركة، وإذا انتصرنا بها، وأنا متأكد من الانتصار، ولا مصلحة لطرف بالانتصار على الآخر، بل إن الشعب هو سينتصر، وبهذا النوع من الصراعات لا وجود لطرف منتصر، بل إن هذا السعي قد يؤدي إلى تدمير البلاد، وتخسر سورية في المحصلة النهائية، فالامريكان مهتمون باستمرار الاشتباك، لأنهم لا يقصدون انتصار طرف على آخر، والمقصود إزالة سورية من الخارطة الجغرافية السياسية، وبعد 3 أو 6 أشهر سندخل حواراً بالتأكيد، وسنصل إلى حلول..

على المستوى الاقتصادي، نحن نمتلك برنامجاً لليوم الأول بعدانتهاء الأزمة، وستنفتح علينا آفاق واسعة نتيجة الخريطة السياسية الجديدة التي ستبنى على أساسها، والليرة السورية ستصبح أقوى ليرة في العالم، انتبه... أنا لم أقل أقوى عملة بل أقوى ليرة (وهناك الليرة اللبنانية والتركية...الخ)، والليرة هي التعبير عن قوة الاقتصاد، والاقتصاد قوي بانتاجه الزراعي والصناعي..

بعض تجار العملة يلجؤون للمضاربة بغض النظر عن التصريح الذي أدليت به، وعليه لا يمكن البناء، والبعض تحدث عن هبوط سعر الصرف، فسعر الصرف كان يتجه نحو الانخفاض قبل أسبوع من اللقاء باتجاه الأسوأ، والسب هو هجرة الصناعيين من مدينة حلب، والذين استقروا في العاصمة المصرية القاهرة، والأوضاع الأمنية والعسكرية لم تسمح لهم بالاستمرار، وهم أخرجوا جزءاً من احتياطياتهم، وهذا ما شكل ضغطاً على الليرة السورية، وأدى لانخفاضها، فإعادة الأوضاع إلى حالتها في حلب، سيحسن وضع الليرة السورية، والحديث بنظرية العوامل النفسية هي نظرية تضليلية، وهدفها إخفاء الحقيقة بالاقتصاد الغربي الرأسمالي عن حقيقة ما يجري بالواقع العملي، فلا وجود لعوامل نفسية ترفع الأسعار، بل القضية ترتبط بعدم التناسب بين الكتلة النقدية والسلعية، والتصريح هو تعبير عن واقع معين أراد تفسيره وتصحيحه، للتحذير من استمرار النزيف الداخلي الذي يمكن أن يؤثر على الاقتصاد وعلى سورية بأكملها، فالتصريح هدفه دق ناقوس الخطر، فالاقتصاد السوري في نهاية المطاف متشابك، ومن الصعب أن ينهار بسهولة، وبالظروف الموضوعية المتكونة حالياً، وبالقدرة التي نمتلكها لفك الحصار الخارجي، يمكن أن يتحسن الاقتصاد وأن تتعافى الليرة بسرعة،فالدولار يتهاوى حالياً، والليرة لديها كل الحظوظ أن تقوى إذا استطعنا أن نخرج من الأزمة..

هناك رساميل تم تهريبها سابقاً واليوم، وسعر الصرف ليس له علاقة بتصريحات، وسعر الصرف ليس له علاقة بالسعر في الأسواق، وأسعار الأسواق ترتبط بالتوازن بين الكتلة النقدية والسلعية، فيمكن ضبط سعر الصرف بشكل مصطنع، ولكن في الجوهر تكون المشكلة زيادة الكتلة النقدية ونقصان السلعية، وهذا ما يحدث اليوم، بتراجع الانتاج الزراعي والصناعي، وهذا سينعكس على زيادة مستوى الأسعار، لذلك نلاحظ أن ارتفاع الأسعار في السوق كان أعلى من ارتفاع أسعار الصرف، لذلك فإن أمامنا مهام اقتصادية كبرى..

فلا حل اقتصادياً لمشكلة اقتصادية اليوم، ولا حل اقتصادياً للمشكلة السياسية، والحل يتكثف بالحلول السياسية للمشاكل الاقتصادية وسواها، والذي يتمثل بالحوار الوطني، والذهاب نحو المصالحة الوطنية، فإذا انتصرت سورية في هذه المعركة، فإن لها كل الحق أن تستعيد عافيتها وأن تقوى..

• ماذا تخبرنا عن الاقتصاد د. قدري؟!

وبالتلخيص، السكتة القلبية التي كثر الحديث عنها بنوايا سيئة أو حسنة، أقول إن الجسم الذي يتعرض للإجهاد معرض للأزمة القلبية، إلا أن الطب تطور، وبات بالإمكان إنقاذ المريض، فالسكتة ليست قدراً لا مفر منه، وهذا يتعلق بإردادتنا وأدواتنا، والعدو يريد أن نصل إلى السكتة القلبية، من خلال منع خطوط التحويل، واستمرار إيقاف خطوط النقل،فالاتحاد السوفياتي انتصر على ألمانيا النازية، وألمانيا كانت قد هدمت كل المعامل في المناطق التي احتلتها، ولكن الاتحاد السوفياتي بنى اقتصاده في أربع سنوات بشكل أقوى مما كان، ولكنه أخذ تعويضات مالية وعينية من المعتدي، وسورية بدعم أصدقائها في العالم ستنتصر، وسنبنى الاقتصاد أقوى مما كان عليه في السابق، ولن نسمح بحصول السكتة القلبية التي يخططون لها، ولن نسمح للذي يريد حصول السكتة القلبية في الداخل أن يمرر مخططاته بمنع الحوار والحل السياسي، والتعويضات سنأخذها من تركيا، وسنستعيد المعامل التي جرى تفكيكها في حلب وتم أخذها، وسنستعيد الطائرات التي لم يسمحوا لنا بشرائها، وسنأخذها من قطر، والبواخر التي لم يسمح لنا السعوديون بامتلاكها لنقل ما هو ضروري لبلادنا، يجب أن نأخذها أيضاً، فالعدو الذي أضر سورية سيدفع مادياً ثمن جريمته وليس سياسياً فقط، والأفاق مفتوحة أمام سورية،والشعب السوري قادر على ايجاد الحلول، وهو أمام منعطف، ويجب أن يمتلك الجرأة لكي يتصالح ويتسامح ويجد حلولاً لمشاكله..

• من يعوض السكان المتضررين؟! وهل تستطيع الدولة تعويضهم؟!

هذا واجب الدولة، وعندما يستقر الوضع يجب أن يكون التعويض كاملاً وسريعاً، وفي بعض المناطق جرى توزيع مبالغ مالية على المتضررين، على أن يجري لاحقاً تقييم وتعويض كامل..

• إلى أين وصلت المصالحة الوطنية؟!

المصالحة الوطنية ترتبط ببدء الحوار الوطني، والأخير متعلق باتفاق المعارضة على قواسم مشتركة، لذلك نحن من المتحمسين لعقد مؤتمر المعارضة الموحد بأسرع وقت ممكن، لذلك نحن منزعجون من عقد مؤتمرين للمعارضة، وسنسعى لأن يعقد مؤتمر واحد، وسنسعى لعقد هذا المؤتمر الموحد بأسرع وقت ممكن..

• ماذا عن المازوت؟!

لدينا خطة على هذا الصعيد سيجري إعلانها الأسبوع القادم، بعد الاتفاق عليها في مجلس الوزراء، وكما تم حل موضوع الغاز بشكل جزئي ولكن بأسلوب جيد، أعتقد أننا سننجح بحل مشكلة المازوت، ومشكلة دعم المازوت أن جزءاً هاماً منه يذهب إلى قوى الفساد، وإلى تجار الأزمات، ونحن نريد أن نوصل الدعم لمستحقيه، والحكومة التزمت بالدعم في بيانها، وهذا تعهد يرتبط بسمعة الحكومة، لذلك سنعمل على الإبقاء على دعم المحروقات، ولكن يجب أن نوجه هذا الدعم إلى من هو بحاجة لدعم، وليس لمن ليس بحاجة له، والخطة التي لدينا توصل الدعم لأصحابه بشكل جيد، وبما يوفر على الدولة ما يقدر بنحو 200 مليار ليرة، والتي تشفط من الخزينة العامة بحجة الدعم..

• ماذا عن ارتفاع الأسعار؟!

للأسف الشديد، وبما أن الدولة مسحوبة من دورها، وليس لها القدرة على العودة إلى السوق في هذه الظروف، فنحن مجبرون أن تلعب الدولة دور المنافس للتجار الأساسيين، لكي نخفض الأسعار ونمنع ارتفاعها من جهة، ومن جهة أخرى، نتوجه إلى القوى الشريفة من التجار، أن تأخذ بعين الاعتبار وجود الأزمة، وأن تحاول أن تأخذ هامشاً صغير من الأرباح، وجزء منهم على استعداد للقبول بالقليل من الربح لإنقاذ البلاد وتخفيف الأسعار رحمة بالمواطنين في الظروف الحالية، ولكن لن أعد وعوداً خلبية، نحن سنعمل من أجل تخفيف ارتفاع الأسعار..