الرفيق د. قدري جميل للتلفزيون السوري:  لا حوار مع المعارضة اللاوطنية..  فالخيانة ليست وجهة نظر ولا نقاش حولها!

الرفيق د. قدري جميل للتلفزيون السوري: لا حوار مع المعارضة اللاوطنية.. فالخيانة ليست وجهة نظر ولا نقاش حولها!

 أجرت القناة الأرضية في التلفزيون العربي السوري لقاء مطولاً مع الرفيق د. قدري جميل، وحاورته في الأزمة العميقة التي تمر بها البلاد.. ونظراً لأهمية ما ورد في هذا اللقاء نفرد له هذا الحيّز..

 تعلم أن الجميع يرى أن هناك تحولات حقيقية وكبيرة على الصعد كافة تسير بخطى واثقة، هذه التحولات يؤسس لها بحوامل تشريعية مقابل عدم تعرضها، أو لنقل تطورها بمعزل عن النصوص والقوانين، ماذا تقول؟

 أقول إن التحولات ما زالت أسيرة الورق، ما زالت نصوصاً، والتحولات الحقيقية تكون في البنية والأداء والممارسة، وفي تكون فضاء سياسي جديد، ونحن ما زلنا في مداخل هذه العملية، والحقيقة التي يجب الاعتراف بها هي أن الفضاء السياسي القديم الناتج عن مرحلة ما بعد الاستقلال استنفذ نفسه، وهو في حالة موت سريري كما أثبتت الأحداث الأخيرة، ولكن بما أن المجتمع والطبيعة لا يحبان الفراغ فإنهما ينتجان فضاءً سياسياً جديداً، وهذا الفضاء الجديد سيكون محصلة لتلك القوى في الفضاء السياسي القديم؛ القادرة على التكيف والتطور والانبعاث، والقوى الجديدة التي تخلق من رحم الجديد، ولكن هناك قوى انتهت، وأصدق ما يقال بحقها هو «عظّم الله أجركم!».

 ما المقصود بالقوى؟

القوى السياسية، وحين أتكلم عن القوى فأنا لا أتكلم بمعنى انحياز سياسي بين يمين ويسار، بل أتكلم عن ظاهرة علمية، وهذه الظاهرة تشمل الجميع، فهناك قوى من الجانبين لم تعد قادرة على الاستمرار بالبنية السياسية، وأقصد بالاستمرار أن كل بنية سياسية فيها حركات وأحزاب، وهذه الحركات والأحزاب يتحدد مقدار قدرتها على الحياة بمقدار تعاطيها مع المجتمع وتفاعلها معه، واعتراف المجتمع بها في الوقت نفسه، فإذا فقدت هذه القوى الاتصال مع المجتمع فهذا يعني أنها دخلت في حالة موت سريري، وقد كشفت الأحداث الأخيرة عن دخول قوى سياسية في هذه الحالة، فقد أماطت هذه الأحداث اللثام عما يمثله كل حزب أو حركة على الأرض، وهذه الظاهرة التي أتحدث عنها ليست بيد أحد، بل هي ظاهرة تاريخية، فلدينا الآن حراك سياسي نشيط في الشارع، وعندما أقول في الشارع فلا أقصد فقط أولئك الذين ينزلون إلى المظاهرات، بل أقصد درجة نشاط سياسي عالية للناس، وهي تنعكس بالكلام والكتابة والنقاش ومواقع الانترنت والتلفزيون وبكل المجالات، أي بمعنى آخر أن السياسة دخلت بشكل مفاجئ كل البيوت، وأصبحت همّاً يومياً، فهل هذا أمر جيد أم سيء؟ إنه جيد بكل تأكيد، فعندما  يفكر الناس بالسياسة، وعندما تدخل عملية نشاط سياسي عال، فهذا يعني أن هناك أرضية حقيقية لنشوء حركة سياسية نشيطة.

 جديدة؟

لا يوجد شيء جديد مطلق في التاريخ، فالجديد دائماً هو استمرار لجزء من الماضي، وهو جديد غير مسبوق بآن واحد، ونحن لدينا فضاء جديد يولد في سورية اليوم، وما زلنا في بداية الطريق لنقول إننا قمنا بكذا وكذا.

 ألا يكفي أننا بدأنا؟

ليس من الخطأ أن نبدأ بالتأكيد، ولكن المهم هو أن نشخص أين نحن تماماً، أما أن نبالغ بما وصلنا إليه فهذا يدفعنا إلى الوقوع في خطأ التشخيص، وبالتالي خطأ العلاج، ولذلك فإن ما يهمنا هو التشخيص الصحيح لما نحن فيه، واللحظة التي نعيشها اليوم هي لحظة شديدة الخطورة، وقد تكلم عنها المفكر اليساري المعروف «غرامشي» حين قال: «القديم لم يمت بعد والجديد لم يولد»، أي نحن في حالة انتقال.

 كيف يتم جسر الفجوة والحال هذه؟

يتم عبر المخاض الذي تعيشه البلاد اليوم وما يحمله من آلام الولادة، وهذه الظاهرة التي نراها حالياً لا يمكن أن ننظر إليها على أنها ظاهرة سورية بحتة، فهي ظاهرة أكثر من عربية حتى، لأن الجماهير دخلت إلى الحركة السياسية من الباب الواسع وهذا الاتساع هو شيء نراه واضحاً؛ من وول ستريت إلى كل المدن الأوروبية، فلا خيمة فوق رأس أحد في هذا الموضوع، وإذا كان البعض يظن بأن هذه القضية أهلية محلية فهو خاطئ جداً، لأنه قدر لا راد له. فدخول الجماهير في الحركة السياسية هو قضية تشغل بال المفكرين منذ زمن طويل، فالجماهير تدخل معترك السياسة فجأة وتتركه فجأة، وهذه القضية تشغل بال علماء الاجتماع منذ عشرات السنين، ولاحظوا أن هذه الظاهرة عالمية ولها علاقة بالمتطلبات التاريخية التي تصبح البنى السابقة المتعلقة بالدولة والأحزاب غير قادرة على حلها، فيأتي صاحب الجلالة الشعب بكل وزنه لينزل إلى الشوارع ويتصدى لهذه المتطلبات، ثم يعود إلى مراكز راحته.

 كل عقد من الزمن قد نرى الأمر يتكرر في مكان جديد؟

المؤرخون يقولون إن دورة هذه العملية تتجدد في إطار زمني يتراوح بين مئة عام وخمسين عاماً.

 عندما توجهتم كمعارضة إلى موسكو، كانت خطوة إيجابية من المعارضة الداخلية...

أعترض!

 على ماذا؟

على وصف المعارضة الداخلية، فنحن معارضة وطنية.

 ولكن كما توصفون من الخارج بأنكم معارضة داخلية، ونحن نصف المعارضة خارج البلاد بالخارجية!

نحن نرفض هذا الوصف، فهذا الوصف تضليلي، ويجب على التلفزيون السوري ألاّ يستخدم هذا الوصف حسب اعتقادي، ودعني أقل لك لماذا.. لأنك عندما تقول داخلية وخارجية فإن التصنيف يصبح جغرافياً وليس له أية قيمة سياسية، أما في الحقيقة ففي الخارجي هناك أناس وطنيون، وفي الداخلي هناك أناس لاوطنيون، ولذلك أرى أن التقسيم الصحيح هو معارضة وطنية ومعارضة لاوطنية، وهذا يعطي دلالة سياسية.

 من هذا الكلام أنتقل إلى القول: المعارضة الوطنية السورية التي انتقلت إلى موسكو وبحثت تثبيت المواقف الخارجية الإيجابية، لاشك ساعدت على بناء شيء، ماذا كان هدفكم من زيارة موسكو كمعارضة وطنية داخلية؟

أولاً يجب أن نلاحظ الجو العام الذي جرت فيه الزيارة بالمعنى التاريخي، فمنذ العام 1991 كان الأمريكيون يلعبون ويصولون ويجولون في العالم لوحدهم ولا راد لهم، وفجأة أخذ الروس والصينيون فيتو لأول مرة، والمصادفة التي تحتاج إلى تفكير، أن أول فيتو سوفييتي استخدم كان لمصلحة سورية ضد الانتداب الفرنسي والإنكليزي، وأول فيتو روسي يستخدم بعد فترة انقطاع وفترة غياب الدور الروسي كان لمصلحة سورية أيضاً، فهل هي ظاهرة عابرة ومؤقتة جاءت لتسجيل موقف، أم أن القضية أعمق من ذلك؟.. لقد خرجنا في الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير وفي حزب الإرادة الشعبية باستنتاج مفاده أن هذا الموقف له دلالة عميقة وهو مرشح للاستمرار والتعميق والتصلب، وقلنا يجب أن نساعده، فبماذا تختلف سورية عن ليبيا التي جرى فيها التدخل الخارجي؟.

 من أية ناحية؟

من ناحية البنية السياسية- الداخلية، إن الفرق هام جداً، فسورية هي البلد الوحيد من البلدان التي عرفت تدخلاً خارجياً وفيها معارضة وطنية للنظام ترفض التدخل الخارجي وترفض إسقاط النظام بتدخل خارجي، وهي إذ ترفض إسقاطه بتدخل خارجي فذلك ليس لأنها معه بل لأنها ضده، ولأنها تريد تغييراً عميقاً للنظام وتغييراً شاملاً جذرياً تدريجياً سلمياً اقتصادياً وسياسياً، ولأنها تريد ذلك فهي تريد المحافظة على البلاد بعيداً عن التدخل الخارجي، لأن التدخل الخارجي يخرب البلاد ويمنع التغيير الحقيقي المطلوب في المستقبل، ذلك التغيير الذي ينتج ما هو جديد وحقيقي، ويعيد سورية إلى الوراء تماماً مثلما أعاد العراق وليبيا إلى الوراء.

ومن هنا كنا نحن ضد التدخل الخارجي وذهبنا لتحية الموقف الروسي انطلاقاً من موقف وطني عميق أولاً، يعكس بنية وعي الشعب السوري تاريخياً، ويعكس من جهة أخرى مصلحة الشعب السوري على المدى البعيد، ذهبنا لنقول لهم إن هناك معارضةً وطنية في الداخل ترفض التدخل الخارجي، وهذا العامل كان هاماً في تثبيت موقفهم والسير به أكثر إلى  الأمام، فهذا لا يعني أن النظام فقط من يرفض التدخل الخارجي، بل هناك من هو على يسار النظام ويرفض هذا التدخل.

 ويقف إلى جانب النظام!

يقف إلى جانب النظام بالمعنى الشكلي إذا تحدثت بالقضية الوطنية المعادية للتدخل الخارجي، وهو ضد النظام بكل الإحداثيات الأخرى الاقتصادية والاجتماعية ومن حيث البنية السياسية التي نحاول تغييرها مع كل الوطنيين الموجودين في النظام وخارجه.

 يصفونك بأنك إلى جانب النظام، وأن هناك طمعاً من د. قدري جميل بالمستقبل، ما قولك؟

يقولون إني إلى جانب النظام.. هل تعلم ما مشكلة المعارضة اللاوطنية في الخارج؟ إنهم لا يرون أننا على يسار النظام، وهم ومعارضتهم على يمين النظام، فهم لا يطرحون أي بديل اقتصادي اجتماعي، أما نحن فلدينا برنامج كامل اقتصادي واجتماعي.

 هل تسجل نقطة كاملة لكم في هذا؟

أقول إنهم على يمين النظام، فالذي يطلب التدخل الخارجي ألا يكون على يمين النظام؟ وما هو برنامجهم الاقتصادي الاجتماعي؟ كل برامجهم ليبرالية، وكذلك كان برنامج الفريق الاقتصادي الراحل في حكومة ناجي عطري، وإذا نظرنا إلى كثير من رموز مجلس اسطنبول فسنرى أنها كانت عملياً ذات علاقة بهذا الفريق، فكثر من رموز هذا المجلس كانت على رأس السياسات الاقتصادية التي خربت البلد وأوصلتنا إلى الانفجار.

 أين كنتم حين ذلك؟

كنا في المعارضة منذ البدء، منذ اللحظة الأولى.

 قلت إنكم على يسار النظام!

طبعاً، منذ ذلك الوقت ونحن على يسار النظام، وقد عرفت عني بأنني رئيس تحرير جريدة قاسيون حتى عام 2010 وقاسيون منذ 2005 كانت تهاجم السياسة الاقتصادية الاجتماعية بكاملها، ولم نكن دعاة إصلاح جزئي ومفرق، بل كنا نتحدث عن السياسة الاقتصادية الاجتماعية كجملة كاملة بأنها ستودي بالبلد إلى كارثة، وكنا نكرر أن هذه السياسة عملياً هي جارية تحت ضغط صندوق النقد والبنك الدولي، وتبين لاحقاً أنها تحت ضغط قطر وتركيا، وقلنا إن هؤلاء لا يريدون الخير للبلد لأنهم يريدون رفع مستوى التوتر الاجتماعي، وهذا سيؤدي إلى جعل الانفجار السياسي أمراً سهلاً جداً، وهذا ما جرى، فقد رفعوا مستوى الفقر من 30 إلى 44% باعترافهم، وحسب تقارير الأمم المتحدة، ورفعوا مستويات البطالة، ورفعوا الدعم عن المازوت، وهو ما كان بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير، فهو ما هبط بالإنتاج الزراعي والإنتاج الصناعي، وأتعب المستهلك البسيط، فأصبح الوضع قابلاً للانفجار بأية لحظة.

 أي كان هناك تهيئة بطريقة أو بأخرى؟!

أنا أؤكد أن فترة التحضير للأزمة الحالية في سورية جرت بين عامي 2005 و2010، والذي يعرف الطريقة الأمريكية في إنضاج الثورات المختلفة يعرف أنه يمر بأربعة مراحل، الأولى هي التحضير ومعرفة نقاط القوة والضعف، وتعظيم نقاط الضعف وتخفيض نقاط القوة وبناء المرتكزات؛ المرحلة الثانية هي السيطرة الإعلامية، وقد طبقوها سابقاً في يوغوسلافيا والعراق وليبيا؛ ويضاف إليها الحرب الإعلامية الافتراضية، وتتمثل بخلق حالة حرب في الفضاء الإعلامي والإلكتروني بحيث تصاب الجملة العصبية للمجتمع بالتعب والإرهاق؛ والمرحلة الثالثة هي البدء بالعمليات المسلحة على الأرض والتي تعطي الحجة للتدخل الخارجي وهو المرحلة الرابعة؛ ونحن اليوم في المرحلة الثالثة، المرحلة الأولى كانت بين عامي 2005 و2010، وكان للفريق الاقتصادي سواء عن جهل أو عن علم، دور كبير بتنفيذ ما يحتاجه المخطط الأمريكي، وهذا خطأ لابد من الاعتراف به، فالنظام يجب أن يعترف بأنه أخطأ بهذه القضية، وإذا لم يعترف فإن المخرج من الأزمة الحالية سيكون صعباً، فالمخرج هو عكس الطريق الذي كان بمثابة المدخل إليها.

يجب أن نقوم بانعطافة جذرية في السياسات الاقتصادية الاجتماعية، فمنطق السياسات السابق غير المعلن والذي أدى إلى النتائج التي نراها اليوم، هو شعار «دع الأغنياء يغتنون».

 ودع الفقراء يزدادون فقراً!

هذه لا يقولونها، يقولون دع الأغنياء يغتنون لأنهم قاطرة النمو، والطرف الثاني للمعادلة بطبيعة الحال هو دع الفقراء يزدادون فقراً.. إن ما نريده هو العدالة الاجتماعية، نحن لا نريد إفقار الأغنياء ولكننا نريد تحويل الفقراء إلى أغنياء.

 قلت إن الحرب الإعلامية تكون في المرحلة الثانية، ولم تبق قناة لم تشترك في هذه الحرب، ما قولك؟

لقد طالت المرحلة الثانية في سورية، ولكن الآلية نفسها استخدمت في يوغوسلافيا والعراق وليبيا، وتكمن أهمية هذه المرحلة من الآلية أو الطريقة الأمريكية بإنضاج الثورات في خلق انطباع لدى المشاهد العادي بوجود حرب افتراضية ليقبل لاحقاً بسهولة بالحرب الحقيقية.

 قلت إن المخرج من الأزمة يكون بالسير عكس اتجاه المدخل إليها؟

ليس بالضرورة عكسه تماماً، يمكن لنا الالتفاف إلى جهة أخرى، ولكن يجب أن يكون الاتجاه انعطافاً.

 ولكن عندما تكون الطريق معبدةً يمكن الخروج من الأزمة، هذا قصدك؟

لعلمك فإن الطريق الجديدة في التاريخ لا تكون معبدة!.

 متى تعبد الطريق إذاً؟

خلال العمل.

 إذاً الفريق الاقتصادي القادم أو الحالي يحتاج إلى بذل جهد متواصل؟

برنامجكم اسمه «رؤى مستقبلية»، وأنا أرى أنه لابد من صياغة رؤية مستقبلية للاقتصاد السوري ونموذجه، فسورية اليوم عطشى لمعدلات نمو مرتفعة، وهي اليوم تصرخ وتعاني طالبةً عدالةً اجتماعية، وقد حاولوا أن يقنعوننا سابقاً بأن تحقيق النمو لا يتم بتحقيق العدالة، ولكن يجب علينا أن نبتكر نموذجاً سورياً يؤمن النمو والعدالة معاً، وهذا ممكن.

 كيف يمكن ذلك؟

ببساطة، بدايةً نعترف بأن هناك فساداً يأكل قطعةً كبيرة من الدخل الوطني، ولكن هذا لا يكفي، بل يجب أن يتم استئصال الفساد، ثم يجب أخذ موارده وضخها وتوظيفها في المجالات التي تؤمن النمو والمعيشة الكريمة للمواطنين.

 كم تحتاج هذه الدورة لتتم؟

يمكن أن تبدأ العملية غداً صباحاً، والانطلاق بها يجب أن يبدأ من الفاسدين الكبار، وعددهم لا يتجاوز 300 فاسد، وهم كلهم معروفون وأضابيرهم موجودة في الرقابة والتفتيش، فعلى الرقابة أن تخرج هذه الأضابير. هؤلاء يأكلون 80% من كعكة الفساد السورية، وقد أصبح من غير الممكن لسورية أن تستعيد لحمتها الوطنية وعافيتها الاقتصادية، ومن غير الممكن أن يستعيد الإنسان السوري كرامته في بلده دون أن يشعر بأن الفاسدين الذين كانوا سبباً أساسياً في هذه الأزمة، أي الفاسدين الكبار، تحت سيف المحاسبة.

إن أي إصلاح حقيقي يبدأ بضرب الفساد، وكل ما يجري الآن هو جيد، فلجنة الفساد تعمل حالياً، وقد ملأت الدنيا أوراقاً وعرفت الفساد وآليات الفساد وخريطته وأشكاله، كل هذا رائع، ولكن المطلوب هو وضع رؤوس الفساد على الطاولة أمام الشعب.

 إذاً هناك من يعطل المراسيم برأيك؟

أرى أن هذه العملية ليست عمليةً إدارية، بل هي عملية سياسية، وعلى الشعب أن يحمي هذه العملية، وليقوم الشعب بذلك يحتاج إلى منظومة سياسية مطابقة للضرورة، وهذه المنظومة ما تزال في طور الإنشاء، فالدستور لم يصدر بعد، وقانون الأحزاب صدر ولكنه ما زال في بدايات عمله لأن الدستور لم يصدر بعد، وقانون الانتخابات ما يزال بحاجة لأخذ ورد على أساس الدستور المنتظر، وأقصد انتخابات مجلس الشعب.

 غير الإدارة المحلية التي تجاوزناها؟

نعم، فانتخابات مجلس الشعب ما تزال بحاجة لأخذ ورد، وأنا كمعارض أقول إننا نرفض قانون الانتخابات الجديد لأنه تكريس للقانون السابق الذي كرس العجز والشلل السياسي في البلاد.

 إذا عدنا قليلاً إلى موضوع المعارضة الوطنية في الداخل والأخرى غير الوطنية في الخارج، التي تستقوي بالخارج تحت مسميات عدة منها حماية المدنيين وغير ذلك، وتقول إنكم أصحاب رغبات وطموحات في المستقبل؟

أدقق، أنا لم أقل معارضة وطنية في الداخل، وغير وطنية في الخارج، أنا قلت إن هناك معارضة وطنية وأخرى لاوطنية في الداخل والخارج، وإن كان يغلب على الداخل المعارضة الوطنية.

 ما الفرق.. أليس الوصف قريباً؟

أبداً، فهذا يعني أن كل من في الخارج لاوطني وكل من في الداخل وطني، ولكن هذا غير دقيق، فهناك لاوطني في الداخل مثلما هناك وطني في الخارج.. ولكن يغلب على الخارج الطابع اللاوطني مثلما يغلب على الداخل الطابع الوطني، وهذا تشخيصي الشخصي.

والآن، السؤال الأول؛ هل المطلوب الحوار مع المعارضة اللاوطنية؟ هذا السؤال لكل المعارضة الوطنية، الجبهة الشعبية وهيئة التنسيق والحركة الشعبية؛ هل المطلوب الحوار مع المعارضة اللاوطنية التي تستدعي التدخل الخارجي؟ أنا أقول لا.. فالخيانة ليست وجهة نظر ولا نقاش حولها. واليوم أتحفونا بأفكار مضحكة جداً حين وقعوا الوثيقة بين المجلس الوطني وهيئة التنسيق حول أن التدخل الخارجي هو أجنبي فقط والعربي ليس تدخلاً أجنبياً، فهل التدخل العسكري لقطر والسعودية ومن لف لفهما ممن أسلحتهم كلها أمريكية وغير أمريكية غربية يعد تدخلاً غير خارجي؟ أي ليس أمريكي أو إسرائيلي؟..

أعتقد أن هيئة التنسيق التي لديها لاءاتها المشهورة يجب أن تنأى بنفسها عن المعارضة غير الوطنية.

والسؤال الثاني؛ الوحدة مع من؛ مع المعارضة الوطنية أو اللاوطنية؟ لماذا الركض على الوحدة بين الوطنيين واللاوطنيين؟ هذه طبخة بحص لن يخرج منها شيء!.. يجب أن نبذل جهودنا على توحيد الوطنيين في المعارضة، وهذا لم يبذل عليه الجهد الكافي حتى الآن.

البعض في هيئة التنسيق يضع حجة أن من ندعو إلى الوحدة معهم قريبون من النظام، وسأوضح أمراً هنا، فنحن معارضة قبل أن يكون كثير من هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم معارضةً في صف المعارضة، ونحن لم نستفد من النظام ولن نستفيد لا مادياً ولا مكاسب ولا مواقع، بل نحن نسعى إلى منظومة سياسية جديدة نفصل فيها الأحزاب نهائياً عن جهاز الدولة بحيث لا تحصل الأحزاب على أية امتيازات، وأن يكون الامتياز الوحيد هو اعتراف الشعب بها... أنا أفهم الشعب عندما لا يعترف بحزب ما لأنه يتطفل على امتيازات جهاز الدولة، فالحزب يثق به الناس بقدر ما يعبر عنهم وبقدر ما هو زاهد ومتقشف، أما الحزب الذي يبحث عن امتيازات في جهاز الدولة ويشطب الناس عليه فسيكون الحق مع الناس.

لذلك أنا أعمل وسأعمل على أن تقوم المنظومة السياسية القادمة بفصل كامل بين امتيازات جهاز الدولة وبين الأحزاب، فالأحزاب يجب ألا تستفيد من امتيازات جهاز الدولة، والأحزاب التي استفادت من هذه الميزات من سيارة أو مكتب أو معاش أضعفت ثقة الشارع بها ووصلت إلى لحظة لم يعد فيها حركة سياسية في سورية.

 كنت تقول إن الأولوية لمحاربة الفساد الكبير، أما الموظف الصغير فحسابه سيكون مختلفاً..

أنا لم أقل إن الموظف يجب أن يحاسب!.. الذي يجب أن يحاسب هو الفاسد الكبير.

أنا أتحدث عن الفاسد الصغير الذي استفاد من سيارة أو مكاسب أخرى!

هذا ليس فساداً صغيراً، وأنا أتحدث عن أمر مغاير للفساد، هو مقونن ومشرع بالنسبة لأحزاب معينة أن يكون لديها عدد من السيارات لخدمتها، فهل برأيك أن إعطاء سيارات لحزب ما يجعله أسرع حركة بين الجماهير؟ هذه مكاسب وفقط، لذلك فإن أي مكسب يحصل عليه أي حزب من جهاز الدولة وموازنتها هو ضرر بالحزب نفسه، ومن هنا أقول إننا لم نحصل على امتيازات سابقاً، ولا نريد أن نحصل عليها لاحقاً، لأنها تضر العمل السياسي وتضر بالأهداف التي نعمل لأجلها.

وفي بحث آخر بالنسبة لقانون الأحزاب التي ستصل إلى مجلس الشعب حسب وزنها وحسب الأصوات التي تحصدها، فهذه تنال دعماً من الدولة، ولكن ليس كما كان يجري الأمر سابقاً.

ومن حيث الحديث عن أننا قريبون للنظام، فأقول نعم إننا قريبون لأن جزءاً هاماً من النظام وخاصةً في قواعده الجماهيرية هو ضد الفساد وضد التدخل الأجنبي وهو مع الإصلاحات الاقتصادية الاجتماعية، والبعض يريد منا لكي نكون معارضة على هواه أن نعدم النظام، ولكننا لن نقوم بذلك، فنحن لنا في النظام حلفاء كثيرون من عمال وفلاحين وفقراء وغيرهم، وفي المعارضة كذلك لنا حلفاء وفي الحركة الشعبية، أما الفاسد في النظام فهذا ليس حليفنا لأنه عدو الشعب، فالفاسد الكبير هو عدو الشعب وهو من أوصلنا إلى هنا.

إن الهجوم الذي أشنه يجري على الفاسدين الكبار في النظام ليس لأنهم فقط فاسدون يضرون بالاقتصاد الوطني والمجتمع، بل هم منتجون للقمع أيضاً.

 هل ترى أن فشل الحرب الإعلامية على سورية دفع بعض القنوات إلى التدخل المباشر بالأحداث وتحديد أجندات إلى حد ما؟

أختلف معك في هذا، فالحرب الإعلامية لم تفشل باعتبارها المرحلة الثانية، فقد استطاعت أن تنقلنا إلى المرحلة الثالثة المتمثلة بالصدام المباشر على الأرض، والمشكلة أن الإعلام السوري لم يستطع فهم المسألة وبالتالي أن يتعامل معها بالطريقة الصحيحة والمناسبة، ولو استطاع لتمكن من قلب الطاولة.

الفكرة ببساطة هي كالتالي؛ الجملة العصبية للإنسان لها طاقة تحمل محددة، فإذا تم ضخ معلومات كثيرة لها في لحظة معينة تصاب بالتعب الشديد وتنهار، وكذلك الجملة العصبية للمجتمع، ومهمة محطتي الجزيرة والعربية كانت الضخ الهائل للمعلومات كي يقول الناس يكفي خلّصونا..

هل تعلم أن اختصاصيين كباراً في العالم كان رأيهم أن التلفزيون السوري كان يقع في هذا الفخ أحياناً وأنه ساهم في حملة شحن الجملة العصبية للمجتمع؟ كان التلفزيون السوري يظن نفسه مدافعاً بينما كان يساهم في الشحن من مكان آخر عملياً، بينما كان المطلوب أمر آخر وهو لم يجر في حينه، وهذا دليل تخلف معرفي والمطلوب منا هو الارتقاء إعلامياً إلى مستوى الحرب التي تسمى «بسيكوترونية» والتي شنها العدو ضدنا ونحن لا نفقه بها شيئاً.

 أي برأيك لم تفشل الحرب الإعلامية بإثارة الفوضى والتأثير على المجتمع السوري؟

أنا أرى أنها حققت الوظيفة الموضوعة أمامها، ولم يكن مطلوباً منها بحد ذاتها أن تصل إلى الفوضى، بل المطلوب منها أن توصلنا إلى المرحلة الثالثة حيث تبدأ الصدامات المسلحة التي توصل إلى إنهاء الوحدة الوطنية وتقسيم البلاد، ولذلك فقد أدت الحرب الإعلامية دورها الوظيفي في المرحلة الثانية من الهجوم على سورية، ودورها سيتناقص من الآن فصاعداً، ولكن لأننا دخلنا مرحلةً أخطر.

 هل من الممكن أن نرى قريباً مشروع قرار بما يسمى بالتلاعب بالفضاء الإعلامي، أي اعتبار ما تبثه هذه القنوات الإعلامية مثل جريمة تحريضية وفتنة تندرج ضمن الجرائم ضد الإنسانية؟

قلتها مرة، يجب أن يرسل هؤلاء إلى محكمة لاهاي، وأن تتم محاكمتهم تحت البند السابع، والأمم المتحدة يجب أن تأخذ قراراً في هذا الأمر لأن هؤلاء سفكوا دماءً سوريةً، ولكن لا أعتقد أن المجتمع الدولي وصل بعد إلى هذا المستوى، فهذه الأداة الجديدة التي استخدمت في الهجوم ضد المجتمعات والدول ستجد قريباً من يتصدى لها في المجتمع الدولي الذي سيعاقب فضائيات تحت البند السابع.

 خروج المحتل الأمريكي من العراق ما انعكاسه على الوضع السوري، هل أثر الانسحاب بتأجيج الوضع في سورية؟

خرج الأمريكيون من لعبة التدخل المباشر إلى مرحلة الفوضى الخلاقة، يريدون أن يشتبك الجميع مع الجميع وهم واقفون جانباً يتفرجون ويحكمون، وما هي الفوضى الخلاقة بين قزوين والمتوسط؟ هي مجموعة حروب داخلية وخارجية بين دول المنطقة تؤدي إلى حرب داحس والغبراء تطول عشرات السنين ويبقى موضوع الدولار الذي يسعر به النفط موضوعاً مؤجلاً إلى أجل غير مسمى، لذلك فإن الأمريكيين يريدون تفجير الوضع في المنطقة، وقد بدأوا بسورية ولم ينجحوا واليوم هم ذاهبون لزيادة التوتير مع إيران، وهذه المرحلة شديدة الصعوبة والأهمية لأنها ستقرر مصير الولايات المتحدة الأمريكية النهائي، فالدولار في مشكلة والسلطة الأمريكية مرتكزة على قوة الدولار، وقوة الدولار آتية من تسعير النفط به، وإذا انتهى تسعير النفط بالدولار الأمريكي فهذا يعني انتهاء أمريكا، وبالتالي فهم على استعداد لارتكاب السبعة وذمتها للحفاظ على وضعهم كقوة عظمى، ومن هنا فإن المنطقة التي تحتوي على 70% من احياطي نفط العالم هي منطقة استراتيجية يريدون للفوضى أن تعم بها لكي لا يقترب منها أحد من منافسيهم مثل أوروبا والصين وروسيا.

 على ذكر الروس، هل تعتقد أن السيد فلاديمير بوتين قادر على السير بروسيا لتكون قطباً عالمياً مماثلاً لأمريكا مع وجود بعض الدول التي تنضوي تحت جناحها، بحيث يكون ترتيب البيت العالمي من خلال ظهور بوتين مرة ثانية رئيساً لروسيا؟

لقد ارتبط اسم بوتين مع تصاعد الدور الروسي وتوقف الانهيار، وهذا منذ عام 2000، وقد سارت القضية بالتدريج، وروسيا موضوعياً بلد هام عالمياً، فهي تملك 40% من الثروة الباطنية للكرة الأرضية، ويعادل ما تملكه من ثروات باطنية ضعف ما تملكه الولايات المتحدة والصين واليابان وأوروبا مجتمعين، وقد كان رأي بريجينسكي ومادلين أولبرايت أنه من الظلم أن تبقى ثروات هذا البلد ملكاً لبلد واحد، ولذلك فإن مخطط تقسيم روسيا على بساط البحث ويجري علناً.

ناهيك عن أن لدى روسيا 25% من علماء العالم، وأنها المكافئ الذري الوحيد للولايات المتحدة الأمريكية، أما البقية فهم صغار أمام الروس والأمريكان.

لقد كتب على روسيا أن تكون وزناً عالمياً، فمساحتها شاسعة تمثل سدس الكرة الأرضية، وثروات طبيعية هائلة، وعلماء كثيرون، وهي قادرة على لعب دور في السياسة العالمية، وهذا الدور تراجع نتيجة انهيار الاتحاد السوفييتي، والأمريكيون يرون في روسيا ضحية مفيدة جداً لإنقاذهم من الأزمة، وهذا يفسر الموقف الروسي من سورية، فسورية هي برأيي خط الدفاع الأخير عن روسيا، وإذا سقطت سورية بيد الأمريكيين، فالهدف اللاحق سيكون روسيا، والروس يفهمون ذلك تماماً، ولذلك أعتقد أن بين روسيا وسورية تطابق مصالح عميق، إضافةً إلى العلاقات التاريخية القوية بين البلدين، وإلى التقاطع والتطابق في المصالح بينهما، وبما أن الوضع بهذا الشكل فالموقف الروسي كما رأيناه في الفيتو الصيني الروسي، تجاوز حدود التأييد والرفض السياسي للتدخل الأجنبي العسكري، وأعتقد أنه سيذهب حتى النهاية، وهذه اللحظة التاريخية تشبه لحظة 1956 حين ظهر الأمريكيون والسوفييت كقطبين برفضهما للغزو العسكري الفرنسي الإنكليزي الإسرائيلي للسويس، وكانت هذه اللحظة إيذاناً بانهيار عالم قديم ونشوء عالم جديد، وأقول وكلي ثقة: إن الفيتو الروسي الصيني هو لحظة انهيار عالم ونشوء عالم جديد، وهذه المرحلة الانتقالية ستأخذ وقتاً، وعلينا كسوريين أن نستفيد من هذه اللحظة وأن نقوي منعتنا الداخلية وأن نبدأ فوراً بالتهدئة الداخلية بشكل يفتح باب الإصلاح جذرياً، والإصلاح ليس أوراقاً وكلمات بل هو إجراءات تمس مباشرةً لقمة المواطن وكرامته فقط لا غير، وعندها فقط نقول إن الإصلاح بدأ، أما غير ذلك فهو كلام في كلام.

 في الختام، أين وصلتم في لجنة صياغة الدستور، ومتى يمكن أن يرى النور؟

لا نستطيع تحديد وقت صدوره، وقد انتهينا من كل شيء تقريباً، ونحن في التشطيبات الأخيرة، وقد عدلنا النظام السياسي كله، فقد أصبح النظام المطروح في الدستور الجديد نظاماً تعددياً ليس به امتياز لأي حزب، وعدلنا انتخابات الرئاسة فأصبحت انتخابات تعددية، وما زلنا متوقفين عند مدة الولاية ولا أستطيع التحدث في هذا الموضوع قبل أن يحسم، وثبتنا مكاسب اقتصادية واجتماعية للسوريين وعززناها، أي قد نمد التعليم الإلزامي للمرحلة الثانوية مثلاً، والمجاني مستمر طبعاً، وثبتنا الحد الأدنى للأجر كمفهوم في الدستور، وذلك بالمعنى العلمي أي بمعنى تطابقه مع ضرورات المعيشة، وبالتالي الحكومات التي ستأتي بعد إقرار الدستور ستكون مهمتها أن تبحث عن الحد الأدنى الحقيقي للأجر وليس الاسمي، وعليها أن تجد موارده، وموارده موجودة.

 هل أنتم راضون عن عملكم كلجنة؟

اللجنة تعبر عن جميع أطياف المجتمع السوري وفي النهاية إن أكثر الحلول توافقية، ولن أكذب عليك لأقول إن الدستور الجديد يعجبني مئة في المئة، فلست أنا من كتبه، وإنما ساهمت بكتابته وحاولت أن أضغط باتجاه قناعاتي، ولكن هناك طبعاً قناعات أخرى وبالتالي هناك توافقات يجب أن تجري وهي لا تختلف ولا تتعارض مع المصلحة الوطنية، وعلينا كسوريين أن نتعلم كيف نتنازل لبعضنا البعض بحيث نحافظ على وحدة البلد والوحدة الوطنية والمصلحة الوطنية العليا.