«الجولة الثالثة» تقترب..!
تنزلق «واشنطن» ومعسكرها في لجّة النفق المظلم يوماً بعد آخر، ويقضم التوازن الدولي الجديد خارطة العالم القديمة شيئاً فشيئاً ليعيد تشكيلها على صورته.. وفي هذه المعمعة تقدم أوكرانيا، أكثر نقاط الصراع الحالية سخونةً، تجسيداً ظاهراً لهذه الحقيقة
إنّ التوازن الدولي الجديد إذ يجد ترجمته الأولية في عدم قدرة «واشنطن» على تحقيق مآربها النهائية في كلٍ من تونس ومصر وسورية وأوكرانيا وفنزويلا، فإنه يجد ترجمته الأهم في بداية خسارة الولايات المتحدة في هذه البلدان جميعها، والتي تظهر أوكرانيا في طليعتها حالياً باعتبارها مفصلاً هاماً وأساسياً من ناحيتين:
أولاً، إلى جانب المساحة والثروات والأهمية الاقتصادية، فإنها الأكثر متاخمةً لمركز الاستهداف الامبريالي الأمريكي النهائي المتمثل بالشرق وروسيا بين جميع الساحات التي يعمل الغرب على إشعالها، ولهذا فإن الحريق بدأ يهدد الغرب نفسه، والأوروبيين خاصةً، ما سيدفعهم وقد دفعهم حتى الآن إلى تعاملٍ أكثر عقلانية وأكثر احتراماً للقوى الدولية الجديدة ولوزنها الفعلي.
ثانياً، تؤشر أحداث أوكرانيا إلى انتقال روسيا وحلفائها إلى لعب دور الهجوم، والذي جاء استكمالاً لدور الدفاع الذي مثّله أفضل تمثيل الفيتو المكرر ثلاثاً في الشأن السوري. وإنّ هاتين المسألتين، الفيتو المكرر والمسألة الأوكرانية، تظهران بوصفهما مقاييس على درجة تطور ترجمة التوازن الدولي الجديد ومؤشراتٍ على الميل العام لتطوره اللاحق.
تشير الطريقة التي يجري الصراع وفقها خلال العامين الماضيين على نهجٍ محددٍ وواضح لدى روسيا وقوى «بريكس»، يستند إلى لجم العسكرية الأمريكية وجرّها إلى حلولٍ سياسية تظهر الأوزان الحقيقية لجميع القوى. وقد نجح هذا النهج حتى الآن، وإن استمرار نجاحه سيعني تراجعاً سريعاً للولايات المتحدة في مقابل تقدمٍ سريع لخصومها.
كما أن الصراع الجاري يترافق مع تراجع أو تفكك أو تغيير في دور جميع البنى والتحالفات السياسية الدولية والإقليمية، كمجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية وحلف الناتو ومنظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي، وحتى مجلس الأمن والأمم المتحدة.. إلخ والتي تنتمي بمجملها إلى فضاء توازن دولي بات آيلاً للسقوط.
إنّ جملة هذه الوقائع والمؤشرات، تدل على انفتاح الأفق مجدداً وواسعاً أمام الاستمرار في الحل السياسي في سورية وارتفاع حظوظ الجولة الثالثة من «جنيف2» في الانعقاد خلال وقت قريب على أسس سليمة تسمح للشعب السوري بتقرير مصيره بنفسه وبمنأىً عن التدخلات الخارجية، مع تصحيح عيوب التمثيل السياسي فيه. ويتطلب هذا الأمر توسيع الهدنات والتسويات لتشمل أوسع مساحاتٍ ممكنة، والبدء الجدي بحل قضايا المعتقلين والمختطفين والمهجرين، وعدم السماح بتحويلهم إلى ورقة تفاوض.
إنّ الحلول السياسية هي النهج الأساسي الذي تجري عبره عملية تطويق واشنطن وحلفائها، والمعادلة السورية لا تخرج عن هذا السياق. وهذا الجانب إذ يخدم ترجمة التوازن الجديد، فإنّه ينسجم في الوقت نفسه مع الضرورات الوطنية السورية في إيقاف الكارثة الإنسانية المستمرة وفي إيقاف إحراق سورية واستنزافها، وصولاً إلى وضعٍ يسمح بخروجٍ حقيقيٍ من الأزمة الراهنة على أساس إعطاء الشعب السوري المساحة الكافية ليقول كلمته في شؤونه جميعها، الوطنية والاقتصادية- الاجتماعية والديمقراطية.